موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الثلاثاء، ٢٧ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
البطاركة الكاثوليك يحتفلون بالقداس الإلهي في كنيسة سيدة النجاة

بغداد - أبونا :

بمناسبة افتتاح المؤتمر السادس والعشرين لمجلس بطاركة الشرق الكاثوليك في العراق، ترأس بطريرك السريان الكاوثوليك إغناطيوس يوسف الثالث يونان القداس الإلهي على مذبح كاتدرائية سيّدة النجاة في بغداد.

وشارك في القداس البطريرك الكلداني الكاردينال لويس روفائيل ساكو، والبطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي، وبطريرك الأقباط الكاثوليك ابراهيم اسحق سدراك، وبطريرك الروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، وبطريرك كيليكيا للأرمن الكاثوليك وكريكور بيدروس العشرون، إلى جانب سفير الكرسي الرسولي في العراق والأردن المطران ألبيرتو أورتيغا مارتن، ولفيف من الأساقفة والكهنة من مختلف كنائس الشرق.

وألقى البطريرك يونان عظة استهلها معبّرًا عن فرحه وشوقه مع إخوته البطاركة لهذه الزيارة ولرؤية المؤمنين "شوق الآباء إلى أبنائهم وبناتهم بالرب، محتفلين معكم بذبيحة القداس الإلهية في كنيستكم كاتدرائية سيّدة النجاة، أمّ الشهداء، الشاهدة لإنجيل المحبّة والسلام، والشهيدة من أجل الرب يسوع مخلّصنا". ونوّه إلى "أننا نقيم بفخر واعتزاز الذكرى الثامنة لاستشهاد الكاهنين الشابّين ثائر ووسيم، ومعهما عشرات المؤمنين من أطفال وصبايا وشبّان وشابّات، ومن آباء وأمّهات، امتزجت دماؤهم بدم الحمل الفادي في هذه الكاتدرائية التي أضحت للعالم أجمع، رمزًا فريدًا للتضحية القصوى بالذات، المقبولة لديه تعالى، من أجل نشر السلام والعدالة والأخوّة والمساواة، في العراق وفي سائر بلدان المنطقة"، ممتدحًا ثبات المؤمنين "رغم الأخطار والتحدّيات، في بلدكم الغالي أرض ما بين النهرين العريقة، لكي تشهدوا، لحضارة العيش الواحد في المحبّة والعدالة والسلام، أساسًا لا غنى عنه للمواطنة الصحيحة بين جميع مكوّنات شعبكم المتطلّع إلى مستقبل مشرق".

وتحدّث عمّا يتحلّى به المسيحيون في العراق من الصبر في الرجاء، إذ يتعالون على المحنة المروّعة، ويسعون بصدقٍ لعيش إنجيل التسامح والإنفتاح على إخوتكم وأخواتكم الذين يقاسمونكم هموم هذه المرحلة الصعبة ليخفّفوا من وقعها، وفي مقدّمتهم الجيران الأوفياء في الكرّادة وبغداد، كرخها ورصافتها الذين، مع المسؤولين المخلصين، قد تعاطفوا معكم قولاً وفعلاً، حتّى يأتي يوم ندعو أن يكون قريباً، فيه ينبعث وطنكم من رماد العنف الحاقد والظالم، ومن الفوضى التي تعيثُ فساداً ناشرةً الرعب بين المواطنين الأبرياء، بجرائم مريعة هدفها التنكيل والإقتلاع والتهجير، حاثًا إيّاهم على تجديد الرجاء فوق كلّ رجاء بالعناية الإلهية، رغم المعاناة الأليمة وبشاعة الشرّ وهول الآلام، واثقين بأنّ التضحية التي قدّمها شهداؤنا وجرحانا لن تمرّ عبثًا، بل لا بدّ أن تثمر خيرًا ونِعَمًا، وبأنّ الله سبحانه وتعالى، الذي خلقنا جميعًا ويرعانا بمحبّته وعدله من دون تمييز، لا بدّ وأن يصغي لتنهّداتكم ويستجيب إلى تضرّعاتكم، فينعم عليكم بولادة عراقٍ جديد يضحي مثالاً بمؤسّساته المدنية وبالديمقراطية الحقّة التي تطمئن وتحمي جميع مواطنيه دون تمييز".

وأشار البطريرك يونان إلى أنّ الرب يسوع أنبأ مراراً أننا، وكأتباع وتلاميذ له، سنتعرّض للإضطهاد، وسنواجه الحروب والمحن والضيقات، فمنحنا الطوبى، منوّهاً إلى أنّ الرب أكّد لنا أننا باتّكالنا عليه سننتصر، إذ قال "ثقوا إني قد غلبتُ العالم"، فلا شيء يقدر "أن يفصلنا عن محبّة المسيح"، لا ضيق ولا خطر ولا شدّة، لأنه "إن كان الله معنا، فلا أحد يقدر علينا"، مشيراً إلى أنّ يسوع أعطانا ملء التعزية به، فمعه لا خوف ولا وجع ولا حزن، بل هو "يوجد من المحنة خلاصاً"، ويحوّل حزننا إلى فرح، ما دمنا متّكلين عليه، لأنّ "من يتّكل عليه لا يخيب".

وذكّر "المسؤولين المدنيين أنّ مسيرة بلادنا ومستقبلها الحضاري، لا ولن يتحقّق إلا باحترام حقوق جميع المواطنين حسب شرعة حقوق الإنسان التي سنّتها منظّمة الأمم المتّحدة. وهي شرعةٌ تفرض على جميع الدول الأعضاء واجب تأمين الحرّيات المدنية والدينية للمواطنين كافةً. والحقيقة كما ينبّهنا قداسة البابا بندكتس أنه: لن يكون هناك سلام وعدل في عالمنا إن لم تُحترَم الحرّيات الدينية للجميع، مؤكدًا أنّ إيماننا المشترك بالإله الواحد خالق الكون ومدبّره، عليه أن يوحّد قلوبنا ويشركنا في بناء الوطن الواحد في العيش الفاعل والمتفاعل، والمؤسَّس على مبدأ المواطنة الواحدة للجميع. إنها حضارة المحبّة، إليها يدعونا اليوم شهداؤنا وجرحانا، فلا نخيّب أملهم. على مثالهم لنكن صانعي السلام، فنستحّق أن نُدعى أبناء الله.

وفي ختام عظته، رفع البطريرك أغناطيوس الثالث يونان الصلاة إلى "الرب يسوع كي يؤهّلنا لنصل إلى اليوم المبارك الذي فيه يتمّ إعلان تطويب شهدائنا الأبرار ورفعهم على المذابح، ليشفعوا فينا وبجميع المؤمنين، وتزهر شفاعتهم أمانًا وسلامًا وحياة"، متأمّلاً ببعض ما قاله الآباء السريان عن الشهداء، طالبًا شفاعتهم وبركة صلاتهم، إذ قد "بذلوا ذواتهم على مذبح الشهادة حبّاً بالمعلّم الإلهي وتولّهًا به، وأفاضوا دماءهم قرابين نقيةً على مذبحه المقدس في هذه الكنيسة، فأضحت دماؤهم بذار الإيمان، ونالوا ميراث ملكوت السماء".