موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأحد، ٢٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٥
البابا فرنسيس لشباب وشابات كينيا: لا تجعلوا قلوبكم تتدمر بالفساد

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: منير بيوك :

"كلما قبلنا رشوة ووضعناها في جيوبنا، فإننا ندمر قلوبنا، وشخصيتنا، وبلدنا. أرجو ألا تتقبلوا مذاق حلاوة الفساد! فالفساد ليس موجود فقط في السياسة. إنه موجود في جميع المؤسسات، حتى في الفاتيكان! فالفساد حلو المذاق مثل السكر، نحن نحبه، إنه سهل ولكنه في نهاية المطاف يؤدي بنا إلى طريق سيئة. فإما أن نصاب بالسكري أو يصاب بلدنا بالسكري". استخدم البابا فرنسيس هذه الإستعارة التشبيهية في خطابه الذي ارتجله باللغة الاسبانية أمام حشد من سبعين ألفا من الشبان والشابات الذين تجمعوا في ملعب كاراساني في نيروبي. لقد وضع البابا جانباً خطابه المعدّ مسبقاً وأجاب على بعض الأسئلة التي طرحها اثنان من الشبان، لينيت ومانويل. لقد أجاب بالإسبانية وصاحبته ترجمة فورية إلى اللغة الإنكليزية.

تحديات الحياة

"لماذا هناك انقسامات، وصراعات، وموت وحرب، وتعصب، ودمار في أوساط الشباب؟" ذكر البابا فرنسيس حادثه وردت في بداية الكتاب المقدس، حيث قتل أخ أخاه". فروح الشر تقودنا إلى الدمار، والانقسام، والقبلية، والفساد، والمخدرات، والتعصب".

أكد فرنسيس على أهمية الصلاة. فقال: "يفقد الشخص أفضل جزء من كينونته إذا نسى أن يصلي، لأنه يشعر أنه الأقوى، لأنه لا يشعر بالحاجة لطلب المساعدة في مواجهة الكثير من المآسي." واستمر في حديثه داعيا الشبان والشبات لإدراك صعوبات الحياة ليس على أنها شيء "يدفعك للتراجع، ويدمرك، ويجعلك سجينا، ولكن على أنها فرصة. فنحن لا نعيش في ملكوت السموات ولكن على الأرض. والأرض مليئة بالمشاكل. فهي ليست مليئة بالمشاكل فحسب، ولكن بالإغراءات نحو الشر. ولكنكم كشبان، لديكم القدرة على اتخاذ الخيار. هل أريد أن تهزمني الصعوبات أو أريد أن أراها كفرصة لكسب النصر الشخصي؟

ضد القبلية

تساءل البابا: "هل أنتم مثل الرياضيين الذين يأتون إلى الملعب للعب والفوز، أو مثل أولئك الذين باعوا نصركم للآخرين ووضعوا الأموال في جيوبهم؟" ثم تحدث البابا فرنسيس عن آفة القبلية، وعن التقسيم العرقي والقبلي، فقال إن "القبلية تدمر أمة، وهي تعني وضع كلتا يديك خلف ظهرك بحيث تحتفظ بحجر في كل منهما وتكون على استعداد لضرب الشخص الآخر!". وأوضح فرنسيس أنه بالإمكان هزيمة القبلية من خلال الاستماع، ومن خلال الإستفسار من أخيك أو أختك لماذا يتصرفون هكذا، ومن خلال الإستماع إلى الرد. كما يمكنك الفوز بالإرادة القلبية للحوار. "فإذا لم تشاركوا في الحوار، وإذا كنتم لا تستمعوا لبعضكم البعض، فإن القبلية التي تؤدي إلى تآكل المجتمع ستكون دائماً هناك". ودعا البابا بعض الشباب إلى الاقتراب منه وطلب من جميع الحضور البالغين سبعين ألفاً، بما في ذلك الرئيس الكيني اوهورو كينياتا ومسؤولي السلطات كافة، الإمساك بأيدي بعضهم البعض "كعلامة ضد القبلية، أننا نحن جميعاً أمة واحدة، وبهذه الطريقة ينبغي أن تكون قلوبنا! إن التغلب على القبلية يتطلب جهداً يومياً. أنه ينطوي على الاستماع، وعلى القلب، وعلى الانفتاح على الآخرين. كما ينطوي على اليدين من خلال المصافحة".

مكافحة الفساد

تساءل البابا فرنسيس في رده على سؤال شباب قائلاً: "هل يمكن تبرير الفساد بشكل بسيط بالإشارة إلى أن الآخرين أشرار وفاسدين؟ كيف يمكننا أن نكون مسيحيين ونحارب شر الفساد؟". وهنا استذكر البابا قضية شاب أرجنتيني كان متحمساً بشأن السياسة وحصل على وظيفة في وزارة. وعندما حان الوقت لاتخاذ قرار عما يحتاجه لمكتبه، تلقى ثلاثة عروض، إلا أنه اختار العرض الأكثر قيمة مالية. لكن رئيسه قال له: "لماذا اخترت هذا العرض؟ كان عليك أن تختار العرض الذي يمنحك المزيد من المال". واستكمل البابا حديثه قائلاً: "إن الفساد ليس موجود في السياسة فحسب. إنه موجود في جميع المؤسسات، حتى في الفاتيكان! فالفساد حلو المذاق مثل السكر، نحن نحبه، إنه سهل ولكنه في نهاية المطاف يؤدي بنا إلى طريق سيئة. فإما أن نصاب بالسكري أو يصاب بلدنا بالسكري". وقال البابا فرنسيس: "كلما نقبل رشوة ونضعها في جيوبنا فإننا ندمر قلوبنا، وندمر شخصيتنا وبلدنا. أرجو ألا تتعلقوا بمذاق سكر الفساد". وإذا كنا نرى أن الآخرين من حولنا فاسدون، "كما هو الحال مع كل شيء، فإننا بحاجة إلى أن نكون في مقدمة الذين يسعون إلى التغيير. وإذا كنتم لا تريدون الفساد في حياتكم وفي بلدكم، إبدأوا بأنفسكم! وإذا لم تبدأوا، فلن يتمكن الشخص إلى جانبكم القيام بذلك. فالفساد يسرق منا الفرح والسلام. فالشخص الفاسد لا يعيش بسلام. فمهما تسرقه عن طريق الأعمال الفاسدة، يبقى هنا". وأوضح فرنسيس وجهة نظره راوياً قصة رجل مسن قد توفي. وبعد جنازته، قالت امرأة إن نعشه لم يكن بالإمكان إقفاله لأنه أراد أن يأخذ كل المال الذي سرقه معه إلى القبر. وللفساد عواقب دائمة "في قلوب الرجال والنساء الذين تأثروا كثيراً بأمثلتكم عن الفساد. فتأثيره يصيب بالأطفال الذين يعانون من المرض أو الجوع لأن الأموال التي تم اكتسابها من خلال الفساد كانت مقصوده لهم. فالفساد ليس طريقاً للحياة، إنه الطريق نحو الموت".

ما هي الطريقة لاستخدام وسائل الاتصال لنشر الإنجيل؟

"إن الوسيلة الأولى للتواصل هي كلمة، ولفتة، وابتسامة، وتقارب، وسعى للصداقة. فإذا كنتم ودودين لبعضكم البعض، تبتسمون لبعضكم البعض مثل الإخوة والأخوات، وإذا كنتم قريبين من بعضكم البعض، على الرغم من كونكم من قبائل مختلفة، واقتربتم من الفقراء والمهجرين، وكبار السن الذين يحتاجون إلى رفقتكم، فهذه اللفتات من الاتصالات تحمل أثراً معنوياً أكثر من أي قناة تلفزيونية".

تجنيد الإرهابيين

ورداً على سؤال طرحه مانويل حول كيفية مساعدة أولئك الذين يجندهم الأصوليون، قال فرنسيس: "نحن بحاجة إلى فهم ما يدفع شاب يافع للتجنيد أو لطلب التجنيد. فالشباب يفصلون أنفسهم عن أسرهم، وعن أصدقائهم، وعن قبيلتهم، وعن بلادهم، وعن الحياة فيتعلمون القتل. هذا هو السؤال الذي يجب عليك أن تضعه أمام جميع السلطات: إذا كان هناك شاب أو فتاة ليس لديهما وظيفة أو ليس لديهما الإمكانية للدراسة، ماذا سيفعلان؟ الإساءة للغير، أو الوقوع في الإدمان على المخدرات، أو الانتحار. وفي أوروبا، لا يتم نشر معدلات الانتحار .أو إن هؤلاء قد يتورطون في نشاطات تأخذهم في طريق الخداع في الحياة".

وتابع البابا: "إن أول شيء يجب القيام به لمنع الشباب من التجنيد هو تثقيفهم ومنحهم فرصة العمل. فإذا لم يكن للشباب مجال للعمل فما المستقبل الذي ينتظرهم؟ ومن هذه النقطة تبرز فكرة التجنيد. وإذا لم يكن أمام الشباب الفرصة للدراسة، فماذا يفعلون؟ وهنا يكمن الخطر. إنه خطر يتخطانا ويتخطى بلدنا لأنه يعتمد على نظام دولي غير عادل يضع المال بدلاً من الإنسان في المركز. ماذا يمكنني أن أفعل لجعلهم يعودون عن هذه الطريق؟ أولاً وقبل كل شيء، صلوا، صلوا بقوة، لأن الله أقوى من أي شكل من أشكال التجنيد. ثم تحدثوا إليهم بمحبة، وأقيموا معهم صداقة، وأدعوهم للإلتحاق بمجموعتكم، لا تتركوهم لوحدهم".

يد الله ومآسي الحياة

ثم قدم البابا فرنسيس رداً على سؤال وجهه إليه "مانويل اللاهوتي"، كما أشار البابا إليه. كيف نعرف أن الله أبانا موجود هناك في مآسي الحياة؟ يسأل الرجال والنساء في جميع أنحاء العالم هذا السؤال وهم أنفسهم لا يجدون الجواب. لا توجد هناك إجابة، ولكن هناك مسار واحد. نظرة على ابن الله! لقد قدم الله ابنه ليخلصنا جميعاً، فصار الله نفسه مأساة وسمح لنفسه بأن يدمر على الصليب. عندما تشعر باليأس، أنظر إلى الصليب. هذا هو المكان الذي يكمن فيه دمار الله، وإنما هو تحد لإيماننا وأملنا! لأن التاريخ لم ينته هنا، ولكن مع القيامة جلب لنا جميعا حياة جديدة".

ثم عهد البابا بشيء للشباب في كينيا .ووضع يده في جيبه وقال: "في جيبي، أحمل دائماً شيئين: مسبحة للصلاة وشيء آخر قد يبدو غريباً: إنها قصة فشل الله. وأخرج كتيباً ثم قال إنه "درب الصليب". وأضاف: "عانى يسوع منذ اللحظة التي صدر عليه الحكم عليه بالموت حتى لحظة دفنه. إنني أفعل ما بوسعي مع هذين الأمرين، ولكن بفضلهما لا أفقد الأمل أبداً".

مساعدة الذين لم يختبروا حب العائلة

وأخيراً، تحدث فرنسيس عن الشبان الذين لم يشعروا بدفء الحب الأسري. هناك أطفال يتم التخلي عنهم في كل مكان. يتم التخلي عنهم عند الولادة ويحرمون من العطف الأسري. دافعوا عن الأسرة، ودافعوا عنها دائماً. في كل مكان لا نرى فقط أطفالاً يتم التخلي عنهم فحسب، لكننا نرى كبار سن لا يزورهم أحد. كيف يمكننا الخروج من هذه التجربة السلبية في التخلي عن الآخرين وعدم وجود الحب؟".

وقال البابا هناك "علاج واحد فقط" لهذا الأمر. "أعط ما لم تكن قد تسلمته! إذا لم لديك الفهم، يكون فهما مع الآخرين. إذا لم يكن لديك الحب، أحبب الآخرين. وإذا شعرت بألم الشعور بالوحدة، اقترب من الوحيدين. فالجسد يتم شفاؤه بالجسد! والله صار جسداً".