موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ مارس / آذار ٢٠١٥
البطريرك الراعي يترأس قداس يوبيل القديسة تريزا الأفيلية في بكركي

بيروت – أبونا :

 

ترأس الكاردينال بشارة بطرس الراعي، بطريرك أنطاكيا للموارنة، قداساً احتفالياً لمناسبة المئوية الخامسة لولادة القديسة تريزا الافيلية، على مذبح الكنيسة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه الرئيس الاقليمي للآباء الكرملين الأب مخول فرحا، ولفيف من الأساقفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات، والآباء والرهبان والراهبات، وحشد من المؤمنين.

 

وقال البطريرك الراعي في عظته: "يسعدنا أن نحتفل، مع الأسرة الكرملية احتفاء باليوبيل المئوي الخامس لميلاد القديسة تريزا الأفيلية في 28 أذار 1515. بعد الاستعداد الروحي له في الأديار، الرجالية والنسائية، لمدة خمس سنوات، من سنة 2009 إلى 2015. فغرفتم، أيها الكرمليون والكرمليات، الروحانية من كتابات القديسة تريزا، سنة بعد سنة. وكانت الغاية من التحضير، على المستوى الشخصي والجماعي، تجديد الاتصال بينكم وبين أمكم القديسة تريزا، قبل أن تكون تنظيم احتفالات ليتورجية وثقافية ومبادرات روحية وراعوية".

 

وأضاف "فإننا نهنئكم بهذا اليوبيل وبالثمار الروحية التي أفيضت عليكم، رهبانا وراهبات وكرمليين علمانيين، وعلى الكنيسة. ونحيي كل الجماعات في أدياركم ومؤسساتكم، وبخاصة في لبنان وسوريا ومصر. ونحمل في صلاتنا الراهبات الكرمليات التأمليات المحصنات في كل من دير كرمل والدة الإله والوحدة في حريصا، ودير كرمل والدة الإله والقديس يوسف في كفرمسحون، ودير جبل الكرمل في الأراضي المقدسة، ودير كرمل سيدة سوريا في حلب. إن الكنيسة في هذا المشرق تتكل على صلاتكم وشهادة حياتكم، وبالأخص على صلاة المتوحدات وإماتاتهن وتقشفاتهن في الأديار".

 

وتابع البطريرك الماروني "أعطيني لأشرب" (يو4: 7). بهذا الطلب بدأ الرب يسوع حواره المحيي مع السامرية. فهو العطشان يلتمس ماء منها ليشرب، وهي ترفض لأن الشريعة والعادات تمنع التخالط بين اليهود والسامريين. هذا هو "الحرف الذي يقتل". أما يسوع فتخطى الرفض وتفهم المرأة، لكنه عرض عليها بالمقابل "الماء الذي إذا شرب منه أحد لن يعطش ثانية" (يو4: 13).

 

واعتبر أن "هذا هو الحوار الحقيقي مع المسيح على المستوى الروحي، وبين الناس على المستوى الاجتماعي. إنه حوار من دون أفكار مسبقة، ومن دون التمسك برأي أو رؤية، مع الاستعداد لقبول الرفض والمعاكسة وإيجاد مخرج آخر أفضل. والحوار الحقيقي هو الذي لا يحتاج إلى وساطة ووسيط، بل يحصل بالمواجهة الشخصية واللقاء والاتصال وجهاً لوجه، ما يدل على حرية الإرادة والعقل والقلب. الحوار الحقيقي ينبع من الحب في القلب، الذي يرغب في الوصول إلى الحقيقة التي تجمع".

 

ورأى أن "القديسة تريزا دافيلا دخلت في مثل هذا الحوار الشخصي العميق الصافي بينها وبين المسيح، عبر الصلاة والتأمل النابعين من قلب يحب. وهي القائلة: لا تقوم الصلاة على كثرة التفكير، بل على وفرة الحب" (كتاب المنازل 4، 1، 7). "والصلاة نهل من الله وسكب على النفوس" (كتاب الأعمال الكاملة). وتعلمنا أن الحوار مع المسيح يبدأ بمبادرة منه، وهو يحييه ويوجهه، كما فعل مع المرأة السامرية، لكنه ينتظر منا فقط نظرة إليه (كتاب طريق الكمال، 25، 3). وكأننا بهذه النظرة نقول له بدورنا: "أعطني لأشرب" (يو4: 7). في كل ظرف صعب أو في أي حيرة وتردد، إذا نظرنا إلى يسوع، إذا قلنا له "أعطني لأشرب"، وجدناه حاضراً، لأنه لهذه الغاية أتى إلى العالم. فهو ليس بعيدا عن كل واحد وواحدة منا. وتقول قديستنا "إنه جالس على عرش قلوبنا، وهو عرش كثير الثمن" (كتاب طريق الكمال، 28، 9)".

 

وأضاف "والقديسة تريزا دافيلا عندما شربت من ماء المسيح، تفجر فيها معين ماء ارتوى منه الكثيرون. فحملت راية الإصلاح الكرملي سنة 1562، واشتهرت بأنها "معلمة الصلاة والتأمل، وأم الروحانيين"، وأصبحت المؤسسة للأديار، والملهمة لنوع جديد من الحياة الرهبانية، رجالا ونساء، والكاتبة الكبيرة، حتى أعلنها الطوباوي البابا بولس السادس "معلمة الكنيسة"، سنة 1970. أجل لقد روت منذ خمسماية سنة وما زالت تروي الأجيال الرهبانية والمسيحية بكتاباتها الصوفية كتبا روحانية رفيعة للغاية، ضمنتها اختباراتها الروحية العميقة مع المسيح، وتقارير ورسائل وأشعارا، نقلت كلها إلى اللغة العربية ونشرت في مجلد واحد بعنوان "القديسة تريزا الأفيلية: الأعمال الكاملة" بفضل رهبانية الآباء الكرمليين في لبنان، مشكورين".

 

وختم "هذه كلها مدرسة القديسة تريزا دافيلا، "معلمة الكنيسة" و"ابنة الكنيسة". وهذا هو معين الماء الحي الذي جرى من عمق قلبها وفكرها، بفضل ارتوائها من كلام الله، وتناولها جسد المسيح ودمه، وامتلائها من الروح القدس، وانخطافها الروحي في الصلاة والتأمل، واختباراتها الصوفية السامية. إننا ننظر إليها كمرآة تعكس وجه النفوس النقية والمنقاة بنور وجه المسيح، لكي نحن بدورنا، نسلك الطريق الملوكي الذي شقته لنا ومشته قبلنا، لمجد وتسبيح الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".