موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ٢ أكتوبر / تشرين الأول ٢٠١٥
الأحد الذي بعد عيد رفع الصليب

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس مرقس (8: 34–38 ، 9: 1)

قال الربُّ مَن أراد أن يتبعَني فليكفُر بنفسهِ ويحمِل صليبَهُ ويتبعني * لانَّ مَن اراد ان يخلصَ نفسَهُ يـُهلكها ومَن اهلك نفسهُ من اجلي ومن اجل الانجيلِ يخلّصها * فاَّنهُ ماذا ينتفع الانسانَ لو ربح العالَمَ كلَّهُ وخسر نفسّهُ * ام ماذا يـُعطي الانسانُ فداء عن نفسهِ * لان مَن يستحيي بي وبكلامي في هذا الجيلِ الفاسق الخاطىء يستحيي بهِ ابنُ البشر متى أتى في مجد أبيهِ معَ الملائكة القديسين * وقال لهم الحقَّ اقول لكم إنَّ قوماً مِنَ القائمين ههنا لا يذوقونَ الموتَ حتـَّى يرَوا ملكوتَ اللهِ قد اتى بقوَّةٍ.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

أيها الأحباء، عندما نسمع دعوة الرب "من أراد أن يتبعني فيكفر بنفسه ويتبعني" يخطر على بالنا عدّة أمور، منها صعوبات الحياة وآلامها، أو الخطوات التي يتوجّب علينا القيام بها تجاه أنفسنا أو آخرين، والتي تفوق قدراتنا النفسيّة أو الروحيّة أو حتى الماديّة.

أن تتبع المسيح يعني أن تسير على طريق المسيح. وما معنى طريق المسيح؟ يعني طريق موته وقيامته، هذه هي النقطة الأساسية، المحور الأساسي. اتّباع المسيح والسير على طريقه، هذا الطريق الذي أدّى به إلى الموت والقيامة.

في عالم اليوم لا يمكننا أن نفهم يسوع بمنطق النجاحات والسلطة وتحقيق الأعمال الكبري. منطق عالم اليوم هو التحقيقات العظمى. فبهذا المنطق لا نستطيع أن نفهم المسيح. فلكي نفهم المسيح علينا أن نعود ونكتشف أنّه هو "المسَّيا" المسيح المتألم، ومن خلال هذا الوجه نفهمه. إنّه "المسَّيا" المسيح المتألم الذي يتخطّى كل المقاييس والمعايير البشريّة المعاصرة. فإذاً نحن أمام مواجهة. المقياس العالمي اليوم يركز على نجاحات العالم الكبيرة. ومقياس آخر هو المسيح المتألّم، من هذا المنطلق الدعوة موجّهة لي للنظر، أي لرؤية وجه المسيح.

ولكن، هل الدعوة إلى حمل الصليب تتوقّف عند حدود هذه الأمور أو ما يشبهها؟ هل من صليب مميّز نُدعى إلى حمله اليوم وراء يسوع ربّنا؟

أنّ الصليب الذي نُدعى إلى حمله اليوم هو صليب الإيمان. نحن نعتقد أنّ الإيمان نعمة وبركة، وهو كذلك. فالقديس بولس يقول أنّ " الإيمان ليس للجميع" (2 تسا 3: 2)، أي أنّه ليس الجميع قادرون على أن يؤمنوا إيماناً صحيحاً، وإلى الغاية، بالمسيح يسوع المصلوب لأجلهم. ولكن، بالرغم من كون الإيمان نعمة وبركة، فهو بحدّ ذاته صليب علينا أن نحمله. والسؤال الذي يُطرح هو التالي: كيف يكون الإيمان صليباً؟ وكيف نحمل هذا الصليب؟ الإيمان اعترافٌ أوّلي بوجود الله، وبأنّ الكلمة الأزلي تجسّد ومات وقام، لأجلنا، وأنّه "معنا إلى انقضاء الدهر" (مت 28: 20).

نحن ننظر إلى وجه المسيح الذي أتى ليتمم إرداة الآب وهو يحقق رسالة الخلاص للذين يؤمنون به ويحبّونه ليس بالكلام فحسب بل بالواقع الحياتي أيضاً. إذا كان الحب هو الشرط لاتباع المسيح، فالتضحية هي التي تبرهن وتمتحن هذا الحبّ.

أولى واجبات المسيحي أن يكفر بنفسه. ومعنى الكفر بالذات هو ان نقلع عن عاداتنا الرديئة ونخرج من القلب كل رباطات العالم، وألا نرحب بالرغبات الباطلة والأفكار الشريرة، بل ان نطردها خارجاً، كما يجب أن نتجنب الفرص التي تؤدي بنا إلى الخطيئة غير راغبين في ما هو لذواتنا بل في ما يؤدي بنا الى محبة الله، معنى الكفر بالذات هو كما يراه بولس الرسول: أن نموت عن الخطيئة لنحيا لله.

وهكذا يفتح المسيح أمامنا طريق الحياة الذي وللأسف مهدد دوماً بطريق الموت. فالخطيئة هي الطريق الذي يفصل الإنسان عن الله والقريب، ويحقق الانقسامات، مهدِّدةً المجتمع من الداخل. "تعرف يا ربّ أنّي أحبّكَ". استسلم في النهاية إلى حيث حيث إرادة يسوع أن تكون. "أنتَ هو المسيح ابن الله الحيّ".

أن ينكر الإنسان طريقه حتى يتقبّل ويستقبل مشروع الله وهذا التقبّل والاستقبال هو طريق التوبة الأساسي والحتمي في الوجود المسيحي.

الحياة تُعاش ويتحقق معناها بالعطاء والمجانية. فالمسيح لا يطلب نكران الحياة. "فليكفر بنفسه" لا تعني نكران الحياة بل استقبال الحياة في جديدها وملئها، وهو وحده قادر أن يمنحها بملئها والإنسان في عمق أعماقه يميل إلى التفكير بذاته.

المسيحي لا يبحث عن الألم بل يحمل صليبه. المسيحي لا يبحث عن الألم حبّاً بالألم بل يفتّش عن الحبّ، والصليب المقبول الشخصي والحر والواعي يصبح علامة الحبّ والعطاء الكامل. الصليب المقبول بحريّة علامة الحب والعطاء والمجانية.

اما ثاني واجبات المسيحي فهو ان يحمل صليبه والصليب هو الالام والاحزان والتجارب. وهو على نوعين: صليب خارجي وصليب داخلي اما مايقصد بحمله فهو قبول واحتمال كل ماهو غير سار ومحزن وصعب وذلك بلا تذمر. فقد يقاومك انسان او يسخر منك او يتعبك او يؤلمك او يحزنك او يغضبك او يقابل معرفك معه بالجحود وقد لا تجد طريقة لاتمام عمل الخير الذي تريد ان تعمله اذ قد يحل عليك سوء او مرض او احتياج رغم اتعابك في الحياة او قد تتورط في صعوبة وتقع في مأزق حرج فاحتمل كل هذا بلا حقد ولاتذمر او انتقاد او اعتراض أي بدون ان تعتبر نفسك انك قد اضطهدت وبدون انتظار لجزاء ارضي بل تحمل كل شي بمحبة وفرح وثبات.

طريق الحياة هو أيضاً طريق الصليب، طريق الثقة بالمسيح، طريق الخلاص والسعادة الذي لا يأبى الفشل والصعوبات والوحدة، لأنّه الطريق الذي يملأ قلب الإنسان من حضور يسوع. إنّه طريق السلام وضبط النفس والفرح العميق.

قد تكون الصلبان الداخلية ثقيلة الحمل حتى انك تظن انه لا سبيل للعزاء. ولكن مهما كانت حالتك ومهما كانت الامك النفسية لا تيأس ولا تعتقد ان الله تخلى عنك لا أنه يقويك دائما من الداخل عندما تفكر انه لاعون لك. ولا يسمح قط بأن تجرب اكئر مما تحتمل. سلم نفسك اليه كلياً واصبر وصلّ لانه اب محب يعلم ضعفات كل واحد منا ولا يلقي صلبانا على الانسان الا ليشفي قلبه وينقيه حتى يتحول الى مثاله.