موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر السبت، ١١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٧
الأب سالم ساكا يكتب: ’الراعي الصالح والخدمة الرعوية الناجحة‘

بغداد - الأب سالم ساكا :

<p dir="RTL">يعرض لنا الكتاب المقدّس في عهده القديم أمثلة نموذجيَّة للراعي الصالح والخدمة الرعويَّة الناجحة. فنرى خدمة الآباء: إبراهيم وإسحق ويعقوب، والقضاه والملوك والأنبياء والكهنة، وكيف كرَّسوا حياتهم من أجل إعلان كلمة الله بين الشعب اليهودي، ومحاولاتهم المستميتة في سبيل إصلاح الأوضاع الدينية والأخلاقية والاجتماعية في مجتمعاتهم؛ وفي عهده الجديد يُقدِّم لنا نموذج الخدمة الرعوية الصالحة من خلال ما كان يفعله الربّ يسوع، الذي سار في كلّ مكان يعمل الخير، وقال عن ذاته: &quot;أنا الراعي الصالح، والراعي الصالح يضحي بحياته في سبيل الخراف&quot; (يوحنا 10/11)، &quot;وأنا بينكم مثل الذي يخدم&quot; (لوقا 22/27). على جميع المستويات إذن، وفي كلّ الأعمال، نجد الربَّ يسوع هو القدوة الصالحة التي يجب أن يقتدي بها الراعي في الكنيسة (الأسقف، الكاهن): &quot;أنا أعطيتكم ما تقتدون به، فتعملوا ما عملته لكم&quot; (يوحنا 13/15).</p><p dir="RTL"><strong>الراعي الكنسي على مثال يسوع الراعي</strong></p><p dir="RTL">في سرّ الكهنوت يضحي الراعي في الكنيسة شبيهاً بيسوع المسيح بصفته رأس الكنيسة وراعيها، ويتلقى موهبة تُشركه في السلطة التي بها يرعى يسوع المسيح الكنيسة بروحه، وتصبح حياته الروحيَّة موسومة ومجسَّمة وممهورة بالأحوال والأفعال التي يتميّز بها المسيح رأس الكنيسة وراعيها، والتي تتلخَّص بالمحبَّة الرعويَّة. من خلال الفقرات الآتية نتعرّف على طريقة خدمة الربّ يسوع الرعويَّة لتكونَ لرعاة الكنيسة (الاساقفة، الكهنة) قدوة ومثالاً:</p><p dir="RTL"><strong>1- يسوع يُحبّ</strong></p><p dir="RTL">كانت محبة يسوع لجميع الناس، بلا تفرقة أو تمييز أو تعصّب. وكان له محبَّة خاصّة للخطأة والضّالين. تتطلَّب الخدمة الرعوية إذاً حياة محبَّة خالصة، يحبّ بها الراعي الكنسي، الله والكنيسة والبشر والكون، مثلما أحبَّهم الربّ يسوع. فالراعي الكنسي هو &quot;الأخ الشامل&quot;، الذي يحمل في ذاته روح الكنيسة وإنفتاحها وإهتمامها بالشعوب والبشر جميعاً، وبخاصّة الصغار منهم والمعوزّين. بذلك يتخطّى الحدود والانقسامات العرقية والطقسيَّة والإيديولوجية: إنَّه، في العالم، آية لحبِّ الله، الحبّ الذي لا ينبذ أحداً ولا يحابي أحداً.</p><p dir="RTL"><strong>2- يسوع يُصلّي</strong></p><p dir="RTL">كان للصلاة موقع الصدارة في حياة الربّ يسوع، وتخبرنا الأناجيل المقدّسة عن الأساليب والأسباب والأوقات والأماكن الخاصّة بصلاته. وإرتبطت الصلاة بأعمال الربّ يسوع الأساسيَّة، فقد صلّى وهو يعتمد في نهر الأردن، وصلى قبل اختيار التلاميذ الاثني عشر، وصلى أثناء التجلّي، وصلّى عندما شفى الأصم الأبكم، وعندما أقام أليعازر من بين الأموات&hellip; كما علَّم الربُّ يسوع تلاميذه: كيف يُصلّون؟، وماذا يُصلّون؟ &quot;وكلَّمهم على وجوب المداومة على الصلاة من غير ملل (لوقا 18/1)، وأوصاهم قائلاً: &quot;اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في التجربة&quot; (لوقا 22/40).</p><p dir="RTL">إنَّ حياة الصلاة هي أساس الخدمة الرعويَّة، لذلك يجب أن يكون الراعي الكنسي رجل صلاة وتأمّل، إقتداءً بالمسيح، كما يجب أنْ تصاحبَ الصلاة أعمال خدمته ورسالته دائماً، لأنَّ بواسطة الصلاة ينال كلّ ما يحتاجه من نعم وبركة وعون، ويستطيع تأدية كلّ واجبات خدمته بطريقة جيدة، وتثمر أعمال رسالته بالثمار الروحيَّة الوافرة.</p><p dir="RTL"><strong>3- يسوع يعرف</strong></p><p dir="RTL">كان يعرف يسوع أسماء كلّ أتباعه &quot;يدعو كلّ واحد من خرافه باسمه&quot; (يوحنا 10/3). إنَّ معرفة إنسان ما، تعني الدخول في علاقة شخصيَّة معه. واستخدم الربّ يسوع المعرفة الشخصيَّة في رسالته وخدمته، مُشجِّعاً وداعياً إلى الإيمان والثقة كلّ مَن قابلهم وتحدث معهم (نثنائيل، زكا، نيقوديموس، المرأة السامرية).</p><p dir="RTL">على الراعي الكنسي أنْ يكونَ على معرفة تامَّة بأحوال وظروف مَنْ أُرسل إليهم، وأنْ يكونَ على درايةٍ كاملة بمشاكلهم ومتاعبهم، لكي يكون قادراً على خدمتهم ومنفعتهم روحياً وزمنياً، ويستطيع أنْ يقودَهم في طريق الخير والسلام.</p><p dir="RTL">إنَّ معرفة الراعي مَنْ يخدمهم، ومَنْ يقوم بالرسالة في وسطهم، ومعرفة ظروفهم ومشاكلهم واحتياجاتهم، تُشكّل عنصراً أساسياً لنجاح خدمته الرعوية. هذه المعرفة تثمر عن علاقة حميمة، وصداقة عميقة، وثقة متبادلة، بين الرعاة والخدام وأبناء رعاياهم.</p><p dir="RTL"><strong>4- يسوع يُعلّم</strong></p><p dir="RTL">كان لإعلان الخبر السار وتعليم الجموع، الأهميّة القصوى في خدمة يسوع الرعويَّة. نذكر: عظاته الفريدة، وأحاديثه العديدة، وخطاباته الكثيرة، وأمثاله المتنوّعة. كان يسوع يُعلِّم جميع فئات الشعب، في كلِّ مكان، وفي كلِّ وقت، تحت كلّ الظروف. هو &quot;المُعلّم&quot;.</p><p dir="RTL">إنَّ الرعاة في الكنيسة إختارهم الله برحمته، بالرغم من ضعفِ كفاءتهم، لكي يذيعوا بسلطان &quot;كلمة الله&quot; وليجمعوا شعبه المُتشتِّت ويغذّوه بأسرار الكنيسة، وليضعوه على طريق الخلاص، ولينعشوا هذا الشعب متآلفاً حول المسيح. فعلى مثال الربّ يسوع، ترتكز الخدمة الرعوية الناجحة على تربية وتكوين وتعليم المؤمنين كلّ ما يخصّ حقائق الدين المسيحي. هذا التعليم لا يجب أنْ يقتصرَ على فئة الصغار والأحداث، بل يُعمَّم على جميع المؤمنين، ويكون متواصلاً ومُتجدِّداً وعميقاً.</p><p dir="RTL"><strong>5- يسوع يعمل </strong></p><p dir="RTL">كان يسوع يعمل بكلِّ جدٍّ وإخلاص. وأعلن لتلاميذه قائلاً: &quot;علينا، مادام النهار أنْ نعملَ أعمال الذي أرسلني&quot; (يوحنا 9/4). كانت أعماله في جوهرها أعمال تُمجِّد الله، فلم تكن أعمال تكبُّر أو غرور، بل أعمال رحمة ورأفة، وكانت أعمال محبّة لا أعمال بغض، وأفعال عطف لا أفعال سيطرة، وأعمال خلاص لا أعمال بطش. لقد أضفى المسيح على كلِّ أعماله أبعاد الرحمة والمحبَّة، وكانت كلّ أفعاله وأقواله ومعجزاته تعبيراً عن رحمته ومحبّته للبشر. وكانت غايته هي خدمة البشر وخلاصهم، وقد دعانا لكي نقتدي به، ونعمل ما عمله: &quot;وأنا أعطيتكم ما تقتدون به، فتعملوا ما عملته لكم&quot; (يوحنا 13/15).</p><p dir="RTL">في أثناء تأدية عمله ورسالته، تعرَّض المسيح للجوع والعطش، والتعب، والحاجة إلى النوم، والرفض، والافتراء، والحزن، والمتاعب والمضايقات الكثيرة، ولكنَّه تَحمَّل كلَّ هذه الأوجاع والآلام، واستمرَّ يعمل نهاراً وليلاً، بدون كلل أو ملل.</p><p dir="RTL">الراعي الكنسي، على مثال المسيح، يجب عليه أنْ يواصلَ خدمات المحبَّة وأعمال الخلاص، ويرعى شعب الله ويقوده إلى القداسة والسلام.&nbsp; هذا يعني، إنَّ الخدمة الرعوية لا يجبْ أنْ تكونَ مُجرَّد عظات لاهوتية، أو أقوال نظرية، أو تعليمات وتنبيهات شفهيَّة، ولكنَّها ترجمة عملية عميقة لوصيَّة المحبَّة، وحياة الإيمان، ودعوة لخدمة جميع البشر، ومعاونة كلّ المحتاجين، وخدمة المتألمين والمعوزين روحياً ومادياً وصحياً واجتماعياً، على مثال خدمة وعمل المسيح.</p><p dir="RTL"><strong>6- يسوع يُضحّي</strong></p><p dir="RTL">كانت حياة يسوع سلسلة من التّضحيات المتواصلة، فهو المُطيع لإرادة الآب، وهو المتألِّم الذي يحمل خطايا الآخرين. بحيث أثناء حياته على الأرض لم يعش يسوع لذاته، ولم يبحث عن الاستقرار، ولم يفتش عن الهدوء والراحة، لهذا لم يمتنع عن تلبية نداء أحد، وكان خادماً للجميع. إزاء الخير الذي كان يفعله، قاومه الكتبة والكهنة، الفريسيين والصدوقيين، الذين هيَّجوا عليه عامّة الشعب. وبالرغم من هذا التآمر، بذل المسيح ذاته وإرادته، وسلَّمهما بين يدي الآب تسليماً كاملاً.</p><p dir="RTL">إنَّ الأساقفة والكهنة، بوصفهم مُدبِّرين ورعاة لشعب الله، تدفعهم محبَّة الراعي الصالح إلى أن يبذلوا حياتهم من أجل خرافهم، مستعدّين حتى للتضحيَّة القصوى، مقتفين آثار الأساقفة والكهنة الكثيرين الذين في أيامنا هذه، لم يتردَّدوا في بذل حياتهم.</p><p dir="RTL">إنَّ بذل كلّ الجهد المستطاع، والسعي لتقديم كلّ تضحية ممكنة في أعمال الخدمة الرعوية، إقتداءً بالربِّ يسوع، يجعلنا نختبر سعادة حياة المحبة وفرح الشركة الأخوية ويقودنا لتحقيق ملكوت السماوات في واقعنا الأرضي، فنحيا في روح القداسة، وننمو في الإيمان، ونسلك حسب إرادة الأب السماوي، وتعاليم الإنجيل وتوجيهات الكنيسة.</p><p dir="RTL"><strong>خاتمة</strong></p><p dir="RTL">خدمة المسيح الرعويَّة هي النموذج الأسمى لكلِّ رسالة وعمل بالكنيسة، لأنَّها تأسَّست على الحبِّ والبذل والعطاء، وتضمَّنت كلّ مجالات الخدمة والرعاية، وفاضت بروح المحبَّة الكاملة، والصلاة الدائمة، والمعرفة العميقة، والدعوة السامية، والتعليم الحقيقي، والعمل الجاد، والتضحية الكاملة.</p><p dir="RTL">نطلب من الربّ يسوع، الراعي الصالح، أنْ يجعلنا رعاة صالحين مثله، وأنْ يسندَ ضعفنا ويقوّي عزيمتنا، وأنْ يرسلَ لكنيسته، حظيرة خرافه، فعلة ورعاة قدّيسين، يرعون قطيعه بكلِّ حبٍّ وإخلاص، ويبذلون حياتهم في إعلان ونشر كلمة الحياة، وتمجيد إسم الله، وتحقيق خير الكنيسة وخلاص النفوس.</p>