موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ٧ فبراير / شباط ٢٠١٨
الأب يوسف مونس يكتب: مارون وسر الموارنة الحاضر الغائب

الأب يوسف مونس :

على التلة هناك في القورشية على بعد 70 كيلومتراً من حلب نسك مارون، لحافه السماء، فراشه الوعر والعراء غطاؤه البرد والثلج والريح والصقيع والشتاء والصلاة له غذاء عشب الحقل وندى السماء ماء. الزهد التقشف الفقر الصمت، العري من كل شيء الا من رب السماء الوحيد المطلق الكلي البقاء ساحر القلب ودرب العشق إليه النداء.

الحاضر الغائب وله عشق يحرق القلب وبدونه لا يطيب البقاء.

الآلهة تسكن الجبال والصحراء

انطونيوس ترك البيت والاهل والاخت الصغيرة وصعد الى الصحراء وعاش في الصمت والصلاة لا موعد له ولا لقاء الا مع غراب يأتيه كما ايليا بكسرة خبز تساعد على البقاء.

هكذا شربل صعد إلى جبل عنايا وقبالته البهاء، بهاء جبال ​لبنان​ المغمورة بالغيم والثلج والضباب والجبال وكأنها تشير إلى انها امام حضور الهي لأن الالهة تسكن الجبال العظيمة دلالة على عظمتها وقوتها وجبروتها. هو الجمال الالهي ساحر القلب والعقل.

الصحراء جبال والجبال صحراء

في أحد مزاميرنا وصلواتنا الجميلة: "رفعت عيني إلى الجبال من جيث يأتي عوني معونتي باسم الرب صانع السماء والارض".

الصحراء كانت برية جبال انطونيوس وجبال قورش كانت صحراء، وبرية مارون وجبال عنايا الجميلة المطلة على وادي ادونيس الرائع كانت الصحراء الخالية لشربل. الثلاثة عاشوا وحدهم مع الوحيد المطلق الأزلي. هو الجمال الالهي ساحر القلب والعقل.

إفراغ الذات من الذات La Kenose

الثلاثة عاشوا لعري الذات ولكينونتها حرة مع الله. أخلوا ذاتهم من قيود ذاتهم وشهوات اجسادهم وامجاد العالم ليعيشوا حريتهم الكيانية الوجودية الشخصية الانسانية الكاملة كما كتب عنهم كمال الصليبي.

"من هنا الاختبار الكبير للحرية قدر للموارنة ان يبنوا وطن الحرية لهم ولسواهم في معية تضج بكرامة الشخص البشري".

هذا التطهير الكياني la catharsis هو اساس الصعود من كهف الذات لملاقاة الله.

ومع وصول أربعة إلى قصة الموت والحياة مع ميتة طائر الفنيق أو ميتى أدونيس le MYTHE.

الثيولوجيا تلاقي الانتربولوجيا والجغرافية

هنا تلاقت الثيولوجيا بالانتربولوجيا والجغرافية وكان تناغم رائع بين الانسان في تجسدات الهية وانسانية وفكرية وحضارية وفنية ومجتمعات متنوعة متعددة بمكونات شخصيتها الثيولوجية والانتربولوجية بارتباطها بالمكان والزمان والجغرافية والبيئة والانسان بين انهار وجبال وسهل وبحر ووقع فصول اربعة تحكي قصة الموت والحياة مع ميتة طائر الفينيق أو ميتة أدونيس le mythe.

تجذر دون انغلاق وانفتاح دون انفلاش

الشخصية والهوية المارونية تجذرت هنا دون انغلاق وانفتحت وقبلت وتكاملت وتثاقفت وتفاعلت مع غيرها من المجتمعات دون انفلاش أو ذوبان او فقدان هوية وخسران شخصيتها الذاتية المميزة وعاشت مع الموحدين الدروز في العقل والعرفان. ومع الشيعة في الفاجعة الكربلائية. لكنهم أكملوا مسيرتهم إلى الفرح والقيامة. وتلاقحوا مع السنة في الرحمة الالهية والافتتان بوجه يسوع أو عيسى أو مريم المصطفاة كما جاء انجيل لوقا والقرآن.

وسحرهم جمال وبهاء الايكتوستاز البيزنطي الارثوذكسي وتقود إلى البساطة والزهد والتواضع كما يقول لا مارتين ولم يغرقوا في الدوكسا والمجد ينشدون اناشيد الوجع والاسى في طقوسهم وليتورجيتهم وزياحاتهم وصلواتهم الشعبية.

كما يقول شارل مالك في مقاله الرائع عنهم في مجلة الفصول وهو يدرك جيداً أن مار مارون قديس ​الكنيسة الأرثوذكسية​ وهي تعيد له في ​14 شباط​ وهو قديس الكنيسة جمعاء واقليم له تمثال جميل في ساحة روما. وله كنيسة على اسمه في مدينة موسكو في الكنيسة الروسية.

وتقاسموا مع ​الارمن​ فاجعة مذبحتهم وتركوا تراثهم وكنيستهم وارضهم وحضاراتهم وتراب اجدادهم وابائهم ​القدس​.

واخذهم القلق والخوف والشك والرعدة. مع البروتستانت وعاشوا على القلق الوجودي والايمان والسكون في كلمة الله وعهده ومواعيده وهم يرددون الموت ولا الخطية. هذا الخوف عبر عنه كيرغاد في كتابه خوف ورعدة.