موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر السبت، ٣ فبراير / شباط ٢٠١٨
الأب عماد الطوال يكتب: الثورة الفكرية والحداثة الكنسية

الأب عماد الطوال - الفحيص :

يرتكز عمل المؤسسات التربوية التابعة للكنيسة الكاثوليكية على إعلان كلمة الله أولاً والاهتمام بصقل ثقافة الطالب فكرياً وأخلاقياً واجتماعياً، حيث تعتبر هذه المؤسسات فضاء تربوي وتعليمي وأداة للحفاظ على الهوية المسيحية، وفي عالمنا المتغير بسرعة، علينا أن نكون دائماً على استعداد لاحتضان التحديات التي نواجهها ومواكبة الحداثة والتطور الفكري للتكيف مع العلمنة المعاصرة، وتزويد أبنائنا بالإرادة والمهارات اللازمة للانطلاق نحو آفاق جديدة ومستقبل واعد، لذلك كان التصميم على التحسين المستمر علي جميع المستويات هو جزء لا يتجزأ من رؤية ورسالة هذه المؤسسات، ولكن هل استطاعت كنيسة اليوم أن تضع لمساتها في عالمنا المعاصر؟ و أين هي مؤسساتنا الكنسية التربوية من الحداثة والتجدد؟.

في هذا الصدد قدم البابا فرنسيس يوم الاثنين وثيقة "فرح الحقيقة" وهو دستور رسولي جديد حول الجامعات والدراسات العليا دعا فيه إلى ثورة فكرية شجاعة، حيث أكد في هذا الدستور أن الحقيقة ليست فكرة مجردة، بل هو يسوع نفسه، كلمة الله الحية، والبحث عن الحقيقة ومعرفتها هو البحث لمعرفه الله بشكل أفضل، وهذا هو مصدر الفرح البشري.

نحن اليوم، لا نعيش في عالم من التغيرات فحسب، ولكننا نشهد تحولاً حقيقياً في العصر، حيث يذكرنا البابا بأن الأمور وصلت إلى نقطه الانهيار الآن بسبب سرعه التغير والتدهور، وأننا ثقافياً في زمن الأزمات الاجتماعية والمالية والبيئية، والمشكلة أننا ما زلنا نفتقر إلى الثقافة اللازمة لمواجهة هذه الأزمة، نحن نفتقر إلى القيادة القادرة على الخروج إلى مسارات جديدة.

وحيث أن جزء أساسي من مهمة الكنيسة يتمثل في المشاركة مع المجتمع الإنساني الأوسع وتنويره، كانت الحاجة إلى ثورة فكرية جريئة تشمل الجامعات الكنسية والكليات على ضوء إنجيل يسوع المسيح والتقاليد الحية للكنيسة، إضافة إلى الحاجة إلى الاعتراف بالسياق الاجتماعي الثقافي المتغير في جميع أنحاء العالم هي حاجة أساسية ومُلحة.

لقد أشار البابا فرانسيس في هذه الوثيقة إلى أربعة معايير أساسية لتجديد وإحياء مساهمة المؤسسات التربوية في رسالة الكنيسة:

أولاً، وهو المعيار الأكثر إلحاحاً المتعلق بالعودة إلى قلب الإنجيل وتشجيع المزيد من الانفتاح على الإنجيل من جانب الجميع، فالحاجة الأساسية اليوم هي أن يكون شعب الله بأكمله مستعداً للشروع في مرحله جديدة من التبشير المليء بالروح، بالعودة إلى جوهر الإعلان المسيحي، حيث تنشأ الأخوة العالمية القادرة على إيجاد الله في كل إنسان، على التسامح من خلال التشبث بمحبة الله، على الاهتمام بصرخة فقراء الأرض واللاجئين والمهجرين، على فتح القلب إلى الحب الإلهي والسعي إلى سعادة الآخرين تماماً كما الأب السماوي.

المعيار التوجيهي الثاني، يكمن في ترسيخ ثقافة الحوار واسع النطاق مع المؤمنين وغير المؤمنين، لا كمجرد نهج تكتيكي، وإنما كشرط جوهري لتعزيز ثقافة اللقاء في عالم متعدد الثقافات والديانات، لتجربة فرح الحقيقة في المجتمع وتقدير معناه وأثاره العملية على نحو أشمل، من هنا تأتي الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة المناهج الدراسية والأسلوب التربوي إضافةَ إلى تحديث وتكييف المحتوى التعليمي على مختلف المستويات التربوية والتعليمية.

المعيار الثالث الذي أشار إليه البابا هو النهج المشترك بين التخصصات، أي وحده المعرفة في مواجهه تعدديه غير مؤكده ومجزأة، وهذا يتطلب تجدد حكيم وشجاع في مؤسساتنا التربوية من خلال تقديم الحكمة والمعرفة التي تثري الروح القدس بطرق متعددة، في محاولة للتغلب على تجزئة المعرفة والمعرفة العلمية.

وأخيراً، فإن المعيار الأساسي الرابع يتعلق بالحاجة إلى إنشاء شبكة عالمية بين المؤسسات في سبيل إقامة قنوات تعاون مناسبة مع مؤسسات الأوساط الأكاديمية في مختلف البلدان، تسعى لتقديم مساهمه فعّالة على ضوء إنجيل يسوع المسيح والحفاظ على التقاليد الحية للكنيسة، ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يكون مثمراً إلا إذا تم بعقل منفتح، في الوقت نفسه، ينبغي إنشاء مراكز متخصصة للبحوث من أجل دراسة القضايا التي تمس البشرية اليوم، فالمؤسسات التربوية لا يمكن أن تقتصر على نقل المعرفة والكفاءة المهنية والخبرة إلى الرجال والنساء الذين يرغبون في النمو كمسيحيين، بل يجب أن تتولى المهمة المتعلقة بتطوير أدوات فكريه يمكن أن تخدم كنماذج للعمل والفكر في عالم يتسم بالتعددية الأخلاقية والدينية.

ولكن كيف يمكن لكنيسة الأرض المقدسة تطبيق وتفعيل حلم قداسة البابا على أرض الواقع؟ وكيف نخاطب الشباب اليوم؟ علينا أن ندرك الآن أننا بحاجة إلى ارتداد رعوي، إلى لغة جديدة، إلى تجديد جذري وشجاع في الخطاب الديني والتعليم المعاصر، نحن بحاجة إلى نقلة نوعية في آلية العمل الرعوي والتربوي.

نحن بأمس الحاجة حقاً إلى ثورة فكرية جريئة، لأننا ندرك أن المؤسسات التربوية الكاثوليكية تمثل أساساً هاماً في بناء شخصية الشباب، القادر على حمل رسالة المسيح إلى العالم أجمع، وفي إثراء المخزون الفكري السليم المستند إلى نور الإنجيل، لأن هؤلاء الشباب سيخرجون من مدارسنا وجامعاتنا نواة قوية يمكن الارتكاز عليها، وعلى استعداد لأن يكونوا تلاميذ المسيح في حياتهم، متسلحين بالإيمان القوي والحي عن طريق لقاءات شخصيه مع المسيح، فهذه المؤسسات هي الأماكن المثالية لمثل هذه اللقاءات، وهذا هو السبب الرئيسي في أن كل فرد ينتمي إلى هذه المؤسسات مدعو للمشاركة والمساهمة في مهمة الكنيسة، فلنغتنم الفرصة، فهذه أقوى أشكال الفعالية في حياة أولئك الذين عهدوا إلى رعايتنا.