موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٩ يوليو / تموز ٢٠١٩
الإشاعات.. لماذا تبقى حية؟

د. صبري الربيحات :

في الأردن تتوالد الاشاعات بمتوالية يصعب رصدها وملاحقتها فالقصص تبدو سهلة وصغيرة وعادية عند حدوثها لكنها تتدحرج وتكبر بسرعة هائلة. الاشاعات تطال سلوك الدولة وقرارات الحكومة وسمعة الاشخاص ومصداقية المؤسسات ولا يوجد من يصدها او يضع حدا لتمددها.

الحكومات المتعاقبة ادركت هذا التحدي وعرفت مدى خطورته وحاولت معالجة بعض الابعاد وجوانبه. خلال السنوات الماضية ومنذ أن ألغيت وزارة الإعلام تم استحداث حقيبة وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة وجرى تعيين ناطقين رسميين في مختلف الوزارات والدوائر وتأسيس شبكة للناطقين اضافة الى التزام الحكومات بعقد المؤتمرات الصحفية المنتظمة ودعوة الكتاب والشخصيات المؤثرة واطلاعهم على اعمال الحكومة وانجازاتها بشكل دوري.

مع كل هذه الاجراءات ما تزال الحكومات تواجه صعوبات كبيرة في تغطية الاحداث والظواهر والقضايا التي تنشأ خارج أروقة الدوائر الحكومية. قد يعود ذلك لأسباب يرتبط بعضها بضعف التنسيق والتواصل بين الاجهزة المعنية واصرار البعض على احتكار المعلومات والاستحواذ عليها وحجبها عن الجهات المختصة بالاعلام اضافة إلى روح المنافسة وغياب روح الفريق وما يولده ذلك من حساسيات بين اعضاء الفريق الحكومي او بين الافراد المكلفين بمتابعة الاحداث. في مناسبات وحوادث وازمات كثيرة في عهد هذه الحكومة وسابقاتها كانت الاجهزة تتبارى في اظهار جهودها ومساهماتها على حساب الصورة الكلية للدولة والحكومة.

في كل مرة تتصدى فيها الحكومات لمسألة من المسائل التي يستند فهمها وتحليلها والتعاطي معها إلى الوثائق والسجلات التي تحتكرها تخفق في صياغة قصة متكاملة ومقنعة وموثوقة ليظهر حجم التباين والاختلاف بين المسؤولين الذين يتصدون لحاجات الناس للمعرفة وإجابات الصحافة والجمهور على أسئلتهم..

خلال الايام القليلة الماضية انشغل الرأي العام الأردني بخبر عادي يشير إلى ايقاف اعتماد الكويت وقطر لعدد من الجامعات الأردنية التي كانت ترسل طلابها لها. مع ان هذا الخبر اجراء تقوم به كل الدول بما في ذلك الأردن إلا أن البعض اعتبر التعليم العالي ومؤسساته وحدة واحدة وكأنها قبيلة تم الاعتداء علي شرفها فبدأ الجميع بتشريح المؤسسات وبيان عيوبها وإلقاء اللوم على القطاع الخاص والمسؤولين عن تسيير الجامعات والحكومات وغيرها.

البيان الذي اصدرته الوزارة اقلق الشارع اكثر مما بعث على طمأنته ففي مقابلة مع إحدى وسائل الاعلام لم يعارض الوزير ما قاله المذيع حول خبر منح إحدى الجامعات البكالوريوس لطالب قطري في ثمانية أشهر الامر الذي غذى شكوك الجمهور واضعف ثقتهم وعمق من خوفهم وقلقهم على مصير هذا القطاع الذي شكل أحد أهم انجازات الأردن في العقود التي تلت الاستقلال.

الاشاعات حول التعليم العالي ليست الوحيدة هذه الايام فقد سرت في محافظة الطفيلة اشاعة تقول بهبوط طائرة عسكرية لنقل كميات من الذهب الذي تم استخراجه من إحدى الخرب القديمة. الفيديو الذي التقط من مسافة بعيدة لطائرة هيلوكبتر انتشر بسرعة تفوق الخيال دون صدور بيان حكومي او التعاطي الموضوعي مع الحدث.

من وقت لآخر ترفع الحكومة والمؤسسات المختلفة شعار “من حقك أن تعرف”. في حقيقة الامر يبدو الشعار براقا وحضاريا ومريحا ويوحي بالكثير من الشفافية والانفتاح والمساءلة ويبعث استخدامه على الطمأنينة. المدهش ان الناس لا يرون تطبيقا لهذا الشعار على الارض.. فيطلقون العنان لخيالاتهم لصناعة قصص وروايات يصلح الكثير منها لأفلام الخيال والقصص البوليسية والملاحم.

(الغد الأردنية)