موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٢٠ يونيو / حزيران ٢٠١٩
الأب أبوكسم: الإعلام الديني ودوره في تعزيز الوحدة الإنسانية وحوار الأديان

الأب عبده أبوكسم :

تاليًا نص الكلمة التي ألقاها مدير المركز الكاثوليكي للإعلام في بيروت الأب عبده أبوكسم، خلال أعمال المؤتمر الدولي: "الإعلام ودوره في الدفاع عن الحقيقة"، والذي أقيم في العاصمة الأردنية عمّان من 18 وحتى 19 حزيران 2019:

مقدّمة

يشرّفني اليوم ان أشارك في هذا المؤتمر الإعلامي على مستوى الشرق الأوسط، الّذي يسعى إلى تعزيز ثقافة التواصل والحوار بين جميع أبناء المنطقة، عبر وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي. وسأحاول بمداخلتي هذه التي تتمحور حول دور الإعلام الديني في تعزيز الوحدة الإنسانية وحوار الأديان، أن أسهم ولو بقليل في الإضاءة على هذا الموضوع، من خلال التعريف:

1- أسس الحوار ومنطلقاته الإنسانيّة

2- وبضرورة الحوار الإسلامي المسيحي في ظلّ الظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي والإسلامي.

3- بدور الإعلام الديني في تعزيز الوحدة الإنسانية وحوار الديان بين المجتمع من خلال القيم والمبادىء الإنسانيّة والدينيّة الّتي تشكّل أرضيّة ترتكز عليها هذه الأديان.

النقطة الأولى: أُسس الحوار

إنّ أي حوار صادقٍ وجدّي، يجب أن يرتكز على القواعد التالية:

1- الإقرار بالحق في الاختلاف وقيام كلّ من طرفي الحوار بالاستماع إِلى وجهة نظر الآخر باحترام.

2- الحرص على عدم استعمال ألفاظ تجرح أو تهين أو تستهزئ بالأفكار المطروحة.

3- تقدير رأي الآخر وعدم الاستخفاف به.

4- تثبيت ما يتم التوصل إلى اتفاق حوله، وترك باب النقاش حول القضايا الخلافية مفتوحاً.

5- التربية على تقبّل النقد والرّد عليه بهدوء وقبوله إذا كان موضوعياً.

6- التمسك بالموقف دون استفزاز أصحاب الموقف الآخر.

7- ألا نكتفي بالإعلان عن قدراتنا على قبول الآخر نظرياً بل أن نسعى لفهمه والبحث عن القضايا المشتركة معه والعمل على تعميق وتوسيع هذا المشترك.

8- التدقيق في المعلومات التي نسمعها وعدم التسرّع في اتخاذ المواقف وإصدار الأحكام التي تؤدي إلى توترات ونزاعات.

9- مع التذكير إن ثقافة الحوار تقتضي العودة إلى الجذور الدينية والفلسفية في الإسلام والمسيحية، كما في الفكر الإنساني عموماً، وإلاّ ظلّ هذا الحوار سطحياً وفولكورياً كما هي الحال وللأسف في بعض اللقاءات الحوارية التي نشهدها من هنا وهناك.

النقطة الثانية: منطلقات الحوار الأساسية.

ممّا لا شك فيه إن الحوار بين الأديان يساهم في تقريب المفاهيم الدينيّة المسيحيّة منها والإسلاميّة التي تسعى إلى تقريب الإنسان من الله ومن أخيه الإنسان، ولعلّ منطلقات الحوار الديني الأَساسيّة تنبع من قناعة ذاتيّة تقضي باحترام الآخر في دينه وكيانه وعاداته وتقاليده ومجتمعه، احتراماً مطلقاً مشمولاً بإرادةٍ تسعى إلى اكتشاف الآخر بغية تبادل الآراء وتفعيل القيم التي ترتكز على الدين.

لهذا يمكننا تحديد المنطلقات وفق الآتي:

1- البدء بعمليّة حوار لا يقوم على التكاذب والاستعراض الإعلامي بل ينطلق من أرضيّة الواقع الذي يقوم على مبدأ التنوّع والتعدّد في الانتماء الفكري والديني والاجتماعي، وهذا التنّوع موجود في الكثير من المجتمعات، وبالتالي فهو مصدر غنى إذا ما اقترن بالحرّية التي تعني في آنٍ واحد إمكانية الانفتاح والاختلاف، ومما لا شكّ فيه إن احترام الحريّة يعني احترام الآخر، مهما كان موقعه أو رأيه شرط أن يتمّ ذلك في إطار الوحدة الوطنيّة الجامعة والانتماء التاريخي والحضاري الواحد الذي هو انتماء إلى محيطنا العربي دون أن نهمل الانفتاح على كل العالم.

2- الحوار في المجتمعات المتعددة الطوائف: الحوار الاسلامي المسيحي وتجربة العيش المشترك في لبنان

إن المجتمعات المتعددة الطوائف تتكوّن من جماعات لها خصوصياتها وبالتالي لها كياناتها المجتمعية المعترف بها، والخصوصيّة قد تكون قوميّة أو إثنيّة أو عرقيّة أو دينيّة وقد تشمل أكثر من عنصر من هذه العناصر. ومما لا شكّ فيه إن العيش المشترك هو القضية المحورية في هذه المجتمعات لأن عليه يتوقّف السلم والاستقرار والازدهار ولا يتحقق هذا العيش ما لم يأتِ نتيجة اقتناع لدى الجماعات ومعظم أفراد الشعب بضرورة تحققه فالتوافق المبني على الاقتناع المشترك يقود إلى استقرار المجتمعات التعدديّة وتحصين وحدتها، في حين، أنّ التخلي عن التوافق وممارسة القمع يؤدي إلى اضطراب العلاقات بين الجماعات وإلى عدم الاستقرار، وهذا الأمر يهدّد المجتمع التعدّدي بالتفكّك.

من جهة ثانية، إن التوافق كضمانة للعيش المشترك لا بدّ له من أن يتجسّد في نظام سياسي تدار في إطاره شؤون المجتمع، ويضمن تعزيز وتحقيق مصالح الأفراد والجماعات، وهذا الأمر يتطلّب مستوىً عالياً من الدراية والحنكة والانفتاح والترفّع عن المصالح الخاصة والضيّقة، كما يتطلّب التحرر من العصبيات الموروثة، هذا على مستوى السلطة.

أمّا على صعيد الشعب فطبيعة العلاقات بين أبناء الطوائف تلعب دوراً أساسياً في تحديد مصير المجتمع التعدّدي، فالتفاهم والاحترام المتبادل، والتصميم على بناء الحاضر والمستقبل المشتركين وتوطيد المجتمع التعدّدي وتعزيز وجوده، ينطلق من ضمن القيم الديمقراطية التي تقوم على التنّوع والتعدّد والحق في الاختلاف.

ثالثًا- دور الإعلام الديني في تعزيز الوحدة الإنسانيّة وحوار لأديان.

شكّل الإعلام الدّيني جزءً لا يتجزّأ من الإعلام بمفهومه العام، فهو بالإضافة على كونه وسيلة تنقل من خلالها و بواسطتها المعلومات، فتقرّب المسافات بين النّاس و تساهم في تنوير الرّأي العام، فإنّ الإعلام في المفهوم المسيحي هو عطيّة مجّانيّة من اللّه لبث روحه و للتعبير بواسطته عن حقيقة البشرى السّارة، لهذا فإنّ الكنيسة تحرص على أن تستعمل وسائل الإعلام بطريقة واعية و هادفة لتمنع كل إستغلال من شانه أن يسيء إلى الضمائر و يمتهن الكرامة الإنسانيّة و الضعف البشري، و بالمقابل فهي، أي الكنيسة، تسعى من خلال وسائل التواصل الإجتماعي إلى تعزيز الوحدة الإنسانيّة بين الشعوب، من خلال إبراز القيم الإنسانيّة و الإجتماعيّة الّتي تساهم في بناء المجتمعات، و نشر ثقافة السلام و الحوار في مواجهة ثقافة التطرّف و القتل و العنف المتسلّلة إلى العديد من المجتمعات المحليّة و العالميّة. إذن يكمن دور الإعلام الدّيني في نقل الحقيقة المجرّدة من أيّة مصالح خاصّة، كما يهدف هذا الإعلام إلى نشر مفاهيم و قيم الحقوق و الحريّات و الإعتدال و الوسطيّة في مواجهة الإرهاب و التطرّف و الغلوّ و الإستبعاد و الأقصاء و تظهير مشاهد العنف و القتل بغية ترهيب الرأي العام.

كيف يسهم الإعلام الدّيني في تعزيز الوحدة الإنسانيّة وحوار الأديان؟

إنّ موضوع الحوار بين الأديان من شأنه أن يعزّز الوحدة الإنسانيّة بين أبناء المجتمع الواحد، وبين شعوب المنطقة من منطلق الإتفاق على تعزيز قيم الإعتدال و التسامح و الوسطيّة، ونشر ثقافة السلام و المحبّة في مواجهة ثقافة العنف و التطرّف الدّيني، ولا بدّ في هذا المجال إلى التنويه بالوثيقة التاريخيّة الّتي وقّعها قداسة الحبر فرنسيس وشيخ الأزهر مؤخّراً في الإمارات العربيّة تحت عنوان “وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السلام العالمي والعيش المشترك”، في 4 شباط 2019.

وعليه إن الكنيسة تعتبر وسائل الإعلام خطرٌ وثروة في آن على المجتمع، ولا بدّ من تنشئة الثقافات والضمائر على استخدام وسائل الإعلام وبنوع خاص وسائل التواصل الإجتماعي بغية الإفادة منها كثروة للمجتمع تكون في خدمة الإنسان وبنيانه وتسعى إلى تعزيز كرامة الشخص البشري، وأن تكون هذه الوسائل أبواب حقيقة وإيمان في حياة العائلة والمجتمع، وأن تكون أيضاً في خدمة العدالة والسلام الحقيقي في ضوء سلام الأرض.

ومن هذا المنطلق، فإنّ الكنيسة تدعو القيّمين على وسائل الإعلام إلى نشر ثقافة المحبّة في مواجهة ثقافة القتل والعنف والتعصب وهي تصرّ على مواجهة الشرّ بالخير. وبهذا المعنى فهي تعتبر نفسها ملتزمة في نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطيّة وهذه القيم الإنسانيّة، هي من أبرز القيم التي تسهم في استدامة المجتمعات البشريّة وإزدهارها، أضف إليها في ما يخصّنا في لبنان إعلاء قيم العيش المشترك، ومواجهة المصير الواحد على مستوى الجغرافيا و الثقافة، بحيث يعمل الجميع لتحقيق الأهداف الإنسانيّة المشتركة في ظل تعددية تبني ولا تهدم.

تجدر الإشارة إلى أن نشر قيم التسامح ومكافحة التطرّف مهمة ليست حكراً على الكنيسة، إنما هي أيضاً مهمة المؤسسات الإجتماعيّة والتربويّة والثقافيّة بمختلف أنواعها، نبدأ من العائلة إلى المدارس والجامعات، إلاّ أن المسؤوليّة الكبرى في تحقيق هذه المهمة تقع على عاتق المؤسسات الإعلاميّة وشبكات التواصل الإجتماعي، والمواقع الإلكترونيّة، نظراً لقدرة الإعلام على الوصول من خلالها إلى ملايين الناس والتأثير فيهم وبشكل سريع.

ما هي السبل التي يجب أن تتبعها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي من أجل تحقيق هذه الأهداف؟

لكي تحقق وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي هذا الدور المهمّ، لا بدّ من استنادها لإستراتيجيّة شاملة وبعيدة المدى تحدّد من خلالها مجموعة أهداف تعمل جميع الأطراف الإعلاميّة والمجتمعيّة على تحقيقها بشكل مشترك ومتكامل، يأتي في مقدمتها بناء رأي عام مساند لقيم التسامح نظرياً وتطبيقياً على مستوى الأفراد والجماعات، وتعزيز التواصل والحوار بين الشعوب العربية والإسلاميّة والشعوب الأخرى من خلال التعريف بالجوانب السمحة للديانات والحضارات المتنوّعة والتي تتنافى مع ممارسات التعصّب والإرهاب والتطرّف.

من جهة ثانية يجب العمل على عدم إفساح المجال إعلامياً للخطاب الديني المتشدّد، وعدم نشره على وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي، وهذه المسؤولية تقع بالدرجة الأولى على المسؤولين عن هذه المؤسسات، وفي المقابل إفساح المجال للخطاب الديني المعتدل والمتسامح والوسطي.
رابعًا: المبادرات العمليّة لتحقيق حوار بنّاء بين أتباع الأديان والشعوب

بناءً على ما تقدم ومن أجل تعزيز الوحدة الإنسانية والحوار بين الشعوب على مختلف إنتماءاتهم الدينيّة من جهة، ومكافحة التطرّف الديني من جهة أخرى، ومن أجل نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية عبر وسائل الإعلام، أقترح العمل على المبادرات التالية:

أ– إطلاق قنوات ومؤسسات صحفيّة والكترونيّة على مساحة الشرق الأوسط والعالم متخصّصة في بناء ثقافة التسامح ومكافحة الفكر الإرهابي المتطرّف.

ب– إطلاق برامج تأهيل وتدريب إعلامي فكري للإعلاميين لتمكينهم من التفاعل الناجح مع قضايا الفكر المتطرف.

ت– إطلاق برامج استقطاب للصحافيين والمؤثرين العالميين للحضور إلى عالمنا العربي بغية الإطلاع على واقع التسامح والتعايش المشترك.

خاتمة

في الختام أختصر وأقول أن تعزيز الوحدة الإنسانية وحوار الأديان عبر عملية نشر قيم التسامح والإعتدال والوسطية، ليست عملية شعارات، إنما هي عملية لها أهداف ومحاور يجب أن تتبناها كل وسائل الإعلام، ومن أهم هذه الأهداف: الإعتراف بالآخر وقبوله والتعايش معه، تعزيز الحوار والتسامح الديني العمل على تجديد الخطاب الديني، نشر ثقافة الإعتدال ونبذ كل أشكال التعصّب والتطرّف. وأخيرًا ليس آخرًا الفهم الصحيح لرسالة الأديان.