موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٢ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
البطريرك الراعي: ندعو للتعاون مع الرئيس المكلف لتشكيل حكومة إنقاذ

بكركي - وطنية :

ترأس البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، قداس الأحد في كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي، عاونه فيه المطران حنا علوان، أمين سر البطريرك الأب شربل عبيد، الأب جان مارون الهاشم، في حضور الرئيس أمين الجميل وحشد من الفاعليات والمؤمنين.

بعد الإنجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان: "كتاب ميلاد يسوع المسيح، إبن داود، إبن إبراهيم"، قال فيها: "تحتفل الكنيسة في هذا الأحد الأخير من الأسابيع السابقة للميلاد، بنسب الرب يسوع إلى العائلة البشرية. فإبن الله منذ الأزل يصبح إبن الإنسان في الزمن، متضامنا مع البشرية جمعاء من أجل فدائها وخلاصها، واجتذابها إلى حياته الإلهية. ولقد "تأنس الله ليؤله الإنسان" (القديس أمبروسيوس). إنحدر إلينا من سلالة إبراهيم للدلالة على أنه محقق وعود الله الخلاصية لإبراهيم أول المدعوين، وأنه المسيح المنتظر من سلالة داود الملك، والمكمل لهذه الملوكية التي لا تنقضي. من أجل تبيان هذه الحقيقة إستهل القديس متى الرسول إنجيله: "كتاب ميلاد يسوع المسيح، إبن داود، إبن ابراهيم" (متى 1:1)".

أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي تفصلنا عن عيد الميلاد بثلاثة أيام، فنرجو أن تكون استعدادا روحيا بالتوبة إلى الله وإعداد القلب لولادة المسيح الكلمة في نفوسنا. وإذ أرحب بكم جميعا أوجه تحية خاصة إلى فخامة رئيس الجمهورية الأسبق الشيخ أمين الجميل. وأحيي عائلة المرحوم العميد جان نصرالله الذي ودعناه بكثير من الأسى منذ عشرين يوما مع زوجته وأولاده وأشقائه وشقيقتيه وعائلاتهم. نذكره اليوم بصلاتنا راجين له الراحة في الملكوت السماوي ولأسرته العزاء الإلهي".

وتابع: "إن سلسلة الأجيال التي تحدر منها المسيح تدل إلى أنه مشتهى الشعوب وتوق الأمم. إنتظرته الأجيال قبل مجيئه، وتنتظر خلاصه الأجيال بعد ميلاده. إنه محور التاريخ وفاصله بين قديم وجديد، بين ما قبل المسيح وما بعده. هذا يعني أن الله هو سيد تاريخ البشر ويقوده من أجل تحقيق عهده الخلاصي معهم. فلا بد من أن يتماهى تاريخ الخلاص مع التاريخ البشري، من أجل خير البشرية جمعاء كي تعيش في الحق والعدل والانصاف".

وقال: "هذا ما ينبغي أن يدركه كل مسؤول أكان في الكنيسة روحيا وراعويا، أم في الدولة سياسيا، أم في العائلة تربويا، أم في المجتمع إداريا. هؤلاء لا يستطيعون ممارسة مسؤولياتهم بمعزل عن استلهام كلمة الله وإيحاءاته. ذلك أن المسؤولية لا تجد مبررها إلا في خدمة الخير العام بروح التجرد والتفاني. ليست المسؤولية مقتنى شخصيا، بل هي أمانة عهدت إلى المسؤول، الذي سيؤدي حسابا عنها. إن المسؤولين السياسيين الذين أوصلوا الدولة إلى الحضيض الاقتصادي والمالي والاجتماعي، إنما فعلوا ذلك لأنهم أهملوا صوت الله في ضمائرهم، ولم يعيروا أي اهتمام لكلامه. بل سمعوا صوتا واحدا هو صوت مصالحهم الخاصة وأرباحهم غير المشروعة. لقد أتت الساعة ليناقشوا نفوسهم الحساب. الشعب الثائر، إيجابيا وحضاريا من دون حجارة، يسأل الحكام: "لو كانت لديكم حلول تعطونها لفعلتم، وأنتم تحكمون البلاد منذ سنوات. ولو كانت لدى الشعب ثقة بكم وبإدارتكم، لما ملأ، على مدى سبعين يوما، الشوارع والساحات، مناديا بحكومة مسؤولة ذات مصداقية وحرة من التيارات الحزبية، وغنية بشخصيات ذوي اختصاص وكفاءة ونظافة كف".

أضاف: "ما شاهدناه منذ يومين من رشق الجيش اللبناني وقوى الأمن بالحجارة في إحدى التظاهرات الاحتجاجية، إنما ينتهك كرامة الجيش وكرامة المواطنين المؤمنين بالدولة اللبنانية. فإننا ندعو بالأحرى إلى الاحترام والتعاون. وفيما نحن قادمون على عيد الميلاد، نوجه النداء إلى كل المنتفضين بعدم قطع الطرق الرئيسية في جميع المناطق، لكي يتنقل المواطنون بسهولة ويعيدوا بالفرح. فلا تحرموهم إياه".

وتابع: "لبنان، بما وصل إليه من حال شلل وفقر، لا يتحمل أي تأجيل أو عرقلة لتأليف الحكومة الجديدة. يكفي إدانات وسلبيات وتشكيك وتنصيب الذات ديانين للغير. إن تداول السلطة هو من صميم الدستور والنظام الديموقراطي. فنناشد جميع القوى السياسية التعاون مع رئيس الحكومة المكلف وتسهيل التأليف. هذه الحكومة هي حكومة طوارىء إنقاذية، على مستوى الاقتصاد والاجتماع والإصلاحات في الهيكليات والقطاعات، وإيقاف تفاقم الدين العام وتنامي العجز. وبعد ذلك، يبدأ الحوار الوطني حول الأساسيات من مثل: السيادة الوطنية وتعدد الولاءات، التناقض بين الأمن الوطني والأمن الذاتي، حياد لبنان عن الصراعات الإقليمية والدولية والتزامه قضايا المنطقة، وسواها من الأمور المرتبطة بالدستور والميثاق ووثيقة الوفاق الوطني".

وقال: "بالعودة إلى نسب يسوع، إنه إبن إبراهيم لأن وعد الله لإبراهيم تحقق إمتيازا في المسيح، فكان إبراهيم رمزه. وهو "إبن داود" لأن مملكته التي مسحه الله ملكا عليها، وجدت كمالها في مملكة المسيح التي هي الكنيسة. في لائحة الأجيال الثلاثة، يوجد أسماء معروفة بما أنجزت في التاريخ البشري وتاريخ الخلاص، وأسماء مجهولة لم تأت بأي إنجاز. ما يعني أن يسوع، إبن الله وابن الإنسان، لا ينتمي إلى ثقافة واحدة وحضارة واحدة. هذه هي ثقافتنا المسيحية: أن كل إنسان معروف لدى الله، وليس نكرة عنده، بل يغمره بمحبته ورحمته. فلا عداوة في المنطق المسيحي، بل الجميع مدعوون لينتموا إلى تاريخ الله الكبير الذي يجمعه يسوع المسيح، وفيه يجد كماله وذروته. وفي لائحة نسب يسوع، يوجد أسماء نساء بينهن اثنتان وثنيتان: راحاب وراعوت، واثنتان ملطختان بالخطيئة: تامار وإمرأة أوريا. هذا دليل على أن يسوع، الملك الجديد، هو ملك كل الشعوب، ويخلص ويفتدي الأبرار والخطأة، الرجال والنساء، وأن لا أحد يقصى عن رحمته، شرط أن ينفتح عليها ويقبلها".

وختم الراعي: "نصلي لكي يضمنا المسيح الرب إلى مسيرة الأجيال التي تستنير بكلمة الإنجيل، وتتقدس بنعمة الأسرار، وتتجدد بحلول الروح القدس وفعله".

بعد القداس استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية.