موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ٢٦ مايو / أيار ٢٠١٦
الأحد الرابع المعروف بأحد السامرية

الأب بطرس ميشيل جنحو :

فصل شريف من بشارة القديس يوحنا
(يوحنا 4: 5-42)

في ذلك الزمان أَتَى يَسُوعُ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ السَّامِرَةِ يُقَالُ لَهَا سُوخَارُ بِقُرْبِ الضَّيْعَةِ الَّتِي أعطاها يَعْقُوبُ لِيُوسُفَ ابْنِهِ * وَكَان هُنَاكَ عين يَعْقُوبَ. وكَانَ يَسُوعُ قَدْ تَعِبَ مِنَ المسيرِ. فجَلَسَ عَلَى الْعينِ وَكَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ * فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ السَّامِرَةِ لِتَسْتَقِيَ مَاءً. فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ * فأَنَّ تلاَمِيذَهُ كَانُوا قَدْ مَضَوْا إِلَى الْمَدِينَةِ لِيَبْتَاعُوا طَعَاماً * فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ السَّامِرِيَّةُ كَيْفَ تَطْلُبُ ان تَشْرَبَ مني وَأَنْتَ يَهُودِيٌّ وَأَنَا امْرَأَةٌ سَامِرِيَّةٌ والْيَهُودَ لاَ يُخالطونَ السَّامِرِيِّينَ * أَجَابَ يَسُوعُ وقال لها لَوْ عرفتِ عَطِيَّةَ اللَّهِ وَمَنْ الَّذِي قُالَ لَكِ أَعْطِينِي لأَشْرَبَ لَطَلَبْتِ أَنْتِ مِنْهُ فَأَعْطَاكِ مَاءً حَيّاً * قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَة ُ يَا سَيِّدُ انَّهُ ليس معك ما تسَتقي به وَالْبِئْرُ عَمِيقَةٌ. فَمِنْ أَيْنَ لَكَ الْمَاءُ الْحَيُّ * أَلَعَلَّكَ أنت أَعْظَمُ مِنْ أَبِينَا يَعْقُوبَ الَّذِي أَعْطَانَا الْبِئْرَ ومِنْهَا شَرِبَ هُوَ وَبَنُوهُ وَمَاشِيتهُ * أَجَابَ يَسُوعُ وقال لها كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضاً. وأما مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أنا أُعْطِيهِ لهُ فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ * بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ لهُ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ * فقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ يَا سَيِّدُ أَعْطِنِي هَذَا الْمَاءَ لِكَيْ لاَ أَعْطَشَ وَلاَ آجِيَء إِلَى هُهنَا لأَسْتَقِيَ * فقَالَ لَهَا يَسُوعُ ﭐذْهَبِي وَادْعِي رجَلكِ وهلمّيْ إِلَى هَهُنَا * أَجَابَتِ الْمَرْأَةُ وقالت انَّهُ لا رجلٌ لي. فقال لها يسوع قد أحسنتِ بقولكِ انَّهُ لا رجل لي * فأَنَّهُ كَانَ لَكِ خَمْسَةُ رجالٍ وَالَّذِي معكِ الآنَ لَيْسَ رجلكِ. هَذَا قُلْتِهِ بِالصِّدْقِ * قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ يَا سَيِّدُ أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ * آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هَذَا الْجَبَلِ . وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ المكان الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ هو فِي أُورُشَلِيمَ * قَالَ لَهَا يَسُوعُ يَا امْرَأَةُ صَدِّقِينِي أَنَّها تَأْتِي سَاعَةٌ لاَ فِي هَذَا الْجَبَلِ وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ فيها لِلآبِ * أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لا تَعْلَمُونَ ونَحْنُ نَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ. لأَنَّ الْخلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ * وَلَكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ الآنَ حاضرةٌ اذ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ. لأَنَّ الآبَ انَّما يطَلِبُ السَّاجِدِينَ لَهُ مِثْلَ هَؤُلاَءِ * اَللَّهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا * قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَة قد علمتُ أَنَّ مَسِيَّا الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ فهو يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ * فقَالَ لَهَا يَسُوعُ أَنَا المتكلّم معكِ هُوَ * وَعِنْدَ ذَلِكَ جَاءَ تلاَمِيذُهُ فتَعَجَّبُوا أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ مَعَ امْرَأَةٍ. وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مَاذَا تَطْلُبُ أَوْ لِمَاذَا تَتَكَلَّمُ مَعَهَا * فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ * تعالوا انْظُرُوا إِنْسَاناً قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمَسِيحُ * فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَقبلَوْا نحوهُ * وَفِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ سَأَلَهُ تلاَمِيذُهُ قائلين يَا مُعَلِّمُ كُلْ * فَقَالَ لَهُمْ انَّ لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ * فَقَالَ التّلاَمِيذُ فيما بينهم أَلَعَلَّ أَحَداً جاءَهُ بما يَأْكُلَ * فقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ ان طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ * أَلستم تَقُولُونَ انتم أنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ. وهَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ ارْفَعُوا عْيُونَكُمْ وَانْظُرُوا الى المزارع إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ * والذي يحصدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَراً لْحَيَاةِ ابَدِيَّةِ لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعاً * فِفي هَذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ إِنَّ وَاحِداً يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ * أَني أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا انتم فِيهِ. فأنَّ آخَرُينَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ * فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ من أجلِ كلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّ قدْ قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ * ولَّما اتىَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَقيم عِنْدَهُمْ. فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ * فَآمَنَ جمعٌ أَكْثَرُ من أولئك جِدّاً من أجلِ كلاَمِهِ * وكانوا يَقَولون لِلْمَرْأَة لَسْنَا من أجل كلاَمِكِ نُؤْمِنُ الآن. لأنَّا نحن قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ بِالْحَقِيقَة الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ .

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

أيها الأحباء

في الأحد الرابع والذي يتكلم عن المرأة السامرية والتي سلمت نفسها للمسيح تماماً، بعد أن كانت قد سلمت نفسها للشيطان تماماً. إنها التوبة الجذرية الرائعة، التي حولت الخاطئة إلى قديسة، والمعثرة إلى خادمة، والعطشانة إلى كارزة حية، نجحت فى تبشير مدينة كاملة، وفي تعريفهم برب المجد يسوع.

لم تكن هناك حتمية أن يجتاز السيد المسيح على السامرة، إذ كان يمكن أن يعبر الأردن ليبتعد عنها، قادماً من اليهودية جنوباً إلى الجليل شمالاً. ولكنها حتمية الحب، فهو يعرف بسبق علمه، وبقوة لاهوته، أن هذه المرأة الخاطئة ستكون على البئر لتستقي عند الظهيرة، إذ كانت تفعل ذلك فى عز الحرّ، حتى لا يكون هناك أحد على البئر، فكل الفتيات كن يستقين الماء من البئر فى الصباح الباكر، حيث الشمس هادئة، والاحتياج للماء فى الإغتسال وإعداد الطعام، يناسبه الصباح الباكر.

يسوع المسيح في حديثه مع المرأة، يقول لها: "لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لكِ اعطيني لأشرب، لطلبتِ انتِ منه فأعطاكِ ماءً حياً. في هذه العبارة التي قالها يسوع المسيح، اراد بأن يقود المرأة بالحديث حتى يلتقي بشخصيتها ويعبّر لها عن احتياجها الحقيقي وعن عطشها الحقيقي. المرأة اتت لتستقي وهي عطشة لكنها لم تعلم ما هو الماء الحي ولم تعلم ما تحتاج نفسها لكي تستريح او تشبع. غاية يسوع هي أن يعبّر عن معنى العطش الموجود بالانسان فاستخدم عبارة الماء والعطش حتى يعبر عن حقيقة اخرى في حياة الانسان: هي عطشه لبر الله ولخلاص الله. في الكتاب المقدس، يقول لنا العهد الجديد في انجيل يوحنا بأن يسوع على الصليب، قال في العبارة الخامسة من ضمن العبارات السبعة التي قال:"انا عطشان"، و كان بذلك يعبر عن موقفه (كون يسوع على الصليب كان انساناً حاملاً خطايا البشر). كيف ان البشرية بعيدة عن الله. عبّر يسوع بعطشه عن احتياج الانسان لله لطالما ان الله تحول عن الانسان بسبب الخطايا التي صارت فاصلاً ما بين الله و بين الانسان. والخطيئة التي حجبت وجه الله عن الانسان هي نفسها التي جعلت السماء والشمس يصبحان مظلمتين عند وقت الصلب للتعبير عن ظلام الخطيئة وعن حال الانسان العائش في الخطيئة لذلك قال يسوع "انا عطشان". المرأة كانت عطشانة لكن لم تكن عطشانة للمياه. والانسان ايضاً يبقى في عطش دائم، ولن ترويه مياه الحياة بأكملها. العطش هو في الانسان الذي فقد السلام و يبحث عنه بالظروف. الذي فقد الفرح يبحث عن المتعة في الخطيئة. الذي فقد البر يلجأ لتغطية ذلك باعمال لا تستطيع ان تكفر عن ذنوبه. الانسان هو دوماً عطشان لبر الله و المرأة السامرية جاءت عطشانة و يسوع اراد بأن يعلن لها عن حقيقة عطشها لخلاص الله. قال لها "لو كنتِ تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لكِ اعطيني لأشرب لطلبتِ انتِ منه فاعطاكِ ماءاً حياً". سبب عدم اتجاه الانسان للارتواء من ينابع المياه الحية هو جهله لعطية الله. و عطية الله هي يسوع المسيح الذي بذله الله الآب لكي لا يهلك كل من آمن به بل تكون له الحياة الابدية. هو والماء الذي هو الروح القدس هم حقيقة واحدة لا يمكن ان تكون منفصلة عن بعضها البعض لأن يسوع لا بد أن يموت عن خطايا الانسان حتى يمنح الروح القدس و بذلك نسترد سلطان البنوة ونسترد الشركة مع الله وايضاً تشبع نفوسنا من خلاص اللهو ومن بر اللهو وبذلك لا يعود الانسان محتاج الى اشياء دنيوية لكي يشبع ذاته من خلالها.

قالت له المرأة: ’يا سيد، اعطنِ هذا الماء، لكي لا اعطش ولا آتي الى هنا لاستقي‘. كانت هذه كلمات اصطياد المرأة حتى يكشف لها عن عطشها الحقيقي. قالت له بأنها تريد أن ترتوي من تلك المياه. بشكل من الاشكال اقتنعت بكلماته، وطلبت هذه المياه، وطلبت عطية يسوع. حتى أن يقدم يسوع هذه العطية التي هي ذاته، وحتى أن يقدم يسوع عطية الروح القدس لهذه المرأة، لابد أن تتواجه المرأة مع خطاياها، التي صارت الفاصل بينها وبين الرب. لذلك يسوع قادها بالحديث أن تدعو زوجها ايضاً لكي يشرب معها هذه المياه. المرأة حينذاك اعلنت عن حقيقة لم تكن ما سيأتي بعدها.

قالت المرأة: ‘ليس لي رجلاً’. يسوع المسيح الذي هو ‘فاحص القلوب مختبر الكلى’ والذي ‘عيناه تخترقان الظلام’ كان عارفاً تاريخها، عارفاً ماضيها. قال للمرأة السامرية: "حسناً قلتِ أنه ليس لكِ زوج، لأن لك خمس ازواج سابقاً والرجل الذي معك الآن ليس زوجكِ". هذه المرأة كانت تتغطى بوشاح التدين وتحدث يسوع بأحداث من الكتاب المقدس، وكانت هاربة من وجه المجتمع، لا تريد بأن تكشف عن ذاتها، هاربة من خطاياها، لكن التقت بوجه الله لأن جميع الامور بيِّنة و مكشوفة، لأن يسوع هو الله وعارف كل الأسرار.

أحبائي أحب أن أقول بالنهاية أن المرأة هي صورة عن كل انسان محتاجة نفسه الى علاقة حيّة مع الله. قد نبحث عن طرق عديدة للراحة و لن نراها. لكن الحقيقة تبقى واحدة بأن الله يريدك أن تلتفت اليه لكي تَخلص. الخلاص بيسوع.