موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ١٤ سبتمبر / أيلول ٢٠١٧
البطريرك الراعي يكرّس شخص مار شربل في بلدة فاريا اللبنانية
فاريا - أبونا :

بالتزامن مع عيد ارتفاع الصليب المقدس، ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، القداس الإلهي وفيه كرّس شخص مار شربل على تلة الصليب، في بلدة فاريا، في قضاء كسروان بلبنان.

وقال البطريرك الراعي في عظته: "بارتفاع يسوع على الصليب، لفداء الجنس البشري بأسره، اجتذب إليه العالم كلَّه بمحبّته. وإذ بسط ذراعَيه ليُصلب، كعقاب من دون علّة، فقد فتحهما ليضمّ إليه جميع الناس. إنّ كلَّ مَن يسيء إليه بخطاياه، وبالتالي إلى الله الواحد والثالوث، وينظر إلى الفادي الإلهي نظرة توبة، نال الغفران والمصالحة. بهذا المفهوم، رفع أهالي فاريا الأعزّاء في الماضي هذا الصليب على أعلى قمّة مشرفة من أرضهم. واليوم، يرفعون على مقربة منه أكبر تمثال في العالم للقدّيس شربل الذي عاش في محبسته على جبل عنايا، كل تقشفات الصليب، بالصوم والصلاة والسجود والتجرّد والحرمان. وهناك ليلًا ونهارًا، وعيناه شاخصتان إلى صليب الفادي، كان يكفّر عن خطايا كلّ الناس، ويحمل الجميع في صلواته وقداسه اليومي في منتصف النهار".

وأضاف: "لقد تماهى مع ذبيحة الفادي. ففيما كان يقيم قداسه الأخير، وكان اليوم الأوّل من تساعية الميلاد سنة 1898 وبلغ إلى رفعة الكأس والجسد، وبدأ بتلاوة أولى كلمات الصلاة: "يا أبا الحقّ، هوذا ابنُك ذبيحةٌ ترضيك"، خارت قواه وسقط أرضًا بانفجار دماغي أدخله في غيبوبة كاملة حتى وفاته ليلة عيد الميلاد في 24 كانون الأوّل 1898. فكان تذكار ميلاد ابن الله الفادي يسوع المسيح على أرضنا، ميلادَ شربل في السماء، بعد أن عاش بنوّته لله، بالابن الوحيد، بكلّ تفانٍ وإخلاص".

تابع: "يسعدني أن نحتفل معكم، ونحن نحيي عيد ارتفاع الصليب المقدس، ونكرّس تمثال القديس شربل، الذي أردتموه أكبر تمثال في العالم، وقد أتت الفكرة كنذر وشكر للقديس شربل على نعمة نجاح في نوايا خاصة بالسيد ميشال سلامه رئيس المجلس البلدي، ونعمة شفاء ابن شقيقه ميشال إيلي سلامه. وقد شاء هذا الأخير التبرع، مشكورًا بكلفة التمثال بكاملها، والتعاون مع البلدية لتحديد المكان وتسهيل التنفيذ. وكان التعاقد مع النحّات نايف علوان الذي نفّذ العمل الجميل بالتعاون مع آخرين، فالشكر له ولهم".

وقال البطريرك الماروني: "لقد رأى يسوع في ساعة اقتراب صلبه، كما سمعنا في الإنجيل، مجدَه ومجد الآب. فموتُه هو مجدُه لأنّه يفتدي الجنس البشري، منتصرًا على الخطيئة والموت. وتكلّل مجده بقيامته من بين الأموات بعد ثلاثة أيام. وموته هو أيضًا تمجيد للآب، لأنّه حقّق إرادة محبّته لخلاص جميع البشر. هذه الحقيقة اللاهوتيّة العظيمة، شبّهها الربّ يسوع بحبّة الحنطة، وترجمها بالمحبة المتفانية والمتجرّدة من الذات كنهج في حياتنا المسيحية، يُعطي ثماره في حياة الكنيسة والمجتمع والوطن، ويُكسبنا الحياة الأبدية مع الله. هذه هي ثقافة النهج المسيحي التي يعلمنا إياها الرب يسوع. وهي ثقافة التفاني والعطاء من الذات من أجل تغيير وجه العالم ومجرى التاريخ، كما فعل رجال ونساء كبار في الكنيسة والمجتمع والدولة".

وأضاف: "إنّنا نتطلّع إلى أمثال هؤلاء، في لبنان اليوم، على كل مستوى، في الكنيسة والمجتمع وخاصة على مستوى الجماعة السياسية، إلى رجالات دولة مميّزين بالتجرّد والتفاني وعدم الإنغماس في موجة الفساد العارمة، وأحرار من ذواتهم ومصالحهم الرخيصة، ومفعمين بمحبّة الوطن وشعبه، وخاضعين للدولة ومؤسّساتها ودستورها وقوانينها. طموحهم بناء دولة المؤسّسات والقانون، لا الفشل وافتعال النزاعات. طموحهم إجراء الانتخابات النيابية الفرعية حاليًا، والعامة في أيار المقبل، احترامًا لقرارهم وللشعب وللدستور، لا الاختباء وراء ذرائع واهية، حتى من دون أي مجهود لمعالجتها أو إلغائها، لضمان استئثارهم بالسلطة ومنع وصول وجوه جديدة إلى المجلس النيابي".

وختم البطريرك الراعي عظته بالقول: "فإذا توفّر للبنان مثل هؤلاء الرجالات المسؤولين، وجدناهم يتفانون في النّهوض بالبلاد إقتصاديًا وإنمائيًا، إجتماعيًا ومعيشيًا، ثقافيًا وأخلاقيًا، مثمّرين لهذا الصالح العام كل قدرات وطننا ومرافق الدولة ومرافئها. لا تخفى على أحد معاناة شعبنا، وفقره، وهمومه. فلا يحق لرعاة هذا الشعب أن يرعوا نفوسهم، ويهملوا الشعب، فيما الشّعب نفسه أوكل إليهم هذه الخدمة العامّة الشريفة. ولا يوجد أي مبرِّر لسلطتهم لولا هذا التّوكيل وهذه الغاية".