موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٤ أغسطس / آب ٢٠١٩
البطريرك ساكو يكتب: الارض أمُّنا، والوطن هويتنا

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

الارض امُّنا، وجزءٌ جوهريّ من كياننا. من دونها ما كنّا نكون، وأننا اليها عائدون لا محالة. ولأن الارض مهمة فعليها صراعات. الارض لا تعود الى الانسان بل الانسان يعود اليها “أَنَّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ” (تكوين 3: 19). الأرضُ اُمٌّ تجمعنا كلنا. أنا ابن العراق ولست وافدًا اليه، اُحبُّه وأحترمه، وأعمل لإدامة جمال طبيعته، كالنظافة والتشجير والحفاظ على تراثها، وثرواتها من مياه ومعادن وكائنات حية. من المؤسف أن ثمة اُناسًا لا يشعرون بعلاقتهم بالأرض وبأهمية حماية البيئة. إننا بحاجة الى توعية شاملة.

الارض فضاءٌ مفتوحٌ، تُذكِّرنا بأشياء مهمة في حياتنا. فعلاقتنا مع الأرض هي علاقةٌ مع كل ما يوجد عليها. والبقعة الجغرافية الصغيرة كالضيعة، والبلدة والمدينة تتحول الى أرض أكبر، هي الوطن، الذي يجمع كل أبنائه من خلال روابط اللغة والتاريخ والمصير المشترك. الشِركة مع الارض لا يلغيها الموت، بل يغيّرحالتنا.

الهجرة اقتلاعُ الجذورِ “من الوطن” وخصوصًا عندما نكون فيه أهل الأرض. في غير أرضنا، نحن غرباء. أرضنا اُمٌّنا، وعندما نغادرها نفقد الصلة بها. التمسك بالارض – الوطن من الايمان. “واذا ُترِكَت الأرض راحت“. أزمات الوطن عديدة، لكن الظلم لابد أن يَعبُر. إني لا اُريد أن أتستَّر على الظلم الذي تعرض له العراقيون عامة، والمسيحيون والأقليات الاُخرى خاصة، من عمليات ترهيب وتهجير وقتل وتمييز وإقصاء واستيلاء على ممتلكاتهم أو إجبارهم على بيعها بأسعار بخسة، لكن الأمل باقٍ، ينبغي ان نتمسك به ونغذيه ليكبر وينتشر. إن عافية كنيستنا الكلدانية والسريانية والآشورية هي قبل كل شيء في أرض آبائنا وأجدادنا. وبصمودنا وتمسّكنا بها، نحافظ على تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا ولغتنا وهويتنا. فعائلة الناصرة (يوسف ومريم ويسوع) هاجرت الى مصر بسبب الظروف، لكنها عادت واستقرت في الناصرة!

عندما نتلو صلاة “ابانا الذي في السماوات… لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الارض”، نَقرُّ بأن إلهنا هو اله كل الخليقة وانه “رأَى ذلك حَسَنٌ” (تكوين 1: 4). لذا نحن مدعوون للشهادة بجمال الحياة والكون، ورفع الشكرلله من أجل ذلك، وان نُسهم بفعّالية في تقدم البلاد. يجب أن نجعل العراق أرض المحبة والاخاء والعيش المشترك. ونحن المسيحيين ينبغي أن نبقى متجذّرين في أرضنا ونتواصل بشجاعة مع إخواننا المسلمين في حمل شعلة الاخوّة والمحبة والتسامح والحرية والكرامة، كما جاء في وثيقة “الاخوَّة البشرية” التي وقَّعها البابا فرنسيس وشيخ الازهر د. أحمد الطيب.