موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر السبت، ٢٩ يوليو / تموز ٢٠١٧
البابا والملياردير.. الرأسمالية ضد الإنسانية

إميل أمين :

هل يكرر التاريخ ذاته؟ عند كارل ماركس إن ذلك لا يمكن أن يحدث، ولو جرت المقادير على هذا النحو بالفعل لأصبح في المرة الأولى مأساة وفي الثانية ملهاة، ومع ذلك يمكن القطع بأن أحداث التاريخ تتشابه دون أن تتطابق بالمطلق. هل من مقاربة ما بين إشكالية الهجرة والمهاجرين، ونحن في نهايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وبين ما جرى للامبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي؟

مشهدان في حقيقة الأمر كانا السبب في هذه القراءة، الأول يتصل بالبابا فرنسيس، والثاني له علاقة بتصريحات الملياردير «بيل جيتس»، والمشهدان وثيقا الصلة بالجدل الدائر أوروبياً وغربياً حول اللاجئين والمهاجرين، وهل هم قيمة مضافة أم رصيد مقطوع من حضارة الغرب؟ في تصريحاته لوكالة ANSA الإيطالية تحدث البابا، عن اللاجئين وظاهرة الهجرة قائلاً: «أنا قريب بالعاطفة والتشجيع من جميع المؤسسات والمنظمات والأفراد الذين ينفتحون بحكمة على ظاهرة الهجرة المعقدة، وأرغب بالتعبير عن تقديري الصادق لكافة المبادرات التي تهتم بإدماج هؤلاء المهاجرين ضمن احترام قوانين البلدان التي تستقبلهم».

الَحبْرُ الروماني الأعظم يرى أن حضور العديد من الأخوة والأخوات الذين يعيشون مأساة الهجرة يشكل فرصة نمو بشري ولقاء وحوار بين الثقافات من أجل تعزيز السلام والأخوة بين الشعوب، وينبه إلى أنه في عالمنا الذي يخاف من المختلف، غالباً ما تبني الجدران بلا نهاية، ويتحول الكابوس بذلك إلى السيناريو الأسوأ، أي العيش كأعداء، في وقت نحن فيه ما أحوجنا في هذه الحقبة الزمنية للخروج من الافق الضيق إلى رحابة الكون والأحلام والسعي لايجاد معنى حقيقي للحياة.

على الناحية الأخرى، فوجئ الأوروبيون بتصريحات «بيل جيتس» مؤسس شركة مايكروسوفت العالمية لصحيفة «ديلي ميل» البريطانية، وفيها اتهم القادة الأوروبيين بتعميق أزمة المهاجرين، من حيث ان قيادات القارة الأوروبية أكثر سخاءً مما ينبغي تجاه، المهاجرين، الأمر الذي يدفع أعداداً كبيرة منهم لاسيما من القادمين من القارة الأفريقية لمحاكاة الذين قدر لهم الوصول إلى الدول الأوروبية، وينصح «جيتس» أوروبا بحتمية جعل طرق العبور إليها أكثر صعوبة، وفي الوقت عينه يحاول تقديم رؤية تتصل بالتنمية المستدامة، بمعنى أنه يحث القارة العجوز على المساهمة الفعالة بالمساعدات السخية التي تكفل المعالجة الجذرية لأزمة الفقر في أفريقيا.

تركز تصريحات جيتس على مواجهة سياسة الباب المفتوح في استقبال المهاجرين التي طالما دافعت عنها المستشارة الالمانية انجيلا ميركل، والتي انتهجتها بدءاً من العام 2015 وأدت إلى دخول مليون شخص إلى ألمانيا في عام واحد، وهو ما جعلها هدفاً للانتقاد، ويتناول مسألة الهجرة القسرية كظاهرة. غير أن «جيتس» ينسى شيئاً مهماً وهو أن هناك هجرات ولاجئين خلفتهم الحروب والمذابح البشرية، بعد أن أذكت سياسات أوروبية وأميركية، عطفاً على أطماع رأسمالية استعمارية، نيران الخلافات والمواجهات الدموية على أراضيها، وكان من الطبيعي لاحقاً ان أجبروا قسراً لا طوعاً على ترك أرضهم بسبب النزاعات المسلحة والاعتداءات الإرهابية والجوع والأنظمة القمعية بحسب تعبير بابا الكاثوليك حول العالم.

إشكالية الهجرة تتعقد يوماً تلو الاخر في أوروبا اليوم، خذ إليك على سبيل المثال وصف رئيس وزراء إيطالي السابق «سيلفيو بيرلسكوني» لحركة اللجوء والهجرة التي شهدتها بلاده عبر العامين الماضيين بإن الأمر لا يعدو كونه «غزواً»، وأن روما تواجه اليوم ربما المصير ذاته الذي أودى بالامبراطورية الرومانية في معركة «أدرنة» عام 978 في زمن الإمبراطور الروماني الشرقي «فلافيوس يوليوس أوغسطس»، تلك المعركة التي وصفها معلمو الكنيسة في روما بأنها «نهاية البشرية جمعاء ونهاية العالم».

القصة باختصار هي أن روما القديمة قبلت اللاجئين الهاربين من القوط، ذلك الشعب الجرماني الذي كان الرومان يعتبرونهم برابرة، بالضبط كما تنظر الدوائر اليمينية الأوروبية المتطرفة اليوم إلى اللاجئين والمهاجرين من المسلمين، نظرة متدنية تقوم على مقارابات حضارية ودينية وترى في هؤلاء ووجودهم على أراضي أوروبا اليوم، المكافئ الموضوعي لما فعله القوط في الامبراطورية الرومانية.

هل الأوروبيون عاجزون عن قراءة التاريخ؟ ما جرى أن الرومان وبعد أن استقبلوا اللاجئين القوط ورحبوا بهم، وسمحوا لهم بالاقامة بين جدرانهم، ومعاملتهم كمواطنين، انقلبوا عليهم لاحقاً وأساؤا معاملتهم، ما جعل القوط يتحولون من الرغبة في أن يصبحوا جزءاً من النسيج الروماني إلى الرغبة في هدم الامبراطورية الرومانية.

قبل بضعة أيام وعلى هامش قمة مجموعة العشرين في هامبورغ والمظاهرات التي جرت هناك، قال وزير الداخلية الالماني «توماس دي ميزيير»: «إن بعض المحتجين المناهضين للرأسمالية» فوضويون مجرمون «تصرفوا مثل الجنود النازيين أو الارهابيين الاسلاميين». هل هناك من يدفع اللاجئين العرب والمسلمين في أوروبا اليوم ليحذوا حذو القوط قبل 1700 عام؟

في استطلاع لمعهد «جالوب» لقياس الرأي جرى الشهر الماضي في 160 دولة، أظهر 66 مليون شخص تخطيطهم للهجرة التي يسعون إلى تنفيذها خلال الاشهر الاثني عشر المقبلة، ما يعني أن الهجرة أضحت في عالمنا حقيقة واقعية لا مراء في ذلك، ولابد من علاقات عبر طريق من طريقين، فإما طريق البابا الداعي لتعزيز الحوار والاندماج مع الحفاظ على القوانين والعدالة، وإما درب الملياردير ومن ثم التجاهل وإدارة الظهور لهم، مع ما للمشهد الثاني من آثار كارثية... أيهما ستختار أوروبا؟

(نقلا عن الاتحاد الإماراتية)