موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ١٤ مايو / أيار ٢٠١٩
البطريرك لويس ساكو يكتب: السبب الأكبر لهجرة الأقليات في العراق

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

<p dir="RTL">لعب المسيحيون والأقليات الأخرى، دورًا بارزًا في إثراء التعدد الثقافي والاجتماعي والاقتصادي في العراق، وقدموا مساهمات قيِّمة في التعليم والصحة، والإدارة العامة، والخدمات الاجتماعية، وشكّلوا مع المكوِّنات الأخرى فسيفساء جميل من الأعراق والاديان والثقافات واللغات والتقاليد. وكان المسيحيون العراقيون يشكلون في السبعينيات 5 بالمائة من العراقيين وبعد سقوط النظام واستهدافهم بشكل مباشر، هبطت نسبتهم الى أقل من 2 بالمائة. (المسيحيون الشرقيون كانت نسبتهم في الستينيات 20 بالمائة واليوم 4 بالمائة) وهكذا فإن استمرار الامور على ما هي عليه، وعدم التوجه الى اصلاح وضعهم بجدية، سيدفع المسيحيين والأقليات الاخرى الى الهجرة. وهجرتهم، ستؤثر سلباً على هذا التنوع الوطني الحضاري الجميل، وتشوِّهه، مما يتطلب الحفاظ على حقوقهم وهويتهم، وحمايتهم. كما ان بقاء بلد ما على نسيج متجانس واحد، قد يؤدي الى الانغلاق على العالم ويولد نوعا من الراديكالية والتعصب العرقي والمذهبي الخطير.</p><p dir="RTL">يعود تراجع الوجود التاريخي الثري للمسيحيين والأقليات الأخرى الى عوامل عديدة: الضعف المؤسساتي على مستوى العدالة وعدم تطبيق القانون والمساواة وهشاشة الوضع الأمني، والتزاحم المصلحي بعيداً عن النزاهة والمبدئية، مما ترك المجال مفتوحاً للتمييز العنصري ضدهم في ممارسات يومية، في التعليم والتوظيف والحياة الاجتماعية، خاصة بالنسبة للشباب الراغبين في الحصول على التعليم العالي، والدخول الى سوق العمل، وإذا أراد السادة المعنيون إشارات محددة، فهذه واحدة على سبيل المثال لا الحصر. مريم ماهر شابة مسيحية تخرجت بتفوق، ونشرت وزارة التعليم العالي اسمها مع الخريجين الأوائل على الكليات والمعاهد للعامين 2016 و2017. وجاءت درجتها الاولى على الفرع والثالثة على القسم، وضمن الذين وجَّهت الوزارة بتعيينهم، حتى وصل اسمها الى الجهة المنفذة فلم ينفذ التعيين كونها مسيحية! ومثال آخر عن صدور كتاب رسمي من أمين عام مجلس الوزراء د. مهدي محسن العلاق، بتاريخ 27 /1/2019 لاستبدال رئيس جامعة الحمدانية، لكن القرار لم ينفَّذ. أليست هذه الدولة العميقة! ويوم أمس حصل اعتداء على ثلاث سيدات مسيحيات في برطلة بالضرب المبرح وسُرقت أموالهنَّ!</p><p dir="RTL">من ناحية أخرى لقد أسهمت الهجمات الإرهابية من قِبل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية والتي تعد الاقسى بعد مجزرة سيفا &ndash; الحرب العالمية الاولى في معاناتهم وظلمهم حيث تم تهجيرهم من بيوتهم وبلداتهم، وتدميَر مباني الكنائس وتحويلها إلى خراب، ومحو علامات الصليب والتماثيل وغيرها من رموزهم الدينية، وتم قلعهم من بيوتهم ومناطقهم.</p><p dir="RTL"><span style="color:#ff0000;"><strong>وهناك صورة عميقة للتمييز يعاني منها المسيحيون والأقليات الأخرى تتمحور في:</strong></span></p><p dir="RTL"><strong>المراكز السياسية:</strong> يوجد قانون متعلق بالكوتا يحدد لهم خمسة نوّاب، لكن تدخُّل الكتل الكبرى في التصويت لتغليب المرشح الداعم لها، غيَّب التمثيل المسيحي. وهذا يسري على المجالس البلدية، والإدارية. عملياً، هؤلاء الأشخاص لا يعنيهم المكوَّن المسيحي، ولا علاقة لهم بتقديم الخدمات للمكوَّن ولا للعراقيين!</p><p dir="RTL"><strong>قانون الأحوال الشخصية:</strong> على صعيد القانون والمحاكم وتنظيم الأحوال الشخصية، أي المسائل الروحانية أو الدينية والزواج والإرث فلا محاكم خاصة بالمسيحيين والأقليات الدينية الأخرى، لذا يطبَّق عليهم قانون الأحوال الشخصية للمسلمين. وهنا نتساءل لماذا لا يُصاغ قانون مدني مقبول للأحوال الشخصية، يطبَّق على كل العراقيين، كما هو معمول به في معظم دول العالَم.</p><p dir="RTL"><strong>ديوان الوقف:</strong> مهمة الديوان هي متابعة شؤون الكنائس والمعابد للديانات الإيزيدية والصابئة المندائية من الجوانب القانونية والعقارية والصيانة، والاهتمام بالمناهج المدرسية للتأكد من توافقها مع القيم الدينية والوطنية، لكنه معطَّل بسبب الميزانية البسيطة المخصصة له، ومماطلة مستديمة لجهات تنفيذية في عرقلة الموضوع.</p><p dir="RTL">كل هذه العوامل التي تُعَد تهديداً، وأحياناً اضطهاداً، تؤثر على وجودهم التاريخي والحضاري، وجعلت طريق المسيحيين مع الأقليات الاخرى يسوده القلق والضبابية والخشية من المستقبل، خصوصاً أمام صمت المسؤولين، بالرغم من أن ولاءهم كان دوماً للوطن، ودفعوا الثمن باهضاً.</p><p dir="RTL"><span style="color:#ff0000;"><strong>الحاجة إلى خطة عمل</strong></span></p><p dir="RTL">النوايا الحسنة التي نلمسها في لقاءتنا مع المسؤولين الحكوميين مهمة، لكنها وحدها لا تكفي، بل الحاجة الى اجراءات عملية تغير الواقع. المسيحيون والأقليات الأخرى يتوقون بعد كل ما تعرضوا اليه من الظلم والتمييز الى حلول عملية. يريدون أن يمارسوا حياتهم وإيمانهم بحرية كمواطنين عراقيين، وان تُحترم حقوقهم ليتمكنوا من الاسهام إيجابيًا في حياة بلدهم. وهذه بعض أفكار نأمل أنها تستحق المتابعة والدعم والتشجيع:</p><p dir="RTL">1. يتعين على القادة والقوى السياسية أن يضعوا الخلافات السياسية جانباً، وأن يكونوا صوت الاعتدال والسيادة الوطنية والتسامح. وأن يبحثوا بجدية عن حلٍ للمشاكل القائمة بجدية، وأن يستأصلوا العوامل المذكورة أعلاه من جذورها، وبخاصة التطرف الديني الذي يستخدم العنف. وهنا لا بد أن نُذكّر بأن الدين جاء من أجل الإنسان، لتهذيب عقله وقلبه، وحثَّه على الفضيلة وتجنُّب الرذيلة، والتعامل بالرحمة مع الجميع على حدٍ سواء، ليعيشوا بسلام وفرح. فما يُرتكب من جرائم باسم الدين وباسم الله الذي نعبده، خطيئة جسيمة، علينا الاعتذار عنها وتجنُبها.</p><p dir="RTL">2. يجب على الحكومة العراقية، إذا كانت تريد حقاً بقاء المسيحيين والأقليات في العراق، أن تتعامل بجدية مع الإصلاحات الأساسية: أي تطبيق القانون دون خوف أو محاباة، ونزع السلاح من الميليشيات، وتوفير الأمان والاستقرار، ومحاربة التطرف والتفرقة، والإرهاب والفساد، وإعتماد الكفاءة في توزيع فرص العمل، على نحو عادل. نذكر هنا على سبيل المثال ان الدرجات التعويضية للمكوَّن المسيحي من &ldquo;المستقيلين&rdquo; أو تاركي الوظيفة والمتقاعدين، والتي تم إقرارها من قبل مجلس الوزراء لعام 2018 لم يتم تطبيقها على أرض الواقع. في مقالي السابق: المسيحيون &ldquo;مهاجرون مؤجَّلون&ldquo; أمام موقف حكومي غائب، ذكرت حالات عديدة من الظلم الذي يتعرض له المسيحيون.</p><p dir="RTL">3. احترام حق التنوع والاختلاف والعيش بسلام، باعتماد نظام سياسي مدني معاصر، يعزز قيَم المواطنة ويحقق مبادئ الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والشراكة الحقيقية بين كافة المواطنين العراقيين، بِغَض النظر عن انتماءاتهم الدينية والثقافية والعرقية، ويعزز العيش المشترك مع المسلمين، فيغدو العراق أرض المحبة والاخاء.</p><p dir="RTL">4. توفير ظروف جيدة تضمن للمسيحيين والأقليات الدينية الأخرى المواطنة الكاملة والحرية في ممارسة عقائدهم بشكل صريح، وتصون تراثهم ومعالمهم الأثرية والتاريخية كجزء لا يتجزأ من الحضارة العراقية، لتمكينهم من مواصلة حياتهم بحرية وكرامة. المسيحيون والاقليات الاخرى يتطلعون الى مجتمع انساني يحترم فيه الجميع بعضهم البعض.</p><p dir="RTL"><span style="color:#000080;"><strong>بهذه الطريقة وحدها، ورغم المعاناة الكبيرة التي سببّتها الحوادث الإرهابية، قد يرى المسيحيون والأقليات الأخرى المهاجرون الى دول الجوار أو بلدان الشتات، سببًا مشجعًا على العودة، لاسيما أن الوطن لم يزل حيًا في وجدانهم وضميرهم.</strong></span></p>