موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
البطريرك ساكو يقدّم قراءة لاهوتية في تظاهرات العراق

الكاردينال لويس روفائيل ساكو :

ولد لاهوت التحرير في أوجاع والآم دول أمريكا اللاتينية، بسبب الفساد السياسي والإداري والمالي المُهيمن على معظم هذه البلدان. لاهوتٌ مُلهَمٌ من اللاهوت المسيحي والمتطلبات السياسية والإجتماعية والإقتصادية. لاهوتٌ شدد على الاهتمام بالفقراء والجياع والمظلومين وطالب بالتحرير السياسي والإداري والإقتصادي لبلدانهم البائسة، وعدم إستلاب ثرواتهم الوطنية. لاهوتٌ يعود الى ستينيّات وسبعينيّات القرن العشرين. قادهُ أشخاص مسيحيون مؤمنون، وبمباركة بعض اللاهوتيين البارزين من أمثال: غوستافو غوتيريز من بيرو، وليوناردو بوف من البرازيل، وخوان لويس سيغوندو من الاوروغواي الذين وقفوا الى جانب الفقراء، وانطلقوا من المطالبة بتحقيق قيم العدالة الاجتماعية والمواطنة وحقوق الانسان بالحياة الكريمة. واستلهموا حراكهم من مثال المسيح الثائر: “أتيت لتكون لهم الحياة وبوَفرة” (يوحنا 10/ 10) ومن خطابه: "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ لِأَنَّهُ مَسَحَني لِأُبَشِّرَ الفُقَراء، وأَرسَلَني لأُعلِنَ لِلمَأسورينَ تَخلِيَةَ سَبيلِهم، ولِلعُميانِ عَودَةَ البصَرِ إِلَيهِم، وأُفَرِّجَ عنِ الـمَظلومين" (لوقا 4/ 18). لاهوتٌ نجد فيه عِبَراً مُلهِمة لأوضاعنا الحالية.

■ قراءة لاهوتية في تظاهرات العراق

من المُلفت للنظر أن الجامع الرئيسِ لمتظاهري العراق ولبنان، ومعظمهم من الشباب ومن كلا الجنسين، هو إيمانهم بأرضهم ووطنهم، وحقوقهم المشروعة ومستقبلهم، أمام الفساد البنيوي المتأصِّل منذ 2003، والطائفية والتمييز والتهميش والإقصاء.

فيما يلي قراءتي المتواضعة لسماتِ إحتجاجهم:

- سلمية الاحتجاج. مثل المسيح الذي لم يحمل سيفاً، بل قال: "فكُلُّ مَن يَأخُذُ بِالسَّيف بِالسَّيفِ يَهلِك" (متى 26/ 52). هذا المِثال قد أثَّر كثيراً على مهاتما غاندي في محاربة سلمية للاستعمار البريطاني في الهند، ونلسن مانديلا في محاربة التمييز العنصري في جنوب أفريقيا. وحصل التغيير المنشود "ولو بثمن باهض". هذا ما يفعله متظاهرو العراق الذين حملوا العلم العراقي وشعار: "بالروح بالدم نفديك يا عراق".

- المطالب. السلام والاستقرار والعيش الكريم. السلام في المجتمع من خلال بناء نظام وطني دستوري، بعيد عن الطائفية والمحاصصة، تسود فيه العدالة الاجتماعية وحكم القانون بحيث لا يكون فيه أحد مظلوماً أو جائعاً او مهمشا أو نازحاً أو مُهَجّراً.

- الثمن. دفع المسيح ثمنًا لرسالته النبيلة حياته حيث صلبه اليهود. وهؤلاء المتظاهرون يدفعون ثمنًا باهظًا جدًا، وقد تجاوز عدد القتلى الـ430 شهيد والجرحى 15 ألف.

أؤمن ان العراق سينهض بفضل هذه الدماء والتضحيات، ويولد وطن راقٍ، جامعٍ لكل طوائفه وشرائحه على حدٍّ سواء.

نحن المسيحيين بدأنا هذا الاحد، الأول من كانون الأول 2019 زمن البشارة، أي الاستعداد لميلاد المسيح، فيه نصلي أن تتحقق رسالة الميلاد هذه: "المجدُ لله في العُلى وعلى الأرضِ السلام والرجاء الصالح لبني البشر" (لوقا 2/ 14).