موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٥ يوليو / تموز ٢٠١٥
البابا يعيد تنظيم الكنيسة جذرياً بثلاثة طرق: السياسة، الأماكن والناس

بقلم: دانيل بيرك ، ترجمة: موقع أبونا :

تبدو كأنها خطة يعدها خبير في حملة سياسية.

أولاً، مضمون الرسالة: نقد جارف للظلم الاقتصادي والاستغلال البيئي، ينشر على شكل رسالة بابوية، وهي واحدة من أهم الوثائق التعليمية للكنيسة الكاثوليكية. من ثم يأخذ المرسل، وهو واحد من أكثر الناس شعبية على هذا الكوكب، الرسالة إلى الجماهير في أماكن مثقلة جداً بالمحن التي أدانها، بحيث يهلل له الملايين بوصفه بطلاً في مسقط رأسه.

من هو وراء هذه الاستراتيجية الروحية؟ كارل روف الكاثوليكي؟ كلا. إنه البابا.

مسؤولو الفاتيكان يرفضون المقترحات التي تقول أن البابا فرنسيس يضع السياسة في عقله، أو أن رسالته العامة ورحلته المقبلة إلى بوليفيا والإكوادور وباراغواي هي جزء من خطة رئيسية. لكن كما يقول المفسرون، فإن الطريقة التي يتم فيها إدراك رحلة البابا إلى أمريكا الجنوبية التي تستغرق ثمانية أيام، وهي قارة التي تحتضن موطنه الأرجنتين، لم تكن بأفضل مما عليه الآن.

سيحط البابا يوم الأحد في الإكوادور، موطن جزر غالاباغوس ومجموعة مذهلة من التنوع البيولوجي، إلى جانب عدم المساواة في الدخل على نطاق واسع أيضاً. أما وقفتا البابا التاليتان فهما بوليفيا وباراغوي، اللتان تزخران بالموارد الطبيعية الهائلة، ولكنهما تعانيان من مشاكل عميقة، مثل إزالة الغابات وتلوث المياه.

البلدان الثلاثة، التي سيزورها البابا من 5 وحتى 13 تموز الحالي، هي من أكثر البلاد فقراً في أمريكا الجنوبية. ويقول الأب غوستافو موريلو، الكاهن اليسوعي من الأرجنتين وأستاذ علم الاجتماع في كلية بوسطن، "أنها بلدان منسية"، ويضيف "لا أحد يعلم ماذا يجري هناك".

يقول مسؤولون في الفاتيكان أن البابا يريد تغيير ذلك كجزء من اهتمامه المنصّب تجاه الناس الذين هم على هامش الحياة العصرية: الفقراء من السكان الأصليين، المزارعين في الأراضي المكتظة، والشباب العاطلين عن العمل والذين هم عرضة للجرائم مثل الاتجار الجنسي.

ويضيف الخبراء في الشؤون الدينية أن البابا فرنسيس يريد أن يبثّ في الكنيسة الكاثوليكية حياة جديدة، التي تعاني من التراجع عبر القارة بأسرها. فبموجب الدراسة التي أعدها مركز بيو للأبحاث لعام 2014، يعيش أكثر من 425 مليون كاثوليكي في أمريكا اللاتينية. وهذا ما يقارب 40 بالمئة من مجموع الكاثوليك في العالم. لكن في العقود الأخيرة، ترك عدد من الكاثوليك الكنيسة في كل بلد من القارة، بما في ذلك الإكوادور وبوليفيا وباراغوي، ليعتنقوا إيماناً آخر، أو أن يبقوا بدون إيمان بشكل عام.

"قريباً سنعرف ما إذا هنالك تأثير لفرنسيس في بلده الأم من حيث الحضور الجماهيري بالقداس والمشاركة في الحياة الكنسية"، كما يقول آندرو تشسنات، الخبير الكاثوليكي ومؤلف العديد من الكتب الروحية في أمريكا اللاتينية. وتأتي رحلة البابا إلى أمريكا اللاتينية في وقت حاسم، سياسياً وروحياً، وربما حتى شخصياً. فمن خلال خطاباته الاثنين والعشرين، والجماهير المليونية، سوف يظهر إلى أي حد سوف يأخذ الكنيسة، وإلى أين يرغب هو في أن يجعلها تذهب.

هنالك ثلاث مجالات رئيسية للنظر في جولات البابا عبر أمريكا الجنوبية:

السياسة

عندما يسافر البابوات إلى دول أجنبية، فإن المسار عادة ما يكون شيئاً مثل هذا القبيل: يجتمع مع رؤساء الدول، يقدم النصيحة للأساقفة المحليين، يرفع معنويات الكهنة، يهتم بالرهبنيات ، يحتفل بالقداس أمام حشد كبير. وغالباً ما تتضمن أيضاً زيارات إلى الجمعيات الكاثوليكية الخيرية وكذلك المستشفيات.

لكن خطط البابا في بوليفيا تحمل لمسة فرنسيسكانية، حيث سيلقي كلمة إلى جانب الرئيس البوليفي إيفو موراليس أمام اللقاء العالمي للحركات الشعبية. يقول خوان غرابوييس، الناشط الأرجنتيني في مجال حقوق الإنسان ومنظم الاجتماع، إنها قمة المجموعات الشعبية من جميع أنحاء العالم: جامعي الثياب الرثة من الأحياء الفقيرة في الهند، والعمال من الجمعيات التعاونية في أمريكا الجنوبية، وحتى المعوزين الذي يجمعون العلب المعدنية والزجاجات من نيويورك. وبعبارة أخرى، القمة هي ضد دافوس. فهم الفقراء والضعفاء الذين يسعون لحل مشاكلهم الخاصة، ويعملون على تأمين ما دعا إليه البابا فرنسيس وهي "الحقوق المقدسة" في الأرض والسكن والعمل.

يقول الأب توماس ريس، المراسل في الوكالة الكاثوليكية الوطنية، أن البابوات السابقين قد شاركوا باجتماعات سياسية مماثلة. فالقديس يوحنا بولس الثاني، على سبيل المثال، كان مؤيداً كبيراً للنقابات. والبابا بندكتس السادس عشر كان مدافعاً قوياً ضد الفقر، وقد ترأس قداساً من أجل الحركة.

وتساءل ريس "لكن، هل في الحقيقة كانوا ينوون مخاطبة مجموعة من هذا القبيل في اجتماعاتهم الخاصة؟" ويجيب "أنا لا أعرف إذا كان في وسعهم ذلك". على عكس البابوات السابقين، فالبابا فرنسيس ينتمي إلى دول العالم النامي، ويقول غرابوييس إنه يدعم ما عرف بـ"الحركات الشعبية" منذ العام 2001.

في ذلك الوقت، كان فرنسيس رئيساً لأساقفة بوينس آيرس، وكانت الأرجنتين تمر بواحدة من أسوأ الأزمات المالية في العصر الحديث، حيث اضطر الملايين من الناس الذين كانوا في السابق من الطبقة الوسطى، إلى أن يلتقطوا حاجاتهم من سلال المهملات.

يقول غرابوييس "إنه يؤمن بتنظيم الفقراء، وبنضالهم من أجل العدالة الاجتماعية". ويضيف "إنه يريد أن يسمع ما يريدون أن يقولون بدلاً من الاستماع فقط إلى السياسيين". لن تكون المرة الأولى التي يخاطب فيها البابا فرنسيس الحركة. فعند الإجتماع الذي عقدته في روما العام الماضي، خاطب المشاركين بكلمات متوهجة، واصفاً إياهم بـ"علامة كبيرة" للحقيقة التي غالباً ما يجبرها المسيحيون والكنائس على "الصمت".

ويضيف أن "الفقراء لا يعانون فقط من الظلم، وإنما يكافحون أيضاً ضده". ويقول غرابوييس أنه طلب من البابا فرنسيس أن يركز في حديثه، خلال زيارته إلى بوليفيا الأسبوع القادم، حول رسالته الإقتصادية "كن مسبحاً" ، التي تشير إلى إن رعايتنا للأرض والاهتمام بالفقراء، يرتبطان ارتباطاً وثيقاً.

الأماكن

خلال السبع سنوات التي قضاها حبراً أعظم، قام بندكتس السادس عشر بخمس وعشرين رحلة خارجية. وكانت الغالبية العظمى منها للدول الغربية الرئيسية مثل اسبانيا (ثلاث مرات) ووطنه ألمانيا (ثلاث مرات). والرّحالة يوحنا بولس الثاني، الذي كان بابا للفاتيكان من 1978-2005، زار الكثير من البلدان، ولكنه أيضاً سافر بصورة رئيسية إلى دول مثل فرنسا (ثماني زيارات)، والولايات المتحدة (سبع زيارات، من بينهم اثنان اشتملتا على توقف قصير)، واسبانيا (خمس زيارات).

يقول ريس كانت أوروبا بشكل واضح على رأس أولويات كلا البابوين، ولسبب وجيه. ويضيف "إن لم نتمكن من معرفة كيفية انقاذ الكنيسة في أوروبا وأمريكا الشمالية، فأنا لا أعرف ما يخبئه المستقبل". فيوحنا بولس الثاني ركز على محاربة الشيوعية، وخاصة في مسقط رأسه بولندا. أما بندكتس "اللاهوتي" فأراد الدفاع عن الإيمان من قبل العلمانيين الذين يحاربون الكنيسة بإصرار في المناقشات العامة.

ولكن عندما انتخب فرنسيس عام 2013، فإنه شكّل تحولاً في تفكير الكنيسة المتمركز حول أوروبا. وقال مازحاً "إن مجمع الكرادلة الذي اختار فرنسيس قد تمدد "تقريباً إلى أقاصي الأرض" للعثور عليه. ويقول مسؤولون في الفاتيكان، إنه عازم على البقاء "بابا الضواحي". ففرنسيس زار آسيا مرتين، واشتملت رحلاته الرعوية إلى أوروبا كلاً من ألبانيا والبوسنة والهرسك. وكذلك فإن رحلته إلى أمريكا الجنوبية ستكون إلى البلدان غير المدرجة في كثير من الأحيان على جدول الأعمال الدولي.

وكان حبر أعظم (يوحنا بولس الثاني) قد زار الإكوادور وبوليفيا وباراغوي، مرة واحدة قبل حوالي 30 عاماً. وصحيح أيضاً أن البابا فرنسيس زار البرازيل عام 2013، كما سيزور الولايات المتحدة في شهر أيلول المقبل، ولكن يعود السبب الرئيسي للزيارتين (اليوم العالمي للشباب في ريو دي جانيرو، واللقاء العالمي للعائلات في فيلادلفيا) إلى أنه كان قد خطط لهما أسلافه. وفي الحقيقة، لم يكن لفرنسيس أي خيار سوى أن يأتي. وحتى عندما يزور الولايات المتحدة، فإن فرنسيس سوف يتوقف أولاً في كوبا. فعندما يتعلق الأمر بالرحلات البابوية، يبدو أن هنالك رسالة مباشرة من إنجيل متى "هكذا يكون الآخرون أولين".

الناس

خلال السنوات الأولى لحبريته، احتضن البابا كل أنواع الناس: كبار السن، الشباب، المجرمين، المرضى والفقراء. وفي رحلته إلى أمريكا اللاتينية، نتوقع أن نشاهد الكثير من ذلك، حيث سيزور العديد من الأحياء الفقيرة، ومنزل للعجزة وأحد أكبر السجون في القارة. يقول الفاتيكان، يخطط البابا لتسليط الضوء على الثقافات الأمريكية الأصلية، من خلال قداديس يتم الترنيم فيها باللغات المحلية مثل غواراني.

ومما لا يمكن ملاحظه بكثرة هو التغييرات في الموظفين التي أجراها في الفاتيكان. فقد قام بإزاحة العديد من الأمريكيين والأوروبيين من المناصب العليا، وأحاط نفسه برجال خدموا الكنيسة في أمريكا اللاتينية. فأمين سره، رئيس الأساقفه بيترو بارولين، كان سفيراً للفاتيكان في المكسيك وفنزويلا. فخمسة كرادلة آخرين، من أصل أعضاء مجلس الكرادلة الثمانية، كانوا قد عملوا بشكل مكثف مع المنحدرين من أصول لاتينية أو كانوا يشغرون وظائف في أمريكا اللاتينية.

كذلك زج البابا مجمع الكرادلة، وهم الذين يختارون خليفته، بأساقفة من خارج مقاعد السلطة الكاثوليكية التقليدية. وبحسب ريس، يشكل الرجال القادمون من آسيا وأمريكا اللاتينية وإفريقيا 40 بالمئة من المجمع، وهي أعلى نسبة في التاريخ الحديث. فبعض البلدان، مثل هايتي وتونغا، لم يسبق وأن كان لديها كاردينال.