موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم
نشر الخميس، ٢٠ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٦
الاستفتاء في كولومبيا: لماذا رفض المسيحيون اتفاقية السلام؟

بقلم: جاني فلانتي ، ترجمة: سامح مدانات :

يطالب أساقفة كولومبيا من الحكومة والقوات المسلحة الثورية الكولومبية أن يحافظوا على "وقف إطلاق النار" وإطلاق مشروع وطني يضمن مشاركة الجميع. هذا الجزء من الحكمة هو أكثر النتائج الملموسة من الاجتماع الاستثنائي الذي عقده مجلس الأساقفة في كولومبيا. وقد استمر الاجتماع الطارئ من 13 إلى 14 من شهر تشرين الأول الحالي، وذلك من أجل أن يتمكن الأساقفة من تقييم ما حدث، وتحديد أي سيناريوهات محتملة في المستقبل لهذا البلد، من بعد الاستفتاء الذي أظهر أن المواطنين يرفضون اتفاقية السلام التي تهدف إلى وضع حد للصراع الدامي الذي استمر منذ 52 سنة بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية.

ويشعر رؤساء الكنيسة الكولومبية بالحاجة الماسة لعمل شيء في ضوء نتيجة الاستفتاء. يعود ذلك جزئيًا إلى أنه مِن بين أولئك الذين رفضوا اتفاقية السلام جمعية معارضة منظمة لها دوافع غير متوقعة: فقد تم رفض الاتفاق مع القوات المسلحة الثورية الكولومبية من قبل ملايين الإنجيليين والكاثوليك الذين يسعون للدفاع عن العائلة وتعزيز معارضتهم لنظرية نوع الجنس. وقد وصلت نسبة الرفض إلى 50.28% من نسبة الـ13 مليون ناخب، حيث كانت هنالك زيادة قدرها 65000 صوتًا لـ"لا" مقابل الأصوات التي قالت "نعم".

وفي مقابلة مع وسائل الإعلام الكولومبية بعد التصويت، صرَّح الأب ادجار كاستانيو، رئيس اتحاد الكنيسة الإنجيلية الكولومبية، إلى أنه من بين مجموع 10 ملايين عضو في الجماعة الإنجيلية، قام 4 ملايين منهم على الأقل بالتصويت بشكل جماعي بـ"لا". وبالنظر إلى النتائج، فإنه يوعز بسهولة وشرعية التأثير الحاسم للمسيحيين الإنجيليين في نتيجة التصويت. وحتى الناخبين الذين قالوا "نعم" للاستفتاء، مثل السيناتور روي بارِّيراس فإنه يعترف بالدور الذي لعبه المسيحيون في التأثير على نتيجة الاستفتاء. ويعتقد رئيس لجنة السلام في الكونغرس الكولومبي أن مليونين من الستة ملايين صوت ممن قالوا "لا" جاءت من "تجمعات المسيحيين - الإنجيليين والكاثوليك".

في حين كان الدافع وراء بقية أصوات "لا" لأسباب سياسية (أولاً وقبل كل شيء بسبب معارضتهم لتصور إعادة تحويل القوات المسلحة الثورية الكولومبية إلى قوة سياسية قانونية)، فقد رفض الإنجيليون الاتفاقية في المقام الأول لأن الوعّاظ أقنعوهم بأن الاتفاق الذي وقعّ يشكّل تهديدًا لمنظومة العائلة، واعتبروه مثل "حصان طروادة" في خطة هدفها غرس "أيديولوجية نوع الجنس" في قلوب الشعب الكولومبي، بحجة السلام.

وفي الخطابات التي ألقيت أثناء الحملة الانتخابية، إدان الوعَّاظ الإنجيليون محاولة إعطاء الشرعية القانونية لقضايا جماعة المثليين من خلال اتفاقية السلام. وبالحقيقة الفعلية، فإنه يبدو أن أجزاء النص التي تحتوي على كلمة "نوع الجنس" تشير في معظمها إلى ضرورة تجنب تأييد الأحكام القانونية والممارسات الاجتماعية التي بها تَعصبٌ وتمييزٌ ضد المرأة. فمثلاً هناك فقرة تدعو إلى تعزيز المساواة بين الجنسين من خلال تبني تدابير محددة تضمن مشاركة الرجال والنساء، وأن يستفيد الطرفان بالتساوي من تنفيذ هذه الاتفاقية. وتنفرد فقرة واحدة فقط بالإشارة إلى ضرورة إدراج الجميع في عملية السلام "بما في ذلك الأشخاص ذوي التوجهات الجنسية والهويات المختلفة".

وفي ضوء النتائج، يدَّعي بعض المحللين الذين كانوا يميلون إلى التصويت بـ"نعم"، أن التصويت بـ"لا" قد فاز بدعم الإنجيليين بطريقة غير نزيهة، عارضين بعض المصطلحات للتعبير عن "أيدولوجية نوع الجنس" بطريقة خاطئة. ومع ذلك، فإن هذه الشروط، عادة ما يتم استخدامها في الوثائق الصادرة عن الهيئات والمنظمات الدولية، عندما يكون الهدف هو التأكيد على مدى الأهمية في عملية صنع القرار السياسي، وأن يأخذ بعين الاعتبار دائمًا كيف تكون خبرة التعامل مع الاجناس المختلفة (الذكور والإناث) في سياق معين، متجنبين التمييز والتعصب ضد الآخرين على أساس الهوية أو التوجه الجنسي. فخلال زيارته الأخيرة إلى جورجيا، تحدث قداسة البابا فرنسيس عن "نظرية نوع الجنس"، وعرَّفها بأنها "عدوٌ كبيرٌ للزواج اليوم".

كانت الكنيسة الكاثوليكية في كولومبيا تشجع المؤمنين باستمرار على المشاركة في الاستفتاء، لكنها لم تُعبِّر عن نفسها بشكل صريح إن كانت مع أو ضد. وكان أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، الكاردينال بيترو بارولين، حاضرًا مع قادة العالم عند توقيع اتفاقية السلام في قرطاجنة في 27 من شهر أيلول المنصرم. وفي ذلك اليوم احتفل في المدينة الكولومبية، الكاردينال الذي ينتمي إلى مدينة البندقية الإيطالية، بالذبيحة الإلهية في الكنيسة المشادة على اسم القديس بيدرو كلافير، وخلال عظته ذكر وقوف البابا فرنسيس إلى جانب الشعب الكولومبي العزيز وسُلطاته الحاكمة، وخاصة بمناسبة توقيع الاتفاقية النهائية بين الحكومة الكولومبية والقوات المسلحة الثورية الكولومبية. ومع ذلك فإن المحللين الكولومبيين يؤكدون على أن حملة التصويت بـ"لا" كانت مدعومة باسم العائلة، وحشدت توافق الآراء بين الرعايا والمنظمات والحركات الكاثوليكية.

وقد أكدت ردود فعل القادة السياسيين الكولومبيين بعد التصويت على الدور السياسي الذي لعبته الجماعات المسيحية في الاستفتاء، وعلى وجه الخصوص بين الانجيليين. وبعد الفوز، قام الرئيس السابق لكولومبيا، ألفارو أوريبي، والذي قاد حملة التصويت بـ"لا"، بالتأكيد بشكل علني على الحاجة الملحة لإنعاش القيم الأسرية التي يقوم رؤساءنا الروحيون ورعاتنا الروحيون بالدفاع عنها. وقد اجتمع الرئيس خوان مانويل سانتوس، والحائز مؤخرًا على جائزة نوبل، اجتمع مع 14 من ممثلي الجماعات المسيحية الكولومبية بعد يومين من الاستفتاء. وبعد الاجتماع، أخبر بعضُ المشاركين وسائل الإعلام الكولومبية بأن الرئيس أعرب عن رغبته في تغيير نص الاتفاقية بخصوص النقاط التي استُهدفت من قِبل الحملات المناهضة لأيدولوجية نوع الجنس.

وهكذا، فمن خلال دفاعهم الصريح عن العائلة ومعارضتهم لنظرية "نوع الجنس"، لعبت الجماعات الإنجيلية دورًا سياسيًا متقدمًا في السياق الأمريكي اللاتيني، والتي أبرزها تقرير روكفلور الشهير عام 1969. فبعد تحليل تصرفات الكهنة والمؤمنين في السياق الاجتماعي لذلك الوقت، فقد انتهى التقرير إلى القول بأن "الكنيسة الكاثوليكية في أمريكا اللاتينية قد توقفت عن كونها حليفًا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تثق بها، وأنها لم تعد الضامن القاري للاستقرار الجماعي.