موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ٢٢ يناير / كانون الثاني ٢٠١٦
الأحد الذي بعد عيد الظهور الالهي

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس متى (4: 12–17)

في ذلك الزمان لَّما سمع يسوع انَّ يوحنا قد أُسلمَ انصرفَ الى الجليل * وترك الناصرةَ وجاء فسكن في كـفَّرناحوم التي على شاطىء البحر في تخوم زَبولونَ ونفتاليمَ * ليتمَّ ما قيل باشِعياء النبي القائل: ارض زبولون وارض نفتاليم طريقُ البحر عَبرَ الأُردنِ جليل الأُمم * الشعب الجالس في الظلمة أَبصر نورًا عظيمًا والجالسون في بقعةِ الموتِ وظلالهِ أشرق عليهم نورٌ * ومنذئـِذٍ ابتدأَ يسوعُ يكرز ويقول توبوا فقدِ اقتربَ ملكوتُ السماوات.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين.

أيها الأحباء، أرتبط الماء بتجديد العالم حين حدث في الطوفان، الخليقة بدأت بالماء والروح وكان روح الله يرف على وجه الماء لذلك جاء التجديد بالماء والخلقة الجديدة بالماء والروح، الماء هنا داخل كعنصر أساسي لذلك أستخدم الماء لاستعلان المخلص وكان الجميع يقرون بخطاياهم وهم يعتمدون، لذلك القديس أمبروسيوس يستخدم تعبير (غسل الخطيئة): "أغتسل المسيح من أجلنا أو بالحري غسلنا نحن في جسده، لذا علينا أن نسرع لغسل خطايانا، لقد طهر المياه الذي لم يعرف خطيئة لأن له سلطان على التطهير لذلك كل من يُدفن في الماء يترك خطاياه، والرب بدون خطية دُفن في الماء ليحمل خطايا كل من أعتمد في الماء".

المعمودية ولادة من فوق من الماء والروح، نوال الخلاص من الخطيئة وغفرانها بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس وبها نلبس الرب يسوع (غلاطية 3: 27) "لأن كلكم الذين اعتمدتم للمسيح قد لبستم المسيح" وننال التطهير الكامل والبر والقداسة (أفسس 5: 25).

لقد احتفلنا بعيد الظهور الإلهي ونلنا بركة من المياة المقدسة ونحن على يقين أن التوبة هاجس كل إنسان. التوبة كما يعرّفها الآباء القديسون هي “تغيير الذهن أو العقل”، التوبة ليست أن تبكي أو تنوح بل هي أن تغير ذهنك وطريقة تفكيرك، إن كنت تفكر دوماً بالخطيئة أو كنت منغمساً بهوى من أهوائك، عليك أن توقف التفكير به أو عنه ولتبدأ التفكير بالأمور الصالحة، وبذلك تكون قد قمت بتغيير ذهنك عن التفكير بالشر للتفكير بالأعمال الصالحة، هذا هو المعنى الحقيقي للتوبة، إذا التوبة ليست أن تبكي أو أن تعاتب نفسك، بل هي أن تغير ذهنك لتصلح حياتك، لتصلح ذاتك فتصبح إنساناً جديداً.

ولذلك علينا أن نتوب ونعترف بقلب طاهر بخطايانا. فإنَّه مَن يُخفي خطاياه يُسبِّبُ فرحاً للشيطان وأمَّا مَن يعترف بها فيكون مصدر فرحٍ عظيمٍ للملائكة وسعادةً لله. لأنَّ الله لا يفرح بتسعةٍ وتسعين بارَّاً بقدر ما يفرح بخاطئٍ واحدٍ عندما يتوب توبةً كاملةً وطاهرة. وبما أنَّ الله يفرح هكذا من أجل توبتنا فلا يجوز لنا أن نحمل خطايانا إلى ساعةِ موتنا والّتي تصبح كالصدأ لنفسنا، بل يجب علينا أن نرفضها وأن نعترف بها مثل العشَّار لأنَّه حينما يقوم جميع الراقدين عند المجيء الثاني للمسيح فإنَّنا سنعطي حساباً على كلِّ أفعالنا وأفكارنا وأقوالنا.

أيتها الدموع المتدفقة بواسطة الاستنارة الإلهيّة، التي تفتح السماء وتعطينا تعزية إلهيّة! حيث يوجد دموع غزيرة بمعرفة حقيقية هناك أيضاً إشراق للنور الإلهي.

وحيث إشراق النور هناك هبة الصالحات كلها، هناك يُختَم بخاتم الروح القدس داخل القلب، التي منه تأتي أثمار الحياة كلّها. من هنا يُزهر من أجل المسيح السلامُ، الرحمة، الرأفة، الصلاح، البرّ، الإيمان والعفّة. وبالتالي محبة الأعداء والصلاة من أجلهم، الفرح في التجارب والافتخار في الشدائد. وأيضاً أن يحسب المرء خطايا الآخرين خطاياه.

اما من الناحية الأخرى، عن أي نور يتكلم يوحنا المعمدان؟ عن نور المسيح، كلنا أخذنا هذا النور يوم المعمودية، لكن أمازال مشتعلاً فينا! أما زال ينير الظلمة التي دخلنا فيها بسبب خطايانا؟ كل إنسان معمّد لديه نور المسيح وخصوصاً الذي يشترك بجسد المسيح ودمه، أما الذي لا يشترك بهما لا يغذي هذا النور بل يدعه ينطفئ، الإنسان التائب هو الذي يهيئ نفسه لاشعال النور في داخله.

احبائي: لن يشتعل النور الحقيقي، الذي بداخلكم من يوم المعمودية، بدون التوبة، فيمكن أن يكون هذا النور عند أي مسيحي خامد ولكنه سيكون متقد عند التائب فيقدسه.

اذا ما علاقة النور بالتوبة؟ كي نتوب يجب أن يدخل فينا النور، وما دمنا معتمدين فنحن نملك هذا النور. لكن ما نتائج التوبة؟ من نتائج التوبة أن يسكن فينا نور المسيح، وينضح منا هذا النور، هذه هي علاقة النور بالتوبة، هي علاقة متبادلة، أي عندما تتوب ستحصل على النور الحقيقي، ومن جهة أخرى بدون النور لن تكشف خطاياك ولن تستطيع أن تتوب توبة حقيقية مغيّراً ذهنك ومصلحاً ذاتك مطهّراً إياها.

الإنسان التائب هو الإنسان الذي يمتلك حياة جديدة ملؤها السلام ملؤها المحبة ملؤها التواضع وبالنهاية يكون الملء من روح الله، هذا هو هدف الإنسان المسيحي الحقيقي الذي يسعى لملكوت السموات. لا تظنوا أن التوبة عمل مؤقت بل هي عمل مستمر حتى نهاية العمر، إن لم نكن تائبين العمر كله فلن نخلص، ولن نحصل على النور الحقيقي ولا على ملكوت السموات.

أخيراً: بهذه الحقيقة والصورة الواضحة التي اعلنها اليوم لنا السيد المسيح في المقطع الإنجيلي، بأننا على عتبات ملكوت جديد ندخله ولن ندخله،الا اذ صار هذا النور مضيء في حياتنا وغيرنا حياتنا من اتجاه الى اخر حقيقي الى التوبة ،عندها يسكن فينا المسيح ويفيض منا النور وندخل الملكوت وننال الخلاص. لقد كان للسابق القديس يوحنا المعمدان رؤية عظيمة. نجد في حياة القديسين خبرات لمعاينة مجد الثالوث القدوس بشخص يسوع المسيح. أُعطي يوحنا المعمدان أن يسمع صوت الآب، ويرى كلمة الله، ويعاين روح الله.