موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٦
البابا فرنسيس: إن فيروس التباعد والعداوة قائم بيننا

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: منير بيوك :

"كثيرة هي حالات عدم اليقين والمعاناة التي يزرع بذورها هذا التباعد المتزايد بين الشعوب، وبيننا! نعم، بيننا، في مجتمعاتنا، وبين كهنتنا، وفي اجتماعاتنا. إنه فيروس التباعد والعداوة يخترق ويتغلل أساليبنا في التفكير والشعور والتصرُّف.. نحن لسنا في مأمن من هذا، ونحن بحاجة للتنبّه كي لا يسيطر هذا الموقف على قلوبنا". هذا ما قاله البابا في كلمته إلى الكرادلة خلال كونسيستوار السبت، حيث تم اختيار سبعة عشر كاردينالاً جديدًا، ثلاثة عشر منهم تحت سن الثمانين وبالتالي يحق لهم التصويت في جلسة انتخاب بابا جديد (كونكلاف)، في حين أن الأربعة الآخرين يزيد عمرهم عن ثمانين عامًا. وفي الوقت الذي يبدو أن التباعد سائد في جميع أنحاء العالم، دعا البابا إلى العودة إلى الجوانب الأساسية للرسالة المسيحية وفقًا لروح الرحمة.

تبدأ قائمة الكرادلة الجدد برئيس الأساقفة ماريو زيناري، السفير البابوي في سورية. وخلال تقديم التحية، ذكر الكاردينال الجديد الحضور بحقيقة أن بعض الكرادلة يأتون "من أنحاء من العالم حيث هناك العديد من الملايين من التعساء، والبالغين، والأطفال الذين يتم تركهم للموت أو يتركوا نصف قتلى في شوارع القرى والأحياء السكنية، أو تحت أنقاض منازلهم ومدارسهم نتيجة العنف والصراعات الدموية غير الانسانيه، وغير القابلة للحل".

وتشمل قائمة الكرادلة الجدد ديودوني نزابالينجا (جمهورية أفريقيا الوسطى)؛ كارلوس أوسورو سييرا، رئيس أساقفة مدريد (اسبانيا)؛ سيرجيو دا روشا من برازيليا (البرازيل)؛ بليس كوبتش، رئيس أساقفة شيكاغو (الولايات المتحدة)؛ باتريك دي روزاريو، رئيس أساقفة دكا (بنغلاديش)؛ بالتازار إنريكي بوراس كاردوزو، رئيس أساقفة ميريدا (فنزويلا)؛ جوزيف دي كيسيل، رئيس أساقفة مالينس/بروكسل (بلجيكا)؛ موريس بيات، أسقف بورت لويس (موريشيوس)؛ كيفن جوزيف فاريل، رئيس دائرة البابا الجديده للأسرة (الولايات المتحدة) العلمانية والحياة؛ كارلوس أغيار ريتس، رئيس أساقفة تلانيبانتلا (المكسيك)؛ جون رباط، رئيس أساقفة بورت مورسبي (بابوا غينيا الجديدة)؛ جوزيف وليام توبين، رئيس أساقفة نيوارك (الولايات المتحدة)؛ أنتوني سوتر فرنانديز، رئيس الأساقفة الفخري في كوالالمبور (ماليزيا)؛ ريناتو كورتي، الأسقف الفخري في نوفارا (إيطاليا)؛ سيباستيان كوتو خواراي، الأسقف الفخري في موهالي هوك (ليسوتو)؛ والأب أرنست سيموني، كاهن أبرشية بولت –شكوردي (ألبانيا).

وفي عظته، علق البابا على الفقرة المختارة من الكتاب المقدس: بعدما اختار الإثني عشر نزل يسوع مع تلاميذه إلى مكان منبسط حيث كان ينتظره حشد كبير وقد جاؤوا ليسمعوه ويُبرأوا من أمراضهم. وبالتالي، ترتبط دعوة الرسل بهذا "الانطلاق" المتمثل بالنزول من الجبل إلى مكان منبسط. "فاختيارهم كان يفتح الطريق من خلالهم إلى قلب الجمع. وهكذا يُظهر لهم الرب ولنا أننا نبلغ القمة الحقيقية في المكان المنبسط، ولذلك يذكّرنا المكان المنبسط بأن القمة تكمن في نظرة وفي دعوة بشكل خاص: كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم". ورافق هذه الدعوة أربعة نصائح: المحبة، والإحسان، والبركة، والصلاة. وهذه كلها أعمال "يمكننا القيام به بسهولة مع أصدقائنا".

وأشار البابا فرنسيس إلى أن "المشكلة تظهر عندما يقدّم لنا يسوع الأشخاص الذين تتوجّه إليهم هذه الأعمال. فهنا هو واضح جدًا. إنه لا يتحفظ بكلامه ولا يستعمل كلمات تعبيرية. فيقول لنا: أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إِلى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم، وصلوا مِن أَجل المفترين الكذب عليكم". وقال: "إنها أعمال لا يمكننا القيام بها بشكل عفوي لمن يقف أمامنا كعدو وخصم. في الواقع، عندما يتعلق الأمر بأعدائنا، فإن الموقف الأول والغريزي أمامهم هو رفضهم، وتشويه سمعتهم أو لعنهم. في كثير من الأحيان نحاول أن نصورهم على أنهم أشرار، وذلك ليكون مبررًا مباركًا لصرف النظر عنهم. وهنا، نجد أمامنا إحدى ميزات رسالة يسوع حيث تختبئ قوته وسره؛ من هناك ينبع فرحنا وقوة رسالتنا وإعلان البشرى السارة. فالعدو هو شخص ينبغي عليّ أن أحبه، لأنه لا وجود للأعداء في قلب الله إذ لديه فقط أبناء، أما نحن فنرفع الجدران ونبني الحواجز ونصنّف الأشخاص. لله فقط أبناء وبنات بحيث لا يتم ولا بأي صورة استبعاد أحد".

وأضاف البابا فرنسيس: "تتميّز حقبتنا بمشاكل كبيرة على مستوى عالمي ونرى، على سبيل المثال، كيف يأخذ الشخص الذي يقيم بقربنا فورًا مكانة الغريب أو المهاجر أو اللاجئ ويصبح تهديدًا بالنسبة لنا لدرجة أنه يصبح عدوًا لنا: عدو لأنه يأتي من أرض بعيدة أو لأن لديه عادات أخرى؛ عدو بسبب لون بشرته ولغته وحالته الاجتماعية؛ عدو لأنه يفكّر بطريقة مختلف ولأنه من دين آخر".

وقال: "كم تنمو العديد من الجروح العميقة بسبب وباء العداء والعنف هذا الذي يترك بصماته على جسد العديد من الناس المسالمين، لأن صوتهم ضعيف ويتم إسكاته بباثولوجيا اللامبالاة. كم هو العديد من حالات عدم اليقين والعذاب التي تزدهر بسبب العداء المتزايد بين الشعوب، وبيننا!". وتابع: "نعم، هذا موجود في وسطنا، وفي مجتمعاتنا، وكهنتنا، واجتماعاتنا"، مشددًا أن "فيروس التباعد والعداوة يطبع أساليبنا في التفكير والشعور والتصرُّف ولذلك ينبغي علينا أن نتنبّه كي لا يسيطر هذا الموقف على قلوبنا لأنه يتعارض مع غنى الكنيسة وشموليتها اللذين يمكننا أن نلمسهما في مجلس الكرادلة هذا؛ فنحن آتون من أراض بعيدة ولدينا عادات وألوان بشرة ولغات وحالات اجتماعية مختلفة؛ نفكّر بأسلوب مختلف ونحتفل بالإيمان أيضًا من خلال طقوس مختلفة، ولا شيء من هذا كلّه يجعلنا أعداءً وإنما يشكل الغنى الأكبر الذي نملكه".

وخلص البابا فرنسيس إلى القول: "ككنيسة لا نزال نُرسَل كي نفتح أعيننا لنرى جراح العديد من إخوتنا وأخواتنا اللذين يُحرمون من كرامتهم. أيها الأخ الكاردينال الجديد العزيز، إن المسيرة نحو السماء تبدأ في المكان المنبسط، في الحياة اليومية التي تُكسر وتُقاسم في حياة تُبذل وتُعطى، في بذل الذات اليوميّ والصامت. إن قمة جبلنا هو هذا النوع من الحب. فهدفنا وطموحنا هو السعي في سهل حياتنا، جنبًا إلى جنب مع شعب الله، لنصير أشخاصًا قادرين على الغفران والمصالحة".

إن إجراء اختيار كرادلة جدد خلال اجتماع الكونسستوار ينطوي عليه أداء قسم الولاء، يليها منح القلنسوة (الطاقية الحمراء)، وتقديم الخاتم، ومنح اللقب. الكاردينال الوحيد الجديد الذي انحنى أمام البابا كان الأب إرنست سيموني، الذين عانى من الاضطهاد في ألبانيا. وكان الوحيد الذي لم يحصل على لقب أسقف. وفي ختام الإحتفال، استقل البابا والكرادلة الجدد حافلتين صغيرتين وذهبوا لزيارة البابا راتزينغر في سكنه بدير "أم الكنيسة" في الفاتيكان.