موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الخميس، ٢ يوليو / تموز ٢٠١٥
الأحد الخامس بعد العنصرة

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

فصل شريف من بشارة القديس متَّى (8: 28 ، 9: 1)

في ذلك الزمان لما اتى يسوع الى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور شرسان جدا حتى إنه لم يكن احدٌ يقدر ان يجتاز من تلك الطريق * فصاحا قائلين ما لنا ولك يا يسوع ابن الله. أجئت الى ههنا قبل الزمان لتعذبنا * وكان بعيدًا منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى * فأخذ الشياطين يطلبون اليه قائلين ان كنت تخرجنا فائذن لنا ان نذهب الى قطيع الخنازير * فقال لهم اذهبوا. فخرجوا وذهبوا الى قطيع الخنازير. فاذا بالقطيع كله قد وثب عن الجرف الى البحر ومات في المياه * امَّا الرعاة فهربوا ومضوا الى المدينة واخبروا بكل شيء وبأَمر المجنونين * فخرجت المدينة كلها للقاء يسوع. ولما راوه طلبوا اليه ان يتحول عن تخومهم * فدخل السفينة واجتاز واتى الى مدينته.

بسم الأب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين

أيها الاحباء: إنجيل اليوم يُخبرنا أن يسوع انطلق في سفينةٍ إلى منطقةٍ تُسمى (الجرجسيين) وهي منطقةٌ مقرونة بما يسمى في ذلك الحين (المدن العشر)، وأبناء هذه المنطقة أكثرهم من الوثنيين، والقلة يهود.

ولما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور مجنونان بهما روح نجس. كان يسكنا في القبور ولم يقدر أحد أن يربطهما ولا حتى بسلاسل. لأنها قد ربط كثيرا بقيود وسلاسل فقطعا السلاسل وكسرا القيود. وكانا دائماً خلال الليل والنهار يصيحان ويجرحا نفسيهما بالحجارة. فلما شاهد يسوع من بعيد ركضا وسجدا له. وصرخا بصوت عظيم وقال: "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله العلي، تأتي الآن قبل الزمان لتعذبنا،" أنهما مجنونان حسب التعبير الذي وُصِفا به أنهما مسكونان بمجموعةٍ كبيرة من الشياطين، وكان يسوع ينظر إليهما نظرة محبةٍ وعطفٍ ورحمة. دائماً ينظر يسوع إلى الإنسان هكذا.

ولكن هذا التعبير الغامض، ماذا يقصدان به في قولهما: “تأتي الآن قبل الزمان لتعذبنا”؟ سفر الرؤيا يحدثنا بأن يسوع في آخر المطاف سيكون دياناً للجميع، وهو بكلامٍ رمزي، يستعين ببركةٍ من النار والكبريت يهلكُ فيها الشياطين وأعمالهم.

أهمية الإنسان عند يسوع تفوق كل اعتبارٍ آخر، ولهذا بجد أن الغاية التي أتى لأجلها يسوع تحولت لتخدم هذين الاثنين. وأمر يسوع الشياطين أن يخرجا من هذان المجنونان قائلاً للشياطين (الأرواح التي كانت ساكنة فيهما): إمضوا، فخرجوا، ومضوا إلى قطيع الخنازير. “وإذا قطيع الخنازير كله قد إندفع من على الجرف إلى البحر، ومات في المياه” (متى 8: 32)، ودخلت في الخنازير.

قد رأينا السيد المسيح ينتصر على الشيطان في ثلاثة مواقع. فقد إنتصر عليه في البرية حينما جاء ليجربه، وفي مياه نهر الأردن إذ أعطانا البنؤة والسلطان أن ندوس كل قوات العدو بالولادة من الماء والروح في مياه المعمودية المقدسة (يو 3: 5)، وها هو الان يلتقي بساكنا القبور ليخلصهما من الروح النجس ويردهما إلى بيتهما.

ربما يتساءل البعض: لماذا سمح الله للشياطين أن تدخل في قطيع الخنازير؟ ما ذنب هذه الخليقة؟ وما ذنب أصحابها؟

لقد إعتبرت الشياطين أن طردهم من الإنسان عذاباً لهم، بعد أن وجدوا راحتهم في عذاب الإنسان.

لعل الشياطين أدركت أن السيد لن يسمح لها بدخول إنسان آخر، فقد جاء لخلاص بني البشر (يوحنا 3: 16، 17)، ولا طلبت منه الدخول في حيوانات طاهرة يمكن أن تستخدم كتقدمة في الهيكل، فإستأذنت أن تدخل الخنازير النجسة (لاويين 11 : 7، 8 ، تث 14 : 8 ).

ويقول القديس أمبروسيوس في هذا الصددعلى طلب الشياطين بقوله: "بدأت الشياطين تتضرع إليه ليأمرها حتي تدخل في قطيع الخنازير... لأنها لم تستطع إحتمال بهاء شعاع النور الإلهي. وكما أن مرضى العيون لا يستطيعون إحتمال التطلع في ضوء الشمس، مفضلين الظلام وهاربين من النور. هكذا تهرب الشياطين مرتعبة قبل حلول الوقت، حيث ينتظرها العذاب".

هناك أيها الأحباء من يتصور أن الشيطان أو أي قوة شيطانية لها سلطان عليه (كالأعمال والسحر والحسد). ومن هذه القصة نفهم عكس هذا. فلا سلطان مطلق للشيطان. بل المسيح له سلطان عليه. وإن كان دخول الخنازير إحتاج لسماح من المسيح فهل يكون للشيطان سلطان على الإنسان الذي فداه المسيح وسكن فيه الروح القدس.

المسيح المصلوب من أجلنا أتى اليكم. فلتتركوا كل شيء ولنستقبله، لا تقولوا له اذهب الآن ونحن غير مستعدون. في كل لحظةٍ نلتقي بيسوع نحن مستعدون لكي يكون لنا الأب والسيد والحاكم على أنفسنا. لأنّ الإيمان الحي يعني ارتباطاً بيسوع وتعهداً معه إلى الأبد. فهل تؤمن بابن الله؟ فعندئذ تطرد قواه المقدّسة يأسك، وتكسب نفسك قدرة سماويّة. لأنْ ليس إيماننا عقيدة يابسة، ولا حججاً منطقيّة مِن الكتب، بل التصاق بالربّ القائم من بين الأموات.

لكي نسير بما يرضي الله، لا بما يرضي أنفسنا. لذلك وجب علينا أن لا نعمل كما عمل أهل الجرجسيين برفضهم ليسوع.

فلتكن قلوبنا دائماً وأبداً مستعدةً لاستقبال يسوع ليُقيم فيها حسب ما يشاء، وما علينا نحن إلا أن نكون فرحين لأن أعمالنا ستكون مقيدة بالشيء الصالح الذي أتى يسوع به إلينا. وهذا يحتاج منا إلى صلاةٍ دائمة. آمين