موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الإثنين، ٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٧
البابا: أعزائي المهاجرين، يشعر الكثيرون الذين لا يعرفونكم بالخوف

بقلم: أندريا تورنيلي ، ترجمة: منير بيوك :

"يشعر الكثيرون الذين لا يعرفونكم بالخوف". زيارة البابا إلى بولونيا هي ترياق ضد الخوف من الغير، من المختلف عنه، ومن المهاجر. إنها الزيارة التي بدأت في المركز الإقليمي حيث يقيم المهاجرون. هناك ألف منهم ينتظرون تحيته في منطقة إميليان وهو "مهبط الطائرات". لا يكمن الجزء الأطول والأكثر أهمية في الاجتماع لسماع الخطاب الذي ألقاه، وإنما في إلقاء التحية الشخصية على ضيوف المركز.

لدى وصوله، استقبل البابا امرأة مسلمة محجبة تعمل في المركز وتضع ربطة صفراء مع رقم تعريفي على معصم البابا، حيث أن لكل ضيف في المركز ربطة. يقف برجوليو لفترة طويلة تحت المطر المنهمر بدون مظله لتحية المهاجرين الذين يقفون في صفين الواحد تلو الآخر منطلقًا من جانب إلى آخر لعدم استبعاد أي شخص. هناك العديد من الأفارقة ومجموعة من بنغلاديش. يطلب الكثير منهم صورة شخصية معه. "أنا أحب البابا، وأنا من السنغال"، هذا ما قاله أحد الضيوف بينما كان يعانق فرنسيس في حين يقدم له آخر صورة قد رسمها بنفسه. هناك لوحة تقول: "لقد رأيت بالفعل الكثير من الحرب". ولوحة أخرى مكتوبة على الورق المقوى من طرف بعض الأفارقة تقول: "نحن بحاجة إلى أوراق". كان هناك الآلاف من الأيدي ترتدي أساور صفراء تحاول أن تصافح البابا، الذي كان يصافح الجميع، في حين كان موضع ترحيب في المركز من خلال عزف الأغاني التي تنم عن فرح كبير.

ثم يخطو على منصة صغيرة تعلوها خيمة. يتحدث فرنسيس من هناك عن الإطلاع على تاريخ الشعب، والقرب منه، والتكامل معه. كما يحث على وجود إدارة شفافة لظاهرة الهجرة مع وجود آليات واضحة لمنع التشويه أو الاستغلال، التي صارت أكثر قبولاً لأنها تلتزم بالفقراء، على حد قوله. كنت أريد أن يكون "مهبط الطائرات" هذا -محطتي الأولى في بولونيا- مكانًا لأولئك الذين أتوا من مكان بعيد وعاشوا تضحيات لا يمكن تصورها، وغالبًا ما يكون من الصعب جدًا التحدث عنها. الكثيرون الذين لا يعرفونكم يخشونكم. هذا يجعلهم يشعرون بأن لهم الحق في إصدار الحكم، بطريقة قاسية وجافة جدًا في كثير من الأحيان معتقدين أنهم يرون (الوضع) بشكل جيد. لكن الأمر ليس على هذا الحال.

يضيف البابا قائلاً: في الواقع "يستطيع المرء أن يرى بوضوح فقط عند قربه من الرحمة. فبدون الرحمة، يبقى الآخر غريبًا، إن لم يكن عدوًا، ولا يمكن أن يصير قريبًا لي. من بعيد، يمكننا أن نتحدث عن أي شيء، كما يحدث بسهولة عبر الإنترنت مع تلك التعليقات الرهيبه والشتائم. وإذا نظرنا إلى جيراننا نظرة خالية من الرحمة، فإننا لا ندرك معاناتهم ومشاكلهم. وإذا نظرنا إلى الآخرين نظرة خالية من الرحمة، فإننا نخاطر أيضًا بأن ينظر الله إلينا نظرة خالية من الرحمة. إنني اليوم أرى فقط أناسًا يحتاجون إلى الصداقة والمساعدة".

ثم قال الأب الأقدس للمهاجرين: "إنني أرى فيكم، كما أرى في كل غريب يقرع بابنا، يسوع المسيح، الذي يتعرف بنفسه مع الغريب من كل عمر وحالة، سواء تم قبوله أو رفضه". ثم يتحدث عن كيفية الترحيب، ويوجه مرة أخرى نداءً جديدًا إلى البلدان المعنية، قائلا: تتطلب هذه الظاهره "رؤية وتصميمًا عاليًا لمنع التشويه أو الاستغلال الذي بات أكثر رفضًا لأنه يرتكب ضد الفقراء. وأعتقد حقًا أن المزيد من البلدان بحاجة إلى اعتماد برامج دعم خاصة ومجتمعيه لفتح ممرات إنسانية للاجئين الذين يعانون أوضاعًا قاسية جدًا ولقبولهم من أجل تجنيبهم فترة انتظار لا تطاق تتسم بفقدان الوقت".

يضيف البابا قائلا: "يبدأ التكامل بالمعرفة، بمعرفة قصة الآخر. فالاتصال مع الآخر يقودنا لاكتشاف ‘سر’ يجلبه الجميع معهم جنبًا إلى جنب مع هدية يمثلها. فعند الإنفتاح معهم نستطيع تقبل أمورهم الصالحة، وبالتالي نتعلم حبهم والتغلب على الخوف، ومساعدتهم على الاندماج في المجتمعات الجديدة". ويضيف مرتجلاً: "لكل واحد منكم له تاريخه الخاص به وهذه القصة مقدسة، يجب علينا احترامه، ومساعدته، واستقباله، ومساعدته على المضي قدمًا".

ويشير برجوليو إلى وجود قاصرين بالسن "يحتاجون بشكل خاص إلى الرقة ويحق لهم الحصول على الحمايه، بما في ذلك حمايه مؤقتة أو برامج حماية". يضيف البابا: لقد جئت بينكم لأنني أريد أن تلتقي عيني بعيونكم. لقد نظرت إلى عيونكم! إن قلوبكم في قلبي. أريد أن آخذ معي وجوهكم، التي تطلب أن يتم تذكرها، ومساعدتها، وأود أن أقول "تبنيها". لأنه بعد كل هذا، إنكم تبحثون عن شخص ما يراهن عليكم، ويعطيكم الثقة، ويساعدكم على العثور على المستقبل الذي تحقق لكم. لكن، هل تعرفون من أنتم؟ أنتم "مقاتلون من أجل أمل". بعضكم لم يستطع الوصول لأنه إما ابتلعتهم الصحراء أو البحار. الناس لا تتذكرهم، لكن الله يعرف أسماءهم ويرحب بهم إلى جانبه. دعونا نتذكرهم جميعًا ونصلي من أجلهم بصمت.

يقول فرنسيس: أرجو ألا يكون قد تحول الأمل إلى خيبة، أو أسوأ من ذلك إلى يأس. وشكرًا لجميع كل من ساعدكم على عدم فقدان ذلك. أريد أن أحمل بقلبي خوفكم، والصعوبات التي واجهتكم، والمخاطر، وعدم اليقين... إنهم الناس الذين تحبون، أولئك الذين هم عزيزون عليكم والذين من أجلهم انطلقتم للبحث عن مستقبل أفضل. لهذا السبب أحثكم على أن تكونوا منفتحين على ثقافة هذه المدينة، وعلى استعداد للسير على طول الطريق الذي تطبق قوانينها".

واختتم فرنسيس حديثه بالتذكير بتقاليد بولونيا العظيمة بالضيافة في الأبرشيات، والمؤسسات، والأسر. قال: "أتمنى أن تتضاعف هذه التجارب! لا ينبغي أن تخاف المدينة من التبرع بخمسة أرغفة وسمكين. سوف تتدخل العناية الإلهية وترضي الجميع". وأخيرًا، أشار إلى أنه بولونيا كانت أول مدينة في أوروبا، منذ 760 عامًا، عملت على تحرير العبيد. كان هناك خمسة آلاف وثماني مئة وخمس وخمسين منهم. العدد كبير جدًا. إلا أن بولونيا لم تكن خائفة. لقد افتدهم البلدية، أعني المدينة. ربما فعلوا ذلك أيضًا لأسباب اقتصادية، لأن الحرية تساعد الجميع وهي في الواقع صفقة جيدة. إلا أنهم لم يكونوا خائفين من الترحيب بأولئك الذين لم يتم اعتبارهم آنذاك "من الشعب"، كما اعترفوا بهم كبشر. لقد كتبوا أسماءهم في كتاب. وأتمنى أيضًا أن تكون أسماءكم مكتوبة ومحل ذكرى، لتجدوا معًا مستقبلاً مشتركًا، كما حدث في ذلك الوقت.