موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
ثقافة
نشر الجمعة، ٢٦ مايو / أيار ٢٠١٧
الأب بشار فواضلة يكتب: #منتمي_بطريقة_مصلحة

بيت ساحور - الأب بشار فواضله :

هل فكّرت من قبل بكلمة انتماء؛ معناها وأبعادها في حياتك؟ هل واجهت نفسك بسؤال عن انتماءك وقيمته المضافة؟ أو عن احتمالية كونه انتماءً دخيلاً مؤقتًا يجتاحُ حياتك ليتماشى مع تيار المجتمع التقليدي؟ هل سمحتَ لنفسِكَ بأن تُعيد النظر بخصوصية هذه الكلمة وخاصةً في هذا الوقت من زمننا الكنسي والوطني؟ أطرح هذه العناوين لضرورة التطرق لها على الصعيدين الشخصي والمجتمعي!

كلمة الانتماء بحسب معجم اللغة العربية تأتي من النماء والنمو، وهي الانتساب إلى كيان ما يكون الفرد متِّحدًا معه، مندمجًا فيه، وله شرف الانتساب إليه ويشعُر من خلاله بالأمان.

فالانتماء لا يعني التعصّب! قد يعتني الإفتخار، من غير احتقار آخر له انتماء مختلف؛ وهو حاجة ضرورية من حاجات الفرد الإنسانية ويساعد على تماسُك الجماعة ويزيد من ثباتها واستقرار المجتمع، ما زالت الانتماءات المختلفة متعاونه تحترم بعضها بعضا.

أماكن التربية على الانتماء، هي الأسرة والمدرسة والجامعة والرعية والقرية أو المدينة. واليوم يوجد أماكن جديدة للتربية على الانتماء، أو لإضعافه وتبديله، وهي وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، وفيها منفعة كبيرة أو مضرة كبيرة بحسب استعمالها. تفيدنا إن أحسنَّا التعامل معها، وتؤثر سلبًا على انتمائنا الإنساني إن أسأنا استعمالها. ولها في الواقع سيطرة على الفرد، وبالتالي على المجتمع، ولو لم يكن الفرد واعيًا لها.

أتاني يومًا شابٌ في مقتبل العمر يسألُني أن يكون عضوًا فاعلاً في مجموعة الصلاة كنتُ فيها في الماضي. فقلتُ له نحن هنا للصلاة والخدمة، إن أردت وقبلتَ ذلك بعد قراءة مبدأ العضوية فلك ما تريد. طلب مني كتيب شرح عن المجموعة وذهب ليقرأهُ، وبعد بضعة أيام عاد إلي حامِلاً الكتيّب في يدهِ يعتذرُ عن المشاركة. فسألتُه: لماذا لا تريد أن تكون في المجموعة، فنحن نريدكَ معنا؟ أجابني: هذه مجوعة صلاة لا تفيدني شيئًا. وإنّما ما أطمح له هو المال والسفر... فأجبته: هذه ليست أولوية ولا من أهداف المجموعة والصلاة، ولكن إن تعلمت أن تصلي، وتعلمت أن تكون منتميا إلى إيمانك، فستعرف كيف تجد المال والسفر. كن ناجحا في حياتك مع الله، وسوف تنجح في مجالات الحياة.

علينا أولاً أن نتعلم ونتربّى على الإيمان الشخصي والانتماء، من جهة للحد من فرديتنا، ومن جهة أخرى، لنتعلم التعاون في صنع حياتنا. ومن ثمَّ يكون لدينا الوقت لكلّ ما نريد في الحياة.

وتذكرت حينها قصة الشاب الغني الذي سأل يسوع ماذا عليه أن يعمل لينال الحياة الأبدية؟ فقال له يسوع: اذهب وبعّ كلّ ما تملك وتعال فاتبعني! فذهب الشابُ حزينًا.

نعيش في بلدنا في مجتمعٍ تعملقت فيه المؤسسات الكثيرة، الأجنبية منها والمحلية التي تهدف إلى إلغاء فكرة الانتماء وتريد أن تستبدلها بكلمة المستفيد من، أو المستهلك لكل ما ينتج السوق... وهذه مؤسسات لها صلة بالعولمة الغازية التي أتت إلى مجتمعنا لكي تعمل على تشويه الصورة الحقيقية للوطن والعائلة والمجتمع، وأصبح هدفها المال وليس العيال، ونسيان القضية في الاستهلاك، بدلًا من تذكّرها والنمو من خلال آلامها، نحو الوعي والانتماء.

الانتماء إلى الوطن انتماء إلى كل إنسان فيه، وانتماء إلى كل قضاياه وهمومه. والانتماء إلى الدين انتماء إلى الله، ورؤية آفاق أوسع من رغبات أرضية ومادية. في الانتماء إخلاص للوطن ولكل الناس فيه. وفيه خلاص للذات، خلاص لأنفسنا، بتحقيق أنفسنا. وتحقيق أنفسنا يتم بالانتماء إلى الوطن، إلى كل من في الوطن، أي بحبهم. فالانتماء عطاء، وننتمي لأننا نحب، ومن ينتمي يضحّي من جهده ووقته وعمله ليعمل للوطن وللكنيسة أو المؤسسة أو البلد، وكل هذا أولا وآخرًا، هو مصلحته ومصلحة الجميع، وهو الخير العام.

قد يقول البعض إنَّ الانتماء هو قيدٌ علينا وعلى عملنا داخل المجتمع، وأنّه يزيد قيودًا إضافية على حياتنا اليومية، لأنه سَيَحُدْ من تواصلنا مع الجميع ومن الشهادة أمامهم. ولكن إن فهمنا ما هو الانتماء الحقيقي، سنجد بأنّه حرّية لا حدودَ لها، وبأنّه انقياد لعمل الروح القدس الذي يهُبُّ حيثُ يشاء، ويقوّي فينا عمل الله ويشدِّد ضُعفنا، ويمنحنا مواهبه الكثيرة كالحكمة والفهم والتقوى ومخافة الله... فهو ذاك الإله الذي يسكُنُ في داخلِنا، ومن الحسن أن نتذكر دائمًا كلمة الرسول أننا هياكل له "للروح القدس".

في الختام؛ ما نصبو ونتوق له، هو صحوة ضميرية حيّة، نستطيع من خلالها أن نُعيد المياهَ إلى مجاريها الصحيحة، إذ نعمل معًا من أجل الخير، ونعمل يدًا واحدة من أجل الجميع، ونعمل بتكاتف وتفانٍ بعضنا من أجل بعض، فتكون مسيرتُنا وحياتُنا دربَ جهود، وآلامٍ وأفراح، نهايتهُ خلاصنا وخلاص مشترك للجميع.