موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الأربعاء، ١٩ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٤
الإيمان ليس شرطاً للمواطنة

الاب جورج مسوح :

نقلاً عن "النهار" اللبنانية

يلجأ معظم رجال الدين المسيحيين والمسلمين، حين يدعون إلى الوحدة الوطنية، إلى توسّل الخطاب الديني القائل بأن جميعنا، مسلمين ومسيحيين، إنّما نعبد إلهاً واحداً، لذلك يتوجّب علينا، وفق هذا الخطاب، أن نحيا معاً على قاعدة الوطن الواحد والمصير المشترك.

لا ريب في أن هؤلاء نياتهم حسنة ومقاصدهم خيّرة، وينشدون السلام والوئام والعيش الطيّب ما بين مواطنيهم. لكن ما العلاقة بين المواطنة والإيمان بالإله الواحد؟ وهل من شروط الوحدة الوطنية الوحدة في الإيمان بالإله الواحد؟ وإذا انتفت الوحدة الإيمانية هل تنتفي الوحدة الوطنية؟

على سبيل المثال، يقول البطريرك الأرثوذكسي غريغوريوس الرابع حدّاد (ت 1928) في معرض تأكيده الوحدة الوطنية: "إني أحب أبناء وطني من جميع المذاهب على حدّ سواء، ولا فرق بينهم عندي. أوَلسنا نسكن أرضاً واحدة ونستنير بضوء شمس واحدة ونستظلّ بسماء واحدة وترفرف فوقنا راية واحدة هي راية الوطن العزيز؟ أوَلسنا نحن والمسلمون توحّدنا جامعة الانتساب إلى وطن واحد؟ أوَلسنا معاً نعبد إلهاً واحداً غير متجزّئ؟".

في المقابل، يقول المفتي حسن خالد (ت 1987) في خطبة عيد الفطر، وذلك في إطار دعوة المسيحيين إلى التضامن مع مواطنيهم المسلمين لمواجهة العدوان الإسرائيلي (1982): "أيها المواطنون، إننا نحن اللبنانيين، مسيحيين ومسلمين، نرجع في عقائدنا وشرائعنا وآدابنا وسلوكنا إلى دين نستمدّ أصوله من الوحي الربّاني الذي علّمنا أننا أبناء أب واحد هو آدم عليه السلام، وأن مرجعنا هو إله واحد هو الربّ الواحد القهّار".

نجد هذا الخطاب الوطني يتكرّر، وبخاصة في أيامنا الحاضرة، عند معظم رجال الدين "المعتدلين" التائقين إلى ترسيخ الوحدة الوطنيّة. غير أن بعضهم تتحكّم بخطابهم ازدواجية ملتبسة، بحيث يتغيّر خطابهم ويتبدّل وفق الظروف السياسية، وما تستلزمه الصراعات الناشبة ما بين أتباع الطوائف والمذاهب. فبعد التأكيد على الإيمان التوحيدي للغير، يأتي ظرف معاكس ليصبح الغير يعبد إلهاً لا يمتّ بصلة إلى التوحيد الإلهي.

أثبت هذا الخطاب أن الجمع بين الوحدتين، الوطنيّة والدينية، لا يجدي نفعاً، ولا يبني قاعدة راسخة للمواطنة. ذلك أن المواطنة تقوم على المساواة ما بين أبناء الوطن الواحد، وعلى المساواة في الحقوق والواجبات، بصرف النظر عن الانتماء الديني للمواطنين. وما دور الديانات سوى هداية المؤمنين إلى خدمة الوطن والإنسان، من دون اعتبار الإيمان شرطاً للمواطنة الصالحة.

الفصل ما بين الانتماء الديني والانتماء الوطني واجب من أجل مواطنة سليمة وقويمة. فثمّة غير مؤمنين وغير متدينين هم مواطنون صالحون، ويفوقون المؤمنين والمتدينين في محبة الوطن والذود عنه وعن أبنائه.

الوطن مركزيته الإنسان وكرامته. وإذا لم يكن الدين مركزيته الإنسان لفقد أهمّ ركائز رسالته وشهادته في العالم. المواطنة، إذاً، لا علاقة لها بما هو خاص ما بين الله والإنسان. والله، في المسيحية والإسلام، يذكّر المؤمنين بأن خدمته لا تستقيم من دون خدمة الإنسان لأخيه الإنسان، ومن دون الاحترام المتبادل بين الناس جميعاً.

يقول نبيّ الإسلام: "الخلق كلّهم عيال الله، وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله". نعم، الخلق كلّهم، وليس المؤمنون فحسب، هم عيال الله. وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله، وإنْ لم يكن مؤمناً. الوحدة الوطنيّة النافعة للمواطنين، إذاً، لا علاقة لها بالتوحيد الإلهي.