موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ١ ابريل / نيسان ٢٠١٩
البطريرك الماروني بشارة الراعي: من ’هيكلية الخطيئة‘ إلى ’هيكلية التوبّة‘

البطريرك بشارة الراعي :

<p dir="RTL"><span style="color:#006699;">فيما يلي مقتطفات من العظة التي ألقاها البطريرك الماروني بشارة الراعي خلال ترؤسه قداس أمس الأحد، وشدد فيها على ضرور &quot;أن تكون التوبة الشخصية إلى الله، توبة اجتماعية إلى الإنسان والمجتمع والدولة، وبالتالي مصالحة مع العمل السياسي كفنٍ نبيل لخدمة الخير العام&quot;.</span></p><p dir="RTL">يعلّمنا الرّبّ يسوع في آية شفاء المخلّع أنّ الإنسان كائن جسديّ وروحيّ معًا، وخُلق أصلاً في حالة البرارة. لكنّ الخطيئة شوّهت علاقته مع الله والذات والآخرين، وسبّبت له الأمراض والموت. ولهذا السّبب شفى يسوع المخلّع من شلل نفسه كأساس، ثمّ من شلل جسده كنتيجة. ذلك أنّ النّفس، عندما تُشفى وتتقدّس، يتقدّس بها الجسد كلّه بأمراضه وعاهاته، إذ تتّخذ قيمة فداء وخلاص، وبواسطتها تتواصل آلام الفادي الإلهيّ، كما كتب بولس الرّسول: &quot;اني اتم في جسدي ما نقص من الام المسيح من اجل الكنيسة&quot; (راجع غلا 17:6).</p><p dir="RTL">عندما تكثر الخطايا الشخصيّة، ولا أحد يتوب عن خطاياه، تتراكم هذه الخطايا في المجتمع وتتّسع لتشمل الكثيرين، فتصبح عيشًا في &quot;هيكليّة خطيئة&quot; كما يسمّيها القديس البابا يوحنا بولس الثاني. أليس هذا واقعنا في لبنان، عندما نرى تدنّي القيم الأخلاقيّة والفضائل المسيحيّة والدّينيّة؟ وعندما نسمع المسؤولين من وزراء ونوّاب يتشكّون من الفساد المتفشّي في الوزارات والإدارات العامّة؟ وعندما نشهد كيف يُسرق المال العام، ويُهدر، ويُسلب، بشتّى الطّرق؟ وعندما نرى شبيبتنا متهافتة على المخدّرات بسبب عدم السّهر الكافي من الوالدين والسّلطات المدنيّة، وبسبب دعم المروّجين والتجّار، على الرّغم من نشاطات الأجهزة المعنيّة مشكورة؟</p><p dir="RTL">فلا بدّ من أفعال توبة من قبل الجميع، إذ لا شفاء إلاّ بالتوبة إلى الله. فكما أنّنا نعيش في &quot;هيكليّة خطيئة&quot;، يجب أن نخرج منها والوصول إلى &quot;هيكليّة توبة&quot; تُجدّد كلّ شيء، مثلما تَجدّد مخلّع كفرناحوم روحًا وجسدًا بنعمة المسيح الإله.</p><p dir="RTL">عندما نقول خطيئة، نفهم للحال خطيئة ضدّ الله، وهي كذلك. ولكنّها أيضًا خطيئة ضدّ الإنسان والمجتمع. فتتّخذ هذه الخطيئة الشّخصيّة إسم &quot;خطيئة اجتماعيّة&quot; بمعنى أنّها تؤثّر على جميع النّاس. فكما أنّ &quot;كلّ نفس ترتفع، ترفع معها العالم&quot;، كذلك &quot;كلّ نفس تنحدر بالخطيئة تُحدر معها الكنيسة والمجتمع&quot; (يوحنّا بولس الثاني: الإرشاد الرّسولي بشأن المصالحة والتّوبة في رسالة الكنيسة اليوم، 16). وهي خطيئة اجتماعيّة عندما تكون إساءةً أو تعدّيًا بشكل مباشر على الآخر مثل التّصدّي للحياة ذاتها كالقتل والاجهاض والانتحار؛ وانتهاك حصانة الإنسان كالتّعذيب الجسديّ والمعنويّ والنّفسيّ، وإهانة كرامته وشرفه كسلب الصّيت والدّعارة والاتّجار بالنّساء والأطفال والتّحرّش بالصّغار، والاعتقال الاعتباطيّ. وهي خطيئة اجتماعيّة عندما تُنتهَك العدالة، وتُمسّ حقوق الإنسان الأساسيّة ولاسيّما الحقّ في الحياة المكتفية والسّكن والعمل وإنشاء عائلة. وهي خطيئة اجتماعيّة عندما لا يؤمَّن الخير العام ومتطلّباته على مستوى السّلطات التّشريعيّة والاجرائيّة والإداريّة، ويُهمَل السّعي للنّهوض بإقتصاد البلاد من أجل تأمين استقراره ونموّه والعيش الكريم للشّعب (الإرشاد الرّسولي: بشأن المصالحة والتوبة، 16).</p><p dir="RTL">فكما أنّ الخطيئة الشّخصيّة ضدّ الله هي في الوقت عينه خطيئة اجتماعيّة ضد الانسان والمجتمع، بحسب المبدأ القائل: &quot;سلام مع الله، سلام مع الخليقة كلّها&quot;، بات من الواجب أن تكون التوبة الشخصيّة إلى الله توبة اجتماعيّة الى الانسان والمجتمع والدولة، وبالتّالي مصالحة مع العمل السّياسيّ كفنٍّ نبيل لخدمة الخير العام، ومع الدّولة ومؤسّساتها ومع مالها العام، ومع الشّعب اللّبنانيّ ومع واجب النّهوض الاقتصاديّ والماليّ.</p>