موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٧ يونيو / حزيران ٢٠١٧
الاديان.. صخرة التراث الروحي المشترك

إميل أمين :

<p dir="RTL">لعل هذا الكتاب والذي يحمل عنوان المقال المتقدم يعد وعن حق أحد أهم وأفضل الكتب التي صدرت مؤخرا، ذلك أن التراث الروحي للإنسانية يدخلنا إلي صميم كل دين من الأديان الكبرى التى يستعرضها هذا الكتاب من وجهة نظر علاقة كل منها بالآخر واستقلاله عن غيره أيضا.</p><p dir="RTL">الكتاب الصادر عن دار الساقي في نسخته العربية وضع أصلا باللغة الإنجليزية، وكان هدفه محاولة رسم جديدة لدراسة مادة الأديان في إطار ما يعرف بـ&rsquo;حوار لأديان وتألفها&lsquo; وخاصة في جامعات العالم الغربي كالولايات المتحدة وأوروبا، وقد فاز هذا الكتاب بأول جائزة علمية تمنحها الهيئة العالمية لتفاهم الأديان المعروفة بمحفل التفاهم الموجودة في نيويورك، إذ اعتبرت الكتاب أبرز إسهام علمي في حقل الدراسات الخاصة بموضوع حوار الأديان وتآلفها.. من وراء هذا العمل الموسوعي البديع؟</p><p dir="RTL"><strong>ما الذي يقدمه هذا العمل الخلاق؟</strong></p><p dir="RTL">مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور سهيل بشرائي الأستاذ في مركز أبحاث التراث في جامعة ماريلاند في الولايات المتحدة، وهو أحد الرواد الأوائل للحوار والتوافق بين الأديان على حد وصف المترجم القدير محمد غنيم الذي وقف وراء خروج الكتاب بلغة الضاد، وبالشراكة مع الدكتور مرداد مسعودي أستاذ مساعد في دائرة هندسة الطب ألأحيائي بجامعة كارنجي ملون في الولايات المتحدة.</p><p dir="RTL">بحسب تعريف أليون فان دايك، رئيسة مجلس محفل التفاهم المشار إليه سلفًا، للكتاب، فإنه رحلة سردية لمعرفة &rsquo;توق الإنسان إلى الارتقاء والسمو&lsquo;، ونظرة متعمقة باهرة في سعي الإنسان بحثاً عن الحقيقة المطلقة سواء عن طريق تنوع الشكل ووحدة الشوق المتطلع إلي الربانية، أما صاحب الكتاب الدكتور بشرائي: فيخبرنا بأن كتاب التراث الروحي للجنس البشري <span dir="LTR">The Spiritual Heritage of the Human Race</span> جاء محصلة جهد مشروع طويل كان القصد منه تطوير منهاج الدراسات الدينية وتحديثه ليتلاءم مع عالم اليوم المعلوم المتكافل وينسجم مع حوار التوافق بين الأديان.</p><p dir="RTL">مفتاح فهم الكتاب الحقيقي يوجد في مقدمته الطويلة والتى تتجاوز الخمسين صفحة من القطع الكبير، والتى يستهلها صاحبها بتساؤل.. ما هو الدين؟ والجواب الأولي من قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي &rsquo;عيد الدهر&lsquo;:</p><p dir="RTL">الدين لله، من شاء هدى لكل نفس هوى في الدين داعيها</p><p dir="RTL">ما كان مختلف الأديان داعية إلى اختلاف البرايا أو تعاديها</p><p dir="RTL">الكتب والرسل والأديان قاطبة خزائن الحكمة الكبرى لواعيها</p><p dir="RTL">محبة الله أصل في مراشدها وخشية الله أس في مباينها</p><p dir="RTL">ويلفت صاحب المقدمة بداية إلى أن الاهتمام بالمقدس كان صفة ملازمة للحياة البشرية منذ بداية التاريخ المدون توحي بقوة بأن الروحانية أساسية بالنسبة للطبيعة الإنسانية. وقد عبر عن هذه النقطة بوضوح المؤرخ الديني ولفريد كانتول سميث بقوله &quot;&hellip; هناك بعد سام في الحياة البشرية، وعلى قدر ما يستطيعه تصوري، كان ذاك موجوداً دائما منذ العصر الحجري&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>كيف نظر كذلك علماء الاجتماع لفكرة الدين؟</strong></p><p dir="RTL">الجواب توصل إليه: إميل دركهايم الذي يعتبره العديدون مؤسس علم الاجتماع الحديث وفيه أن الدين يلد &ldquo;كل ما هو أساس للمجتمع&rdquo; بما في ذلك الاجتهادات الكبرى كالعلوم.. هل كان للدين وظيفة في حياة الإنسان منذ ظهوره على سطح البسيطة إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها؟.</p><p dir="RTL">هذا بدوره يقره صاحب العمل، وعنده أن الدين قد أدى وظيفة أساسية في حياة بني الإنسان، فالبرهان عليه قائم في استمرار وكلية وجوده من عصور ما قبل التاريخ وحتى اليوم.</p><p dir="RTL">وعلى الرغم من أن التحري العلمي الاجتماعي ربما يساعدنا في الاكتشاف من الظاهر فقط، أن الدين يؤدي وظيفة أساسية، فإننا لا نفهم تماما ماهية تلك الوظيفة إلا من خلال وجهة نظر دينيه وبتعبير أخر، أن أهداف الدين وأغراضه يجب أن لا تقترن بالتأثيرات الاجتماعية والنظرات الدينية إلي العالم والممارسات الدينية.</p><p dir="RTL">في المقدمة ذاتها وقفة فلسفية عميقة مع البعد المشترك في التراث الروحي للإنسانية تتمحور حول فكرة الحقيقة النهائية المطلقة، ومفادها أنه من الصفات البارزة للنظرة الدينية أو التقليدية للعالم الاعتقاد بأن السلطة المطلقة والخير يجتمعان في حقيقة نهائية سامية تتخطي العالم الدينوي المادي، ولكنها لا تستثنيه أو تستبعده بالضرورة.</p><p dir="RTL">ويرتكن هذا المفهوم لما أوضحه العالم جون هيك (<span dir="LTR">John Hick</span>) من أن: &rdquo;كل تراث من تقاليد الأديان الكبرى يؤكد أنه بالإضافة إلي تجربة حياتنا الإنسانية العادية مع العالم الاجتماعي والطبيعي، هناك حقيقة أكبر وأسمي غير محدودة خارج نطاقنا أو في ذواتنا بالنسبة لما أو لمن يكون فيه أسمي خيرنا&rdquo;. والحقيقة النهائية والنفيس النهائي هما واحد، وأن يهب الإنسان نفسه طائعا وكليا لهذا الوحيد &ldquo;هو خلاصنا النهائي وتحررنا وتنورنا وتمامنا&rdquo;.</p><p dir="RTL">هل يعني ذلك أن هناك قاسماً أعظم مشترك في النفس البشرية ينزع من تلقاء ذاته إلي الأولوهية والوحدانية، ويبحث عن العلة الفاعلة في سياق تسلسل العلل الفاعلة التى يخبرنا بها الفيلسوف والمعلم الكاثوليكي الأشهر &ldquo;توما الاكويني&rdquo; في بحثه المتعلق بالوجود الضروري والحتمي للذات الإلهية؟</p><p dir="RTL">هذا حقيقي، فعلاوة على ما تقدم فإن كل معتقد تقليدي يعي أن الحقيقة الإلهية تتخطي مدى مداركنا الدنيوية، فهي لا نهائية أبدية لا حدود لاغتنائها، تفوق مجال إدراكنا وخبرتنا المحدودة.</p><p dir="RTL">يقودنا البحث في مشترك التراث الروحي للإنسانية إلي أن الدين هو السبيل إل الحياة الروحية، غير أن الأمر لابد وأن يمر من خلال أبعاد الدين السبعة التى يحدثنا عنها العالم الاسكتلندي ننيان سمارت <span dir="LTR">Ninaian smart</span> وهي البعد الخرافي الأسطوري، والبعد العقائدي الفلسفي، والبعد الطقسي أو العملي، والبعد الخلقي أو القانوني، والبعد المادي والفني والبعد التجريبي، وبعد الحركة المنظمة أو الاجتماعية..&nbsp; ما الذي تمثله هذه الأبعاد السبعة في حياة الإنسان اليومية؟</p><p dir="RTL">تمثل: &rdquo;جوانب مختلفة لنظام واحد متكامل. وبناء على ذلك، فإن الدين أسلوب شامل للحياة يضم &ldquo;الشخص الكلي واستخدام العقل والعاطفة والإرادة، وذلك طبقا لتعريف عالم اللاهوت الألماني الأمريكي &ldquo;يواكيم واك&rdquo;.</p><p dir="RTL">من هذا المفهوم يخلص المرء إلي أن أي بعد منفرد لأي دين ليس غاية بحد ذاته. ويوفر كل دين من الأديان، يؤخذ برمته ككل سبيلا أو &ldquo;طريقا&rdquo; يؤدي إلي بلوغ أسمي درجات الصلاح. والصلاح التام يمكن تعريفه بأنه الحياة الربانية، أي الهدف النهائي لمبادئ الخلاص كما تصوغها على اختلافها الأديان، كالتنور والانعتاق والخلاص والتحرر والإدراك. والنظرة إلي الدين لطريق أو سبيل متأصلة في جوهر كل دين من الأديان.</p><p dir="RTL"><strong>هل يمكن أن يكون هناك دين دون التزام بشرعة انضباط روحي وحقيقة مطلقة واحدة نهائية سرمدية؟</strong></p><p dir="RTL">يضعنا الكتاب أمام ما أشار إليه العالم، &ldquo;جيمس دورلنغر&rdquo; من أهمية العلاقة بين الانضباط الروحاني والحقيقة المطلقة على الوجه التالي:</p><p dir="RTL">يوجد الدين&hellip; في سعي الإنسان المنظم للعيش حياة ربانية، حياة يتمتع فيها دوما بحالة دائمة الهناء من الوعي بالحقيقة المطلقة، الحقيقة التى تم استيعابها بشكل مختلف من الأديان المختلفة وحتى في الأديان نفسها، ولكنها تلك التي تسمو بالأشياء وترتقي بها كما تبدو أصلا، وتحرره عندما يدركها من كل صفوف المعاناة.</p><p dir="RTL"><strong>هل دراسة الدين أو الأديان أمر باتت تحتمه مقدرات زمن العولمة ؟</strong></p><p dir="RTL">يستعين المؤلف برؤية للمهاتما غاندي يذهب فيها إلي القول &ldquo;أنا أعتقد أن واجب كل مثقف، رجلا كان أو أمرآة، أن يقرأ كتب العالم المقدسة بود وتعاطف. وإذا نحن احترمنا أديان الآخرين، كما نريد منهم أن يحترموا ديننا فإن دراسة ودودة لديانات العالم واجب مقدس&rdquo;.</p><p dir="RTL">والثابت أن اعتبار التثقف في الدين بحسب&nbsp; رؤية المؤلف تزداد الحاجة إليه في هذا العصر الذي تتقارب فيه شعوب العالم المتنوعة، ولذا يؤكد العالم &ldquo;ننيان سمارت&rdquo; على أنه &ldquo;لابد لفهم تاريخ البشرية والحياة الإنسانية من فهم الدين، ويجب على المرء في العالم المعاصر أن يفهم عقائد الشعوب ودياناتها كي يستوعب معني الحياة كما يري من منظورات تختلف اختلافا كبيراً أحيانا عن منظورنا&rdquo;.. هل من فائدة لهذا المنهج؟</p><p dir="RTL">بالتأكيد نعم، فقد أدت الدراسة العلمية للدين المقارن التي&nbsp; تقدم نظرة إلي أديان العالم لا تقوم على التعصب أو الانحياز الديني، وكما أن هذه الدراسة كانت أصلا من نتاج بحث متقص يتسم بروح الإنسانية الغربية، فإنها لم تتفوق على أصولها الغربية وتتجاوزها، ولكنها نبهت الكثيرين إلي ثراء وتنوع المعتقدات الروحانية للعالم. وفي السعي لابتكار المفاهيم التى يمكن استخدامها لوصف ديانات مختلفة كل الاختلاف، كثر عدد العلماء الذين طوروا أساليب تعددية وحوارية لدراسة الدين توفر إطار لفهم الدين والآخر.</p><p dir="RTL">ومما لا شك فيه&nbsp; أن للدين دور بالغ في نمو وسيادة بل وانتشار إما مفهوم الحروب أو مبادئ السلام، لهذا فإن المقدمة تتناول كذلك فكرة حركة الحوار بين الأديان وتألفها في إطار سعي الدين لبلوغ سبل السلام.. لماذا الدين والسلام طرفي معادلة؟</p><p dir="RTL">لأنه تاريخيا ساد ظلام وتشويش بفعل أولئك الذين استولوا على رموز الدين وسيطروا على خطابه لأغراض شخصية أنانية. فأولئك الذين أكدوا أنهم هم وحدهم المالكون الوحيدين للحقيقة، هم الذين تقع عليهم المسئولية الجسيمة للارتباك والفوضي اللذين يشكلان آفة الفساد للعالم.</p><p dir="RTL">غير أنه وأن كان الدين قد أسئ استعماله عبر التاريخ واستغل كقوة حشد معبئة في الصراعات السياسية العرقية، فإن أسهام الدين في سبيل إقامة السلام وإحلاله ظل مغموطا&nbsp; حقه ومقللاً من شأنه زمنا طويلا. وقد قال&nbsp; الكاردينال فرانسيس ارينزي الذي كان ذات مرة رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان في الفاتيكان&ldquo;.. لم أقابل طيلة سبعة عشر عاما من اشتغالي بالترويج لحوار الأديان شخصا من أتباع أي دين لا يعتبر دينه مؤيداً للسلام&rdquo;.</p><p dir="RTL"><strong>ما الذي يحتويه التراث الروحي للأديان من قيم لخدمة الإنسان؟</strong></p><p dir="RTL">بما أن كل دين من الأديان ينطوي على نظرة عالمية تروج للسلام، فكلها يملك طاقة القيام بدور إيجابي في سبيل قضية السلام. ولذا فإنه عندما تتطلب الأخطار التى تواجه العالم، كالإرهاب الدولي وأسلحة الدمار الشامل وزيادة عدد السكان والفقر والأمراض وانحطاط البيئة وفساد المعايير الخلقية، عملا منسقا، يتحتم على أديان العالم أن تعمل لضمان مستقبل سلمي دائم للإنسانية جمعاء.</p><p dir="RTL">وقد أشار الله عالم اللاهوت الشهير هانز كوننج إلى أن &ldquo;السلام بين الأديان شرط مسبق للسلام بين الدول&rdquo;، فالنظرة الروحانية المؤسسة على الفضيلة إلى العالم والمتأصلة في كل الأديان، إلي جانب اهتمام الأديان المشترك بالتعاطف والخدمة والسلام، توفر أساسا مكينا يمكن للأديان أن تقيم تعاونها عليه بدلاً من التنافس على سبيل العمل من أجل السلام..</p><p dir="RTL"><strong>ما هو المشترك الإنساني الذي يمثل الآن ضرورة ملحة في ظل مجتمعات متعددة الثقافات؟</strong></p><p dir="RTL">يقرر الكاتب أنه الحوار، وبدونه لا يمكن التغلب على الجهل والتحيز، ولن يتحقق التفاهم والتبادل.. هل لإتباع الأديان مكان في هذا الحوار؟</p><p dir="RTL">حكماً أن الدين، أي دين وكل دين، هو حجر الزاوية في إدارة هذا الحوار، ففي طريق البحث عن الحقيقة السرمدية، تبقي الأديان مشاعل عبر الدروب، وبالحوار تزداد الاستنارة، وتصيب الخطي موضعها، لكن ينبغي دوما أن نتذكر أن نجاح أي حوار بين أتباع الأديان إنما يعتمد على تبني جو من الاحترام الحقيقي المتبادل وهو سلوك يتخطي مجرد التسامح.</p><p dir="RTL">لا يحيط المرء ستمائة صفحة من القطع الكبير، عدد صفحات الكتاب في سطور قليلة، لكنه قطعا كتاب فريد لا من حيث ضمه نخبة الأديان الأولي والآخرة الكبرى للإنسان وسعيه إلي فهم سر الكون ومعرفة كنه مبدعة والتقرب منه وحسب، بل ولأنه حوي هذا الكم الوفير من تراث الإنسان الديني وفلسفته الروحانية، وما أحوجنا في الليلة المظلمة إلي بدر ينير حياتنا حبا وتسامحاً وتواصلاً إنسانيا على صخرة التراث الروحي المشترك.</p>