موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ١٨ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٤
الأحد العاشر من لوقا

الأب بطرس جنحو :

فصل شريف من بشارة القديس لوقا (لوقا 13: 10 -17)

في ذلك الزمان كان يسوع يعلّم في احد المجامع يومَ السبت * واذا بامرأةٍ بها روحُ مرضٍ منذ ثماني عشرةَ سنةً وكانت منحنيةً لا تستطيع ان تنتصبَ البتة * فلمَّا رآها يسوع دعاها وقال لها إنكِ مطلَقةٌ من مرضِكِ * ووضع يدَيهِ عليها وفي الحال استقامَت ومجَّدَتِ الله * فاجاب رئيس المجمع وهو مَغُتاظٌ لإبراءِ يسوعَ في السبتِ وقال للجمع هي ستَّة أيامٍ ينبغي العملُ فيها. ففيها تأتون وتَستَشفون لا في يوم السبت * فاجاب الربُّ وقال يا مُرائَي أليس كلُّ واحدٍ منكم يحلُّ ثورَهُ او حمارَهُ في السبتِ مِنَ المذوَدِ وينطِلقُ بهِ فيسقيهِ * وهذهِ وهي ابنةُ إِبراهيمَ التي ربَطَها الشيطانُ منذ ثماني عَشرةَ سنةً أما كان ينبغي أن تُطلقَ من هذا الرباطِ يومَ السبت * ولَّما قال هذا خَزِيَ كلُّ من كان يقاومهُ وفرح الجمَّعُ بجميع الامور المجيدَةِ التي كانت تَصدَرَ منهُ.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

أيها الأحباء: يمكننا القول بأن هذه المنحنية كانت تعاني من هذا بسبب قسوة الشيطان... وإذ كان هذا هو حال كل البشر فإن الله الكلي الصلاح بطبعه لم يتركنا هكذا نعاني من عقوبة المرض الطويل المدى والمستحيل شفائه، بل حرَّرنا من قيودنا معلنًا حضوره، وإعلان ذاته في العالم، علاجًا مجيدًا لأتعاب البشريَّة. فقد جاء ليعيد تجديد حالنا ورده إلي أصله، وكما كتب: "الله لم يخلق الموت، وهو لا يُسر بهلاك الأحياء، لأنه خلق الجميع ليدوموا، وان مواليد العالم سالمون وليس فيهم سم مميت" (حك 1: 13-14)، وأيضا "دخل الموت إلي العالم بحسد إبليس" (حك 2: 24).

"يا مرائي، ألا يحل كل واحد منكم في السبت ثوره أو حماره من المذود ويمضي به ويسقيه؟" (لوقا 13: 15). يقول يسوع مجيباً رئيس المجمع بشكل خاص وللمجمع بشكل عام: إنك تعجب لأني حللت ابنة إبراهيم، بينما أنت تعطي راحة لثورك أو حمارك وتحلها من أتعابها وتقودهما ليشربا، بينما عندما تعاني إنسانة من المرض وتُشفى بطريقة معجزية، ويظهر الله رحمته عليها، تلومهما كعاصيين، الواحد لأنه شفى والآخر لأنها خلصت من مرضها.

ويضيف السيد له المجد إنني أسأل رئيس المجمع: هل الإنسان أقل من الحيوان في عينيه، إن كان ثوره أو حماره يستحق الرعاية في السبت بينما في حسده لم يرد أن يخلص المسيح المرأة من ضعفها إذ كانت منحنية، ولا رغب لها أن تعود إلى شكلها الطبيعي؟

لقد فضل رئيس المجمع للمرأة التي استقامت لو أنها بقيت منحنية على مثال الحيوان ذي الأربعة أرجل عن أن تُشفى وتعود إلى ما يليق بها كإنسان، عن أن يتمجَّد المسيح ويعلن عنه أنه الله خلال أعماله.
ويذكرنا هذا ما يقول عنه القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أنه كان يعلم في المجامع بهدوء ليعلن أنه لم يأتِ ليقاوم الناموس وإنما ليكمله، أما تعليمه في السبت فلأن اليهود كانوا ينشغلون فيه بسماع الناموس.

ونلاحظه جلياً أن المسيح مخلِّص الكل لم يقدَّم صلاة (عند إبراء المرأة) وإنما تمم الشفاء بسلطانه، شافيًا إيَّاها بكلمة وبلمسة يده. بكونه الرب الإله أعلن عن جسده أنه يحمل ذات قوَّته لخلاص البشر من أمراضهم. لقد قصد أن يفهم البشر مغزى سرّه. لو أن رئيس المجمع شخصاً عالماً بحقيقة الأمر. كان يليق به أن يدرك من هو المخلِّص وكم هي عظمته خلال معجزة عجيبة كهذه، لا أن يتفوه بجهل كالعامة، ولا أن يتهم من نالوا الشفاء بكسر الناموس حسب التقليد الذي يمنع العمل في السبت.

لقد نظر اليها يسوع بحنان وشفقة ودعاها. ووضع يديه عليها وغير حياتها، كما يقول الانجيل عندما لمسها ففي الحال استقامت ومجدت الله. هذه الصورة السريعة عما فعله يسوع، اذا استولى الخلاص على هذه المراة وانحلت من الشيطان ومن المرض فصارت حرة والان تمجد الله فرفعت عينيها الى السماء.

ألم تلاحظون يا احبائي: ان هذه المرأة لم تطلب الشفاء ولكن وجودها في المجمع واستمراريتها وانتظام تعبدها ولجوئها الى الله هو اعلان لرغبتها للشفاء هو طلباً غير معلناً للمسيح.

الآن تجسد الكلمة وأخذ الطبيعة البشرية ليحطم الموت والدمار، وينزع الحسد الذي بثته الحيَّة القديمة ضدنا، هذه التي كانت العلة الأولى للشر. هذا واضح لنا من الحقائق ذاتها، إذ حرَّر ابنة إبراهيم من مرضها الطويل المدى، قائلاً: "يا امرأة إنك محلوله من ضعفك" (لوقا 13: 12).

واضح أن الشفاء هو عمل، فهل يكسر الله السبت بإظهار محبَّته في السبت؟ لمن صدر الأمر بالكف عن العمل؟ هل لله نفسه أم لك أنت؟ فلو كان الله يتوقف عن العمل لتوقفت عنايته الإلهيَّة بنا في السبت، وتوقفت الشمس عن عملها وامتنعت الأمطار عن السقوط وجفت ينابيع المياه وتوقفت مجاري الأنهار، وصمتت الرياح.

كلمة أخيرة: نحن الآن في خضم ما يحدث من حولنا في حياتنا الأرضية نتردد كثيراً في التعبير عما يجول في خاطرنا بأن الإنسان عليه واجب كبير نحو احترام الغير، أو بكلمة صغيرة أن يتعايش بمحبة مع كل متطلبات الزمن الحاضر. وأن لا يكون همه الأول والأخير نفسه فقط بل عليه بكل رحابة صدر أن يكون محباً فاعلاً في مجتمعه. وأن يكون شفاء المرأة المنحنية تعبيراً بأن يتقبل انتقادات الآخرين عاملاً في وصايا الله.