موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٢ مارس / آذار ٢٠١٧
الأزهر والمواطنة والعروبة والإسلام

د. ناصر زيدان :

مؤتمر «الحرية والمواطنة.. التنوع والتكامل» الذي عُقد في القاهرة بين 28 /2 و1/3 /2017 بدعوة من الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين؛ حمل جديداً نوعياً لناحية توضيح بعض المفاهيم المُلتبِسة، ولناحية براءة الإسلام الكاملة مما يقترفه البعض من أعمال قتل، وممارسات تطرُّف وعنصرية، كما أكد بشكلٍ قاطع: أن العرب أُمة واحدة بمُسلميها ومسيحييها وغيرهم، وذلك ما أكده الرسول الكريم في صحيفة المدينة منذ البدايات.

رعى المؤتمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وحضرته 200 شخصية رسمية ودينية وفكرية من 60 دولة، من بينهم شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والبابا تواضروس الثاني رئيس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وبطريرك أنطاكيا وسائر المشرق للموارنة الكاثوليك، وغيرهم من الرموز الدينية والمدنية المشهود لهم، إضافة إلى أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط.

البيان الختامي الذي صدر عن المؤتمر؛ كان غنياً بالمفردات التي تؤكد على التعايُش بين المجموعات التي تقطُن في أرجاء الوطن العربي، لا سيما المسلمين والمسيحيين. وعكست فقرات البيان أهم ما جاء في الخطابات المدروسة التي ألقاها كبار المشاركين في المؤتمر، بحيث لم تبرُز تباينات كبيرة في رؤية المشاركين، وهؤلاء ينتمون إلى مشارب دينية وسياسية وفكرية متنوعة. وبطبيعة الحال فإن القلق المشترك الذي يسود بين مختلف الشرائح الإسلامية والمسيحية على امتداد الأرض العربية؛ ساعد في تبني مقاربة موحدة، تهدف إلى مقارعة الظواهر الإجرامية والانعزالية والتكفيرية التي انتشرت بغفلة من الزمن، وأساءت إلى دين الإسلام الحنيف، بينما هو دين التسامح والتنوع والرأفة.

واستعادت مفردات وثيقة الأزهر الصادرة عن المؤتمر بعض عبارات البيان الختامي لمؤتمر مكافحة التطرف والإرهاب الذي نظمة الأزهر أيضاً عام 2014، وجددت الوثيقة الدعوة لكل الجهات الإسلامية والمسيحية، لبذل جهود لمقاومة «الإسلامافوبيا» وعدم ربط الإرهاب بالإسلام، لأن الإرهابي مجرم، لا دين له، بصرف النظر عن الهوية التي يحملها.

الإسلام قام على التعددية منذ أيام المدينة، والرسول الكريم أسَّسَ لدولة المواطَنة التي لا تقبل بإقصاء أحد، مهما كان انتماؤه الديني أو العرقي. ومُصطلح المواطَنة مُتأصلٌ في الإسلام، ولم يَكُن دخيلاً أو مستورداً في أيِ يومٍ من الأيام. واستناداً إلى هذه القاعدة؛ أشار البيان الختامي للمؤتمر إلى المساواة بين المسيحيين على تنوعهم وبين المسلمين جميعاً من دون تفرقة في الحقوق والواجبات، وأكد على الإرادة الجامعة بالعيش المشترك بين كل الأطياف التي تتشكَّل منها الأُمة العربية.

كان الامتعاض واضحاً في أروقة المؤتمر من تنامي استخدام مُصطلح «الأقليات» على شاكلة واسعة في العديد من الدول العربية، وتطرقت إلى هذه الظاهرة مجموعة من المداخلات التي أُلقيت، ومنها مَن اعتبر أن المُصطلح دخيل، وقد أوجده الاستعمار بهدف بث روح التفرقة بين أبناء الأُمة الواحدة. وأشار البيان الختامي إلى أن ضعف مفهوم المواطَنة، وتراخي الرابط القومي والوطني؛ يُشجعان على الحديث عن هواجس «الأقليات» في الوقت الذي لا يعترف الإسلام، ولا المسيحية؛ بالتفرقة على أساس العقيدة الذاتية للمواطنين. والتنوُّع في البيئة العربية مصدرُ غنى، لا سيما عندما يكون تنوعاً ضمن الوحدة الاندماجية، ويساعد بطبيعة الحال على التكامل الذي يعتبر بدورهِ مصدراً للتقدُم والارتقاء.

الوطن العربي على شفير خسارة الرهان في كونه يحتضن أمة واحدة، لها مُميزاتها الحضارية والعلمية والاجتماعية والدينية، ولها مكانتها المرموقة بين أُمم الأرض. فقد ساهمت التدخلات الخارجية في تفكيك جزء كبير من البُنية السوسيولوجية العربية، وشجعت على التفرقة بين المجموعات المُكونة للاجتماع العربي الواسع، وأظهرت الدعاية الصهيونية وغيرها؛ فقراتٍ مزورة من تاريخ المنطقة، ساهم الاستعمار في تأجيجِ أحداثها، بينما الواقع يؤكد أن الاجتماع العربي لديه الكثير من مقومات الوحدة، وهو يقبل التنوع، أكثر بكثير مما هو عليه الحال في مجتمعاتٍ أُخرى في العالم.

لقد شكلت التجارُب الفاشِلة لبعض الدول العربية ممراً آمناً لبعض حركات التعصُّب والتمرُّد والقساوة، وتسللت بعض المفاهيم المريضة إلى عقول شرائح من النسيج الاجتماعي العربي والإسلامي، وأعمى التخلُّف بعض الفاشلين أو المُنحرفين، وقادهم إلى القيام بأعمال إرهابية شنيعة، يتنكَّر لها الإسلام، وبعيدة عن تقاليد الأصالة العربية النبيلة.

كانت الوثيقة واضحة باتجاه اعتماد مقاربتين ثابتتين. الأولى: دعوة الدول العربية إلى تحمّل مسؤولياتها في حماية المواطنين من دون تفرقة أو تمييز. والثانية: دعوة المواطنين مسلمين ومسيحيين وغيرهم إلى استعادة الثقة بالانتماء إلى أُمة واحدة، على قاعدة المواطَنة التي تكفل المساواة في الحقوق والواجبات، من دون أن يخاف بعضنا من الآخر.

(نقلاً عن الخليج)