موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم
نشر الثلاثاء، ١٥ مايو / أيار ٢٠١٨
الأب بشير بدر يكتب من روما: الأسرة والتنمية الإنسانية المستدامة

روما - الأب بشير بدر :

<div><p dir="RTL"><span style="color:#b22222;">يسعدنا في يوم الاسرة العالمي ، ان نقدم الدراسة التي اعدها الاب بشير بدر ، حول الاسرة والتنمية الانسانية المستدامة ، وفيها يقدم ارشاده المبني على الوثاق الكنسية والاممية ، من أجل ان تبقى الاسرة - او العائلة - المنبع الدائم السليم للمجتمع السليم، مع التحية للاب بشير بدر الذي سينهي عمّا قريب&nbsp; دراسة الدكتوراة في روما ، متخصصا بلاهوت العائلة :</span></p><p dir="RTL">&nbsp;</p><p dir="RTL">يعود اليوم العالمي للأسرة (15 أيار) إلى قرار تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1993، ليكون مناسبة لزيادة الوعي بالقضايا الإجتماعية والشؤون الإقتصادية المتعلّقة بالأسرة. وفي العام 2015 تمّ تبنّي وثيقة من 17 هدفا أُطلق عليها خطة &quot;التنمية المستدامة&quot; وحملت عناوين كبيرة لمشاريع طموحة تسعى لتحقيقها في مدى الأعوام 2015-2030. اختصر هنا العناوين الـ17 للخطة: (لا فقر، صفر جوع، الصحة السليمة، نوعية التعليم، المساواة الجندرية، المياة النظيفة، الطاقة النظيفة، بيئة عمل كريمة، الصناعة والبنية التحتية، تقليص عدم المساواة، المدن البيئية، الإستهلاك المسؤول، العناية بالمناخ، الحياة البحرية، الحياة الأرضية، السلام والعدالة، وأخيرا الشراكة لتحقيق كل ذلك. نلاحظ إذا، أن اليوم العالمي للأسرة ليس فقط مناسبة للإحتفال بأهمية الأسرة في المجتمعات والثقافات، إنما إعتراف بدورها وعظم رسالتها وتأثيرها على كل مناحي الحياة.</p><p dir="RTL">ولكن، وبالرغم من كل تلك القضايا المهمة التي تؤرق البشرية ومع كل النيات الحسنة، نجد هناك تناقضا في ما يدعو إليه هذا اليوم وسياسات بعض الدول ومشرّعيها في سن قرارات تعارض في كثير من الأحيان خير الأسرة ووحدتها وتماسكها وسلامها وطمأنينتها وكرامتها وتحرمها قدرتها على &quot;الاستدامة&quot; في رسالتها. وهنالك أيضا رؤية منقوصة للقضايا والتحديات الحقيقية للأسرة في عالم اليوم. ففي الفصل الثاني من الإرشاد الرسوليّ &quot;فرح الحب&quot; يدعو البابا فرنسيس إلى إلقاء نظرة أعمق إلى واقع الأسر وتحدياتها في عالم اليوم، ويعدّد من بينها: التغيرات الثقافية والإنثروبولوجية، الانحطاط الثقافي والسلوكي، الفردانية، إضعاف الإيمان وتراجع الممارسة الدينية، تهجير العائلات، الإيديولوجيات التي تنفي الفوارق الجنسية الطبيعية (نظرية الجندر)؛ ثقافة المؤقت، وعقلية رفض الولادات، وتأثير أخلاقيات طب الحياة والإنجاب (البيوإتيك صارت تسمى اليوم بيوبوليتيك)؛ نقص في المنازل وفرص العمل، إنتشار المواد الإباحية وإساءة معاملة الأطفال واستغلالهم، الاهتمام بالأشخاص ذوي الإعاقة واحترام كبار السن، التفكك القانوني للأسرة والعنف ضد المرأة... إلخ. (أنظر الإرشاد الرسولي &quot;<em>فرح الحب</em>&quot;، الأعداد: 31-57).</p><p dir="RTL">&nbsp;</p><p dir="RTL"><span style="color:#b22222;"><strong><span style="background-color:#ffffff;">التنمية المستدامة ليست مادية فقط </span></strong></span></p><p dir="RTL">ما هي العلاقة بين العائلة والتنمية المستدامة؟ لاحظنا أن معظم أهداف التنمية المستدامة أعلاه هي محاولة لعلاج قضايا ومشاكل متصلة إنسانيا وقانونيا وأجتماعيا وماديا. وهذه الأوضاع الحالية ناتجة عن خلل في فهم الحياة الإنسانية وتشكّل خطرا على الحياة الإنسانية والطبيعية. في الإرشاد الرسولي &quot;كن مسبّحا&quot; يقول البابا فرنسيس بصراحة أن التقدّم العملي التقني لا يعني بالضرورة تنمية وخيرا للإنسان، بل في كثير من الأحيان، أصبح التقدم المادي تهديدا للحياة البشرية، لذلك يدعو إلى حماية البيئة الإنسانية (الفصل الرابع). فلا يمكن القبول اليوم أن يساهم التطور التقني في تطوير نوعية حياة الإنسان مادياً، بينما يشكّل تهديدا إجتماعيا وأدبيا وروحيا على الأسرة وعلاقاتها. ليست القضية في ماذا يمكن للتكنولوجيا أن تقدّم لنا من تنمية، بل القضية هي في أعراضها الجانبية الخطيرة وتاثيراتها السلبية على مختلف تفاصيل الحياة البشرية والعائلية. كذلك لا يمكن تسويغ قبول علاقة الأسرة والمجتمع إنطلاقا من مبادئ تربط قيمة الأسرة بقدر ما تقوم به من أعمال وأدوار ذات طبيعة إقتصادية ومردود مادي. إذ نلاحظ تناقضا حاصلا في الحياة العصرية، بأنه كلّما تمّ التركيز على أوضاع الفقر المادي في الأسر، نرى أنه يزداد ويستفحل في الواقع مخلّفا مزيدا من التحديات للأسرة. لذلك، لا يجب نسيان أو تجاهل أن العائلة &ndash; ببساطة كونها عائلة- هي خير عام للبشرية وتساهم في التنمية البشرية بطرق كثيرة وعميقة. &nbsp;</p><p dir="RTL">&nbsp;</p><p dir="RTL"><span style="color:#b22222;"><strong>الأسرة والخير العام</strong></span></p><p dir="RTL">هناك إختلاف في معنى الخير العام بين الناس. وفي الواقع هناك فوارق بين أنواع الخير. فهناك ما هو ظاهري ومؤقت، وهناك ما هو حقيقي ودائم. (أرسطو مثلا يتكلم عن ثلاثة أنواع من الخير: الخاص والمفيد والشريف). وفي مجتمعنا المعاصر حيث تسيطر النظريات الإقتصادية، يُفهم الخير العام على أنه أكبر قدر ممكن من الخير، لأكبر عدد ممكن من الأفراد. (وهنا خطر إختزال الخير بمجموع المصالح الفردية). ولكن الدستور الرعوي&quot; <em>الكنيسة في عالم اليوم</em>&quot; يعطينا تعريفا أوضح وأنسب مميّزا بين مفهومي الخير العام والمصلحة العامة من جهة، وهنالك ربط واضح بين الخير العام والخير الشخصي لكل إنسان. إذ يقول: &quot;الخير العام هو مجموعة أوضاع الحياة الإجتماعية التي تسمح للجماعات والإفراد أن يبلغوا كمالهم (أي المادي والأدبي والروحي) بوجه أتمَّ وأسهل&quot; (رقم 26). الإرشاد الرسولي &quot;<em>في وظائف العائلة المسيحية</em>&quot; للبابا يوحنا بولس الثاني، حدّد أربع مهام للعائلة تجعل منها المكان الأميز لخلق وعيش &quot;الخير العام&quot; ليس لكونها شكلا إجتماعيا للحياة، بل لما لها من ابعاد أنسانية وبنيوية لكونها: 1) شركة الأشخاص</p><p dir="RTL">2) &nbsp;في خدمة الحياة</p><p dir="RTL">3) لمشاركتها في تنمية المجتمع</p><p dir="RTL">4) لدورها في حياة الكنيسة ورسالتها. في عيشها لهذه المهام، تُظهر الأسرة قدرتها على تنمية مستدامة للإنسان وإثراء للمجتمع وخدمة للخير العام.</p><ol><li dir="RTL" value="NaN">الشركة والتواصل بين الأشخاص: إن تأسيس شركة الأشخاص هو في جوهر الحب الزوجي ووالوحدة العائلية. ولهذا السبب ترتبط المهام الأخرى ارتباطًا وثيقًا بها وتتدفق من شركة الحب هذه. علاقة الحب هذه هي العائلة التي تشكّل الخلية الأساسية للمجتمع الذي يقوم على علاقات متبادلة وليس على أفراد منعزلين أو مقطوعين. العائلة عي شركة أشخاص وليست مجموعة أفراد. &nbsp;فالإنسان، إذاً، هو شخص في علاقة حب دائمة - أم أو أب أو أخت أو أخ. يعيش الإنسان ويوجد في شبكة من علاقات المحبة التي تغني المجتمع وتحوّله وتؤنسنه. إن جميع العلاقات الأسرية والإجتماعية تنشأ من مؤسسة الزواج والعائلة، وهكذا تشترك العائلة في تنمية &quot;حضارة الحب&quot; المستدامة.</li><li dir="RTL" value="NaN">خدمة الحياة: إذا كانت العائلة هي شركة أشخاص، فإن العلاقة بين الزوج والزوجة هي بطبيعتها مانحة للحياة. الحب يعطي باستمرار حياة جديدة كما يقول توما الأكويني بأن من طبيعة&nbsp; الخير- الحب أن يفيض. الزوجان لهما مسؤولية خاصة لخدمة الحياة، لأنهما في الواقع، ينبوع حياة متجدد. وعليه فاستقرار العائلة وسلامة علاقاتها الداخلية هو خير عام عندما ينعكس على حياة الآخرين والمجتمع ضمن استدامة &quot;حضارة الحياة&quot;.</li><li dir="RTL" value="NaN">مشاركة العائلة في المجتمع ورسالتها في الكنيسة: &quot;<em>إن مستقبل البشرية والكنيسة يعتمد على الأسرة</em>&quot;! هذا تصريح عميق لبابا العائلة يوحنا بولس الثاني في الإرشاد الرسولي <em>في وظائف العائلة</em> (رقم 75). الأسرة، بكونها شركة أشخاص، مدعوة دائمًا للذهاب خارج ذاتها &ndash;ليس في إعطاء حياة لأبناء جدد فقط- بل هي بحكم طبيعتها تنخرط في العالم كخميرة غنية في الخير والمحبة والسلام. إن دعوة الأسرة للمشاركة في تنمية مستدامة للمجتمع ولحياة الكنيسة ورسالتها مرتبطتان ارتباطًا وثيقًا، لأن &nbsp;كلا المهمَّتين تتألقان من شركة الحب الأصيلة التي تحملها في داخلها. والكنيسة تدعو الأسر لكي لا تكون وحدات معزولة أو انعزالية، بل شركة حب تُعاش بأشكال مختلفة من قبل كل أسرة حيث تكون عامل تقديس لأعضائها ولمحيطها فيما يسمية البابا فرنسيس &quot;ثقافة اللقاء&quot;.</li></ol><p dir="RTL"><span style="color:#b22222;">وختاما، في رسالته القوية والعميقة &quot;ترقّي الشعوب&quot; عام 1967 نبّه البابا بولس السادس من إختزال فكرة التنمية في خطط الدول التي تنحصر في هموم النموّ الاقتصادي والمردود المادي بعيداً عن الإرتقاء الأخلاقي والتفتّح الروحي للإنسان. &quot;<em>فلكي يكون صحيحاً يجب أن يكون &ndash;الترقّي- كاملاً، أي أن يشمل كل إنسان، والإنسان كله</em>&quot; (رقم 14).وكذلك &quot;<em>فإن ما</em><em> يجب السعي إليه هو الأنسنة الكاملة. وهل يعني هذا إلا التنمية الكاملة للإنسان كله، والناس كلهم أجمعين</em>&quot;؟ (رقم 44).</span></p></div><p>&nbsp;</p>