موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
الاراضي المقدسة
نشر الجمعة، ١٢ يونيو / حزيران ٢٠١٥
الأحد الثاني بعد العنصرة

الأب بطرس ميشيل جنحو - الأردن :

أولاً: التأمل الإنجيلي

فصل شريف من بشارة القديس متى (4: 18- 23)

في ذلك الزمان فيما كان يسوع ماشيًا على شاطىء بحرِ الجليل رأى أخوَين وهما سمعانُ المدعوُّ بطرسُ وأندراوسُ أخوهُ يُلقيانِ شبكةً في البحر (لانَّهما كِانا صيَّادين) * فقال لهما هلمّ وراءي فاجعلكما صيَّادَي الناس * فللوقت تركا الشباكَ وتبعاهُ * وجاز من هناك فرأى أخوين آخرين وهما يعقوبُ بنُ زبَدَى ويوحنَّا اخوهُ في سفينةٍ معَ ابيهما زبَدَى يُصلحِان شباكَهما فدعاهما * وللوقتِ تركا السفيَنةَ واباهُما وتبعاهُ * وكانَ يسوع يطوف الجليلَ كلَّهُ يعلّم في مجامعهم ويكرزُ ببشارةِ الملكوتِ ويَشفي كل َّ مرض وكل ضُعفٍ في الشعب.

أيها الأحباء، في هذا المقطع الإنجيلي من بشارة القديس متى يبدء السيد بأختيار تلاميذه. وها نحن اليوم عندما نذكر دعوة يسوع لهؤلاء التلاميذ الذين تركوا كل شيء وتبعوه. لنتأمل في هذا ونترك كل شيء، بحريّة، لنتبعه مباشرةً. لنتخيّل المشهد على شاطئ البحيرة حيث يرى يسوع لمرتين متتاليتين، أخوين، صيّادين، يُصلحان شباكهما. فنظر إليهما وقال لهما: "اتبعاني!".

بعد فترة قصيرة، على شاطئ البحيرة، وفي هذه المرّة كان يوحنا مع أخيه يعقوب، عندما مرَّ بهما يسوع، فنظر إليهما ودعاهما ليتبعاه. وفي الحين، كضربة صاعقة، تركا سفينتهما، وشباكهما، وزبَدى، أباهما، وكذلك فعل بطرس وأندراوس فقد تركا الشباك من ذلك الحين، وتبعوه دون أن يطرحوا أي سؤال وبدون أي تردد. وعلى الأغلب أنهم انبهروا جميعاً بشكل أحدث تغييراً جذرياً في مجرى حياتهم. لقد تركوا يسوع يستغويهم، كما حدث سابقاً مع النبي إرميا الذي قال: "قد استغويتني يا رب، فاستُغويت" (20: 7). أن يَستغوينا يسوع لنُقيم بقربه هو في قلب كل دعوة.

كيف يمكننا فهم ردّة الفعل هذه، البعيدة عن المنطق؟ ما الذي حدث؟ التفسير الوحيد هو أن هؤلاء الشباب: يوحنا، يعقوب، بطرس وأندراوس، جذبهم هذا الشخص الذي مرَّ بهم، ونظر إليهم، ثم دعاهم ليتبعوه. الدعوة ليست دائماً ثمر تمييز طويل، لكنها بالأحرى انجذاب مفاجئ، انبهار لا يمكن تفسيره. لقد وقعوا في الحب، فتغيّر تفكيرهم. لا يوجد أي تفسير آخر يجعلنا نفهم كيف يمكننا أن نترك كل شيء، في الحال، بدون أي تردد، بدون أن نطرح أسئلة، أو نضع أية شروط.

أحبائي، إنَّ يسوع المسيح كما كان يدعو في ذلك الزمان الرُّسل كذلك فإنَّه يدعونا نحن الآن ويقول لنا: "تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم" (متَّى 11: 29)، ولكن للأسف فلا أحد منا يسمع نداءه الإلهي ويقبل راحته. ولكن لم الأمور تجري هكذا؟ هل أنَّ كلمة الله قد ضعفت ولا تستطيع أن تُجذب قلب الإنسان؟ لا إنَّها لم تضعف، لأنَّ كلمة الله غير قابلة للتغير بل إنَّها مازالت على ما كانت عليه في أيَّام آدم ونوح وعلى عهد إبراهيم وموسى وعهد الأنبياء والرُّسل وستبقى كذلك إلى مدى الدهور.

المسيح لا يستخدم قوى سحرية لجذب الناس، بل أننا نعلم أنه قضى يوماً تقريباً في إقناع يوحنا وأندراوس بعد أن شهد المعمدان لهما بأن يسوع هو المسيا (يو 35:1-42). ويوحنا وأندراوس أقنعا أخويهما بطرس ويعقوب فأتيا للمسيح فأقنعهم أولًا. وبعد هذا دعاهم. فطريقة الله هي الإقناع وليس الإجبار. والمسيح اختار صيادين بسطاء ليحولهم إلى صيادين للناس، ولم يختار حكماء وفلاسفة، حتى تظهر قوته الإلهية العاملة فيهم (1كو 17:1-31).

لقد تركا مصدر رزقهم وأطاعا. لذلك كانوا رسلاً جبابرة. والسامرية تركت جرتها، وإبراهيم ترك أور. وماذا تركنا نحن؟. علينا ترك جميع الأهتمامات الدنيوية لأنه لا يوجد طريق الى الملكوت، إلا الطريق التي اعلنها لنا يسوع المسيح وهي طريق فريدة ووحيدة. والبلوغ إليها تحتاج إلى الجهاد والتوبة. فاذا كنتم تفكرون في الابدية، فكروا فهي اما سعادة ابدية أو جحيم أبدي وللوصول اليها لا يوجد سوى طريقين احدهما رحبة وسهلة والداخلون فيها كثيرون. والأخرى حرجة وصعبة والداخلون فيه قلة . فلا تخشوا ولا تخافوا السير مع يسوع اتبعوه الى حيث يمضي، انه معين قوي اسرعوا ولا تتأخروا. آمين

ثانياً: صوم الرسل

هو الصوم الذي يبدأ أسبوعاً بعد عيد العنصرة، أي يوم الإثنين الذي يلي أحد جميع القدّيسين، وينتهي يوم 29 حزيران عيد القدّيسين هامتَي الرسل بطرس وبولس. يشبه نظامُه صومَ الميلاد إذ يقوم على الانقطاع عن الزفرين، اللحم والبياض، ولكن يُسمح فيه بأكل السمك ما عدا يومَي الأربعاء والجمعة.

تعود أقدم شهادة على وجود صوم يلي عيد العنصرة بأسبوع إلى كتاب "أوامر الرسل القدّيسين"، المكتوب في القرن الرابع الميلاديّ، والذي يذكر: "لذلك بعد أن تعيّدوا العنصرة احتفلوا أسبوعًا آخر، وبعد ذلك صوموا (أسبوعًا) واحدًا، إنّه لحقّ أن تبتهجوا بهبة الله، وبعد هذه الفسحة أن تصوموا. فموسى وإيليّا صاما أربعين يومًا، ودانيال لمدّة ثلاثة أسابيع لم يأكل خبزًا مرغوبًا، ولم يدخل فاه لحم ولا خمر. والمغبوطة حنّة، وهي تطلب صاموئيل، قالت: لم أشرب خمرًا ولا مسكرًا، وأسكب نفسي أمام الربّ. كذلك أهل نينوى عندما صاموا لثلاثة أيّام وثلاث ليال تجنّبوا تنفيذ الغضب عليهم. أستير ومردخاي ويهوديت بصومهم أنقذوا من الكافرين هولوفرنيس وهمّان. وداود يقول: كلّت ركبتاي من الصوم. وأنتم صائمون إذًا قدّموا تضرّعاتكم أمام الله. نحثّكم على أن تصوموا كلّ يوم أربعاء وكلّ يوم جمعة، وكلّ ما توفّرونه قدّموه إلى المحتاجين".

يبدو أنّ هذا الصوم الذي لم يكن، في أوّل ظهوره، يتعدّى الأسبوع الواحد، انتشر وتوسّع، خلال القرن السادس، خصوصًا في الأوساط الرهبانيّة في أديرة سوريا وفلسطين، وفي الأديرة السريانيّة التي أَعطته تسمية "صوم الرسل".

أمّا بالنسبة إلى عامّة المؤمنين فكانت ممارسته موضوع جدل، وتطبيقها اختلف بشكل كبير. يشهد على ذلك، في القرن السابع، أنسطاسيوس رئيس دير سيناء وبطريرك أنطاكية لاحقًا، في كلامه على الأصوام الأربعينيّة الثلاثة، إذ يعتبر أنّ الشيطان، الكاره الخير والغشّاش، شوّه وصيّة الصوم المعطاة للجدّ الأوّل في الفردوس، وبالأكل من ثمرة الشجرة أخضعه وسلّمه للموت، وهو، أي الشيطان، لا زال يعمل على ثني المؤمنين عن الالتزام بالوصايا الإلهيّة المعطاة لخلاصنا. وفي هذا السياق يوبّخ القديس أنسطاسيوس السينائيّ بعض الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان، الذين يدّعون البلاغة والحكمة الكبيرة ويحبّون المظاهر، الذين كانوا يدعون، من دون خجل أو حياء، إلى الالتزام بالصوم الكبير فقط. يشير أيضًـا أنّ صوم الرسل كان يستمرّ حتّى عيد رقاد والدة الإله في الخامس عشر من شهر آب، إلاّ أنّ الآباء القدّيسين، وبسبب من قلّة الحماسة لدى الناس، حدّدوا أن ينتهي صوم الرسل في يوم عيد الرسولين بطرس وبولس، ثمّ يكون صوم ثان يبدأ في الأول من آب ويستمر حتى عيد رقاد العذراء مريم.

نلاحظ، في زماننا الحاضر، أنّ قسمًا كبيرًا من أبناء الكنيسة يحيون وكأنّ ممارسة الصوم لا تعنيهم. البعض يختار من الأصوام والصلوات والوصايا الإلهيّة ما يعجبه أو يناسب طريقة حياته، ويعتبر كلّ شيء آخر كانّه موضوع لغيره. يضع البعض أيضًـا نفسه معيارًا لما هو ضروريّ لعيش حياة مسيحيّة مستقيمة ولا يقيم وزنًا لتعليم الربّ نفسه المسكوب في التسليم الكنسيّ والمحفوظ في الكتاب المقدّس وصلوات الكنيسة وتعاليم الآباء.

لذلك، لا بدّ أولاً من التذكير بالأصوام التي تدعو الكنيسة كافّة أبنائها إلى التزامها وتلمّس البركات التي يسكبها الربّ عليهم من خلالها: الكبير (7 أسابيع قبل الفصح)، الميلاد (40 يومًا قبل الميلاد، أي من 15 تشرين الثاني إلى 25 كانون الأول)، الرسل (يبدأ بعد أسبوع من عيد العنصرة وينتهي يوم 29 حزيران)، السيّدة (من 1 إلى 15 آب)، يومَي الأربعاء والجمعة، يوم رفع الصليب المكرّم (14 أيلول) وعشية عيد الظهور الإلهي (5 كانون الثاني) ويوم قطع رأس القدّيس يوحنا المعمدان (29 آب)، بالإضافة إلى الصوم قبل القدّاس الإلهيّ.

لا بدّ أيضًـا من التذكير بأنّ الربّ نفسه صام مدّة أربعين نهارًا وأربعين ليلةً (متّى 4: 2)، وأظهر أنّ الصوم والصلاة وسيلتان ضروريّتان لمحاربة الشيطان (مرقس 9: 29). كما علّم أنّ تلاميذه ينبغي أن يصوموا بعد أن يُرفع عنهم (متى 9: 15). كما أنّ الرسل اتّبعوا مثال المعلّم وصاموا هم أيضًـا. كان صومهم إطارًا روحيًّا يتلمّسون فيه حضور الروح القدس وسط الجماعة المؤمنة، وكان أيضًـا يسبق أحداثًا تتعلّق بالبشارة الجديدة. "وبينما هم يخدمون الربّ ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. فصاموا حينئذٍ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيدي ثمّ أطلقوهما" (أعمال 13: 2-3). أوصى أيضًـا القدّيس بولس الكنائس بالصوم (1كورنثوس 7: 5)، ونعرف أنّه هو نفسه كان يصوم كثيرًا (2كورنثوس 11: 27).

الصوم فعل حيّ، لذلك كان من الطبيعيّ أن يتطوّر ويغتني بخبرة القدّيسين الذين عاشوه، وبعمل الروح القدس الفاعل فيهم، كما يوضح القدّيس يوحنّا الدمشقيّ حين يقول: "من يستطيع أن يؤهّلنا لنعبر الحياة بكاملها بصوم دائم؟... يكفي ما حدّده الروح (القدس)". وهكذا رافق الصومُ نشأةَ الكنيسة، وكان المسيحيّون الأوائل يمارسونه بكثرة. بعد ذلك، تبلور في الكنيسة هذا الكنز الروحيّ وعرف تنظيمات قانونيّة لكي يحافظ على أهدافه الأساسيّة، خصوصًـا بعد انتشار المسيحيّة بشكل واسع في القرن الرابع وبعده.

من يتردّد في التزام الصوم بفرح وشكر لا بدّ له أن يقرأ ما قاله الرب على لسان إشعياء النبي: "أليس هذا صوما أَختارُه: حل قيود الشر، فك عقد النير وإطلاق المسحوقين أحرارا وقطع كل نير؟ اليس ان تكسر للجائع خبزك وان تُدخل المساكين التائهين الى بيتك؟ واذا رأيت عريانا أن تكسوه؟ وأن لا تتغاضى عن لحمك؟ حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك، وتنبت صحتك سريعا، ويسير برك أمامك، ومجد الرب يجمع ساقتك. حينئذ تدعو فيجيب الرب، تستغيث فيقول ها أنذا. إن نزعت من وسطك النير والايماء بالاصبع وكلام الاثم، وأنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة، يشرق في الظلمة نورك، ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر، ويقودك الرب على الدوام، ويُشبع في الجدوب نفسك وينشط عظامك، فتصير كجنة ريا وكنبع مياه لا تنقطع مياهه، ومنك تبنى الخرب القديمة. تقيم اساسات دور فدور، فيسمّونك مرمّم الثغرة، مرجع المسالك للسكنى" (إشعياء 58: 6-12).

ثالثاً: الطروبارية والقنداق المختصين بالأحد الثاني بعد العنصرة

طروبارية القيامة باللحن الأول
إن الحجَرَ لما خُتِمَ منَ اليهود، وجسدَكَ الطاهرَ حُفِظَ منَ الجند. قمتَ في اليومِ الثالثِ أيها المخلص مانحاً العالمَ الحياة. لذلك قواتُ السماوات هتفوا إليكَ يا واهِبَ الحياة. ألمجدُ لقيامتِكَ أيها المسيح ، ألمجدُ لمُلكِكَ، ألمجدُ لتَدبيرِكَ يا مُحِبَّ البشرِ وحدَك.

القنداق
يا شفيعة المسيحيين غير الخازية، الوسيطة لدى الخالق غير المردودة، لا تعرضي عن أصوات طلباتنا نحن الخطأة، بل تداركينا بالمعونة بما أنك صالحة، نحن الصارخين إليك بإيمان، بادري الى الشفاعة، وأسرعي في الطلبة، يا والدة الإله المتشفعة دائماً بمكرميك.