موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢ مارس / آذار ٢٠١٧
البابا مترئسًا قداس أربعاء الرماد: الصوم هو الزمن لنقول فيه لا
روما – إذاعة الفاتيكان :

ترأس البابا فرنسيس في بازيليك القديسة سابينا في روما القداس الإلهي بمناسبة أربعاء الرماد، مفتتحًا بذلك زمن الصوم الأربعيني. وألقى قداسته عظة شدد فيها إلى أهمية العودة إلى قلب الآب الرحيم، وأن "الصوم هو الزمن لنقول فيه لا".

وقال في عظته: "في زمن النعمة هذا، لنثبّت نظرنا على رحمته. فالصوم هو درب يقودنا إلى انتصار الرحمة على كل ما يحاول أن يسحقنا أو يحوّلنا إلى مجرّد أي شيء لا يتناسب مع كرامة أبناء الله. الصوم هو الدرب من العبودية إلى الحرية، من الألم إلى الفرح ومن الموت إلى الحياة".

تابع: "إن علامة الرماد، التي بها ننطلق في المسيرة، تذكرنا بحالتنا الأولى: أننا قد أخذنا من الأرض وصنعنا من التراب. تراب نعم وإنما بين يدي الله المحبّتين الذي نفخ نسمة حياته في كل فرد منا ويريد أن يقوم بذلك على الدوام؛ يريد أن يستمر في منحنا نسمة الحياة التي تخلصنا من النسمات الأخرى: أي الاختناق الذي تسببه أنانيتنا وتولده طموحاتنا البائسة ولامبالاتنا الصامتة، فيخنق الروح ويحد الأفق ويخدّر خفقان القلب. إن نسمة الحياة التي يمنحنا الله إياها تخلصنا من هذا الاختناق الذي يطفئ إيماننا ويبرّد محبتنا ويمحو رجاءنا. عيش الصوم هو التوق إلى نسمة الحياة هذه التي لا يكف أبانا عن تقديمها لنا في وحل تاريخنا".

أضاف قداسته: "إن نسمة الحياة التي يمنحنا الله إياها تحررنا من ذاك الاختناق الذي غالبًا ما لا نتيقّن له والذي اعتدنا على جعله أمرًا اعتياديًا حتى ولو لم نكن نشعر بنتائجه؛ يبدو لنا طبيعيًا أننا اعتدنا على تنفس هواء تخلخل فيه الرجاء، هواء حزن واستسلام، هواء ذعر وعداوة يخنق. الصوم هو الزمن لنقول لا. لا لاختناق الروح بسبب التلوث الذي تسببه اللامبالاة والاستهتار في التفكير بأن حياة الآخر لا تخصني؛ ولكل محاولة لتبسيط الحياة ولاسيما حياة الذين يحملون في جسدهم ثقل السطحية. الصوم هو أن نقول لا للتلوث المسمم للكلمات الفارغة والتي لا معنى لها، وللانتقادات القاسية والسريعة وللتحاليل البسيطة التي لا يمكنها أن تعانق تعقيدات المشاكل البشرية لاسيما مشاكل الذين يتألمون".

تابع: الصوم هو الزمن لنقول لا؛ لا لاختناق صلاة تريح ضميرنا وصدقة تتركنا راضين، وصوم يجعلنا نشعر بأننا على ما يرام. الصوم هو الزمن لنقول لا للاختناق الذي يولد من العلاقات الحميمة التي تستثني وتقصي الآخرين والتي تريد الوصول إلى الله متحاشية جراح المسيح الحاضرة في جراح إخوته: أي تلك الروحانيات التي تحوّل الإيمان إلى مجرّد ثقافة غيتو وإقصاء. الصوم هو زمن ذكرى والزمن لنفكر ونسأل أنفسنا: ماذا كان سيحل بنا لو أغلق الله الأبواب في وجهنا؟ ماذا كان سيحلُّ بنا بدون رحمته التي لم تتعب من مسامحتنا وأعطتنا دائمًا فرصة لنبدأ من جديد؟ الصوم هو الزمن لنسأل أنفسنا: أين كنا سنكون بدون مساعدة العديد من الوجوه الصامتة التي وبألف شكل مدّت لنا يد العون من خلال أعمال ملموسة ردّت لنا الرجاء وساعدتنا لنبدأ من جديد؟

وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: الصوم هو الزمن لنتنفس من جديد، هو الزمن لنفتح قلوبنا على النسمة الوحيدة القادرة على تحويل ترابنا إلى بشرية. ليس الزمن لنمزّق ثيابنا أمام الشر الذي يحيط بنا وإنّما لنفسح المجال في حياتنا لكل الخير الذي يمكننا القيام به متجرّدين عن كل ما يعزلنا ويُغلقنا ويشلُّنا. الصوم هو زمن الشفقة لنقول مع صاحب المزمور: "أردد لنا يا رب بهجة خلاصك وبروح كريم أعضدنا" لكي نسبحك من خلال حياتنا، ويتحول ترابنا –بقوة نسمة حياتك– إلى تراب متيّم".