موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٩ مارس / آذار ٢٠١٨
البطريرك ساكو: هناك فرصة صغيرة، لكنها حقيقية، للسلام

أجرت المقابلة آن بينيديكت هوفنر :

<p dir="RTL">يصرّ صاحب الغبطة، لويس رافائيل ساكو، بطريرك بابل الكلدان، على ضرورة القيام بأعمال إعادة إعمار البلاد وتثقيف الشعب العراقي.</p><p dir="RTL"><strong>أين وصل تعمير القرى المسيحية في سهل نينوى؟ هل يمكن أن نتحدث عن عودة الوجود المسيحي إلى موطنه التاريخي أم إن الكلام مبكر على ذلك؟</strong></p><p dir="RTL">في المرة الأولى التي عدت فيها إلى الموصل، بعد سقوط داعش، في تموز 2017، ذهبت إلى كنيسة مار بولس (المجموعة الثقافية). سألني أحد الجيران المسلمين: متى ستبدأون بإعادة بناء الكنيسة؟ فأجبته: بأن علينا قبل كل شيء إعادة بناء الناس أولاً. وعندما أقول ذلك، أفكر في جميع الموصليين، من مسيحيين ومسلمين على حد سواء. وبالرغم من أنهم عاشوا جنبا إلى جنب لفترة طويلة، إلا أن ذلك التعايش ليس واضحا بحد ذاته. فاليوم، يجب عليهم أن يفكروا بمعناه: ماذا ينتظر الله والآخرون مني؟ وإذا ما قمنا بهذا التحوّل، فعندئذ سيتم التغيير ويمكننا في ذلك الحين التحدث عن &quot;القيامة&quot; في الموصل وسهل نينوى.</p><p dir="RTL">التقيت ببغداد قبل فترة مع رئيس ديوان الوقف السني وممثل عن ديوان الوقف الشيعي، أن رئيس الوزراء التركي (علي يلدريم)&nbsp; قال إنه عندما سيموت، لن يسأله الله عما إذا كان سنيًا أو شيعيًا أو مسيحيًا، ولكن عمّا فعله من الخير. ذكرتُ هذه الجملة في موعظتي لاحقًا، وغالبًا ما أكررها أمام العديد من المسلمين الذين يأتون لزيارتي. فبالتالي، إن التساؤل الأساس في الكتاب المقدس كان ولينا طرحَه اليوم في العراق: &quot;ماذا فعلتَ بأخيك؟&quot; (تكوين 4/9).</p><p dir="RTL"><strong>أليست إعادة إعمار الإنسانية والروحية هذه مشروطة بحد أدنى من الرخاء المادي؟</strong></p><p dir="RTL">باعتقادي إننا سنقوم بأنفسنا بإعداد الظروف المادية لعودتنا. لكن للأسف، الإطار السياسي لا يفضي إلى التفاؤل: فالأحزاب تظل منقسمة من منظور الانتخابات المقبلة. لقد مرّت ثمانية أشهر منذ أن تمّ تحرير قرى سهل نينوى، وقد قيل لنا إنه سيتم إعادة بناء البنى التحتية، لكن لم يحدث شيء. الكنائس والمنظمات المسيحية من الخارج وحدها تساعد المسيحيين على العودة إلى ديارهم. ولكن يجب على سكان القرى أيضا اتخاذ المبادرات، أعني إذا كان عليهم البدء بحفر بئر جديد أو ترميم هذا المنزل أو ذاك.</p><p dir="RTL">إن الحرب والعنف المتفشي في الثقافة والعقلية القبلية قد أضرت بنا جدًا. في الآونة الأخيرة، سألني صحفيون عراقيون لماذا لا ينظِم المسيحيون حماية خاصة بهم على المستوى القبلي من خلال تشكيل الميليشيات. قلت لهم إنه سيكون اختيارًا للفوضى ضد حكم&nbsp; الدولة والقانون. ولكي نساعد المسيحيين في سهل نينوى، علينا مساعدتهم على استعادة أخذ زمام مسؤولياتهم، كي يصبحوا سادة مصيرهم، ويجدوا عملا لهم.</p><p dir="RTL"><strong>ما هو الأمر الأكثر إلحاحًا، في نظركم، في العراق اليوم؟</strong></p><p dir="RTL">إن حاجتنا الأساسية هي إلى السلام. فالاستمرار بالحرب والتدمير وخلق البؤس أمور سهلة جدا. يجب مساعدة الأفراد والدول على بناء السلام، وليس بالبحث عن مصالحهم الاقتصادية فحسب وإنما عن كرامة الشخص وهذا أمر شديد التعقيد. لذلك، فإن الحل الوحيد يكمن في الحوار الصادق والشجاع. ولن تتحقق النتيجة في يوم واحد ولكن يجب العمل على الأقل في نفس الاتجاه. ويقع على المسيحيين، على وجه الخصوص، أن يكونوا صانعي سلام.</p><p dir="RTL">كذلك يمكن للفاتيكان أن يكون له تأثير أخلاقي أكثر منه سياسيًا بخصوص المصالحة: عندما ذهبنا إلى روما في زيارتنا الأخيرة للأعتاب المقدسة، كرر الكاردينال بارولين (سكرتير الدولة للكرسي الرسولي) استعداده للمجيء إلى العراق لتشجيع الحوار بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان.</p><p dir="RTL">لقد أصبحت بلداننا، العراق وسورية خصوصا، بمثابة براكين منذ عشرة أو خمسة عشر عاماً: عندما يكون هناك شخص ما مظلوم، لم يعد رد فعله باتجاه اللجوء إلى المحكمة بل الى نفسه وعشيرته للانتقام. لماذا أصبحت الحياة البشرية غير مهمة في نظرنا؟ عليكم أن تساعدوننا على تغيير هذه الثقافة، من أجل استعادة أهمية حياة الإنسان، فلا يعود الحلم لدينا بالعودة إلى القرون الأولى من المسيحية أو الإسلام. إن هذا لا معنى له، ومتناقض أن نتحدث عن الجهاد (والحرب المقدسة) ونجبر الناس على ترك ديارهم وأراضيهم، وأن يبتعدوا عن تراثهم وتاريخهم من أجل ذلك. إن الادبيات القديمة التي تدعو إلى قتل المسيحيين، اليهود أو المشركين قد كتبت قبل 1400 سنة! أما اليوم، فلم نعد نشكل خطرًا على المسلمين.</p><p dir="RTL">يجب أن نساعدهم على إجراء إصلاحات جذرية في الطريقة التي يقرَؤون بها نصوصهم، والبحث عن معانيها، وعدم أخذها حرفيًا. في الأول من آذار الماضي، جمعتُ قادة جميع الأديان في بغداد ليوم واحد من المناقشات حول موضوع &ldquo;معا أمام الله نبحث عن كلمة الحق للقضاء على خطاب المتعصبين باسم الدين&rdquo;. تحدّث كل المشاركين بكثير من الحرية. اقر رجل دين سني بشجاعة بأن هناك &quot;قنابل موقوتة&quot; في الادبيات الدينية. إذا كان الأمر كذلك، يجب نزع فتيلها!</p><p dir="RTL"><strong>يحتفل في نهاية هذا الأسبوع بعيد الفصح في سهل نينوى وللمرة الأولى منذ سقوط داعش. كيف سيجري ذلك؟</strong></p><p dir="RTL">ثلاثة آلاف عائلة عادت بالفعل إلى قرةقوش، ومائة أسرة إلى الساحل الأيسر من الموصل، وحتى عائلة واحدة إلى الجانب الأيمن منها، وهي التي ساعدناها في ترميم منزلها بجوار دير الآباء الدومنيكان. وبفضل منظمة &quot;عمل الشرق&quot; الفرنسية نعيد بنا كنيسة مار بولس في الموصل وانشاء الله سينتهي بناء الكنيسة وبيت الكاهن الذي تمتلكه الأبرشية وقد بقي سالمًا تقريبًا. آمل أن أقيم القداس هناك في الأيام المقبلة. لدينا هذه الفرصة بأن نتوجّه إلى الله بصفته أبًا: لا ينبغي أن نعتاد على ذلك قط! هذه العلاقة البنوية يجب علينا إعادة اكتشافها بلا توقف وتعميقها: فالإيمان المسيحي، ليس تمسكا بعقيدة ما بقدر ما هو اعتراف بأن الله يحبّنا.</p><p dir="RTL">في الأشهر المقبلة، سينبغي علينا أيضًا إعادة بناء وفتح مدارسنا وعياداتنا الطبية الخيرية في الموصل، التي كان يتردد إليها جيرانُنا المسلمون. هذه هي شهادتنا. أرى من حولي كثير من المسلمين الذين تعبوا من خطاب الكراهية باسم الله. إنهم يبحثون عن إله الحب والسلام والاحترام والفرح. كل يوم يزورني قادة مسلمون: هم أيضاً خائفون من المتطرفين. إن في هذا حقا لفرصة صغيرة لكن حقيقية كي يحل السلام.</p>