موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الخميس، ٣٠ يونيو / حزيران ٢٠١٦
إن لطفك هو المكان الذي أشعر فيه بالأمان. استمر على طريق الرحمة

بقلم: أندريا تورنييلي ، ترجمة: منير بيوك :

"إنك تواصل في خدمة الكنيسة، ولا تتوقف أبداً عن الإسهام بقوة وحكمة حقيقيتين في نموها". هذا ما قاله البابا فرنسيس لسلفه، البابا بندكتس السادس عشر، بالذكرى الخامسة والستين لسيامة راتسينغر الكهنوتية في 29 حزيران 1951 في كاتدرائية فرايزينغ. سيم جوزيف راتسينغر كاهناً في نفس اليوم مع شقيقه الأكبر جورج. وعند إلقائه التحية على فرنسيس، قال بندكتس السادس عشر مرتجلاً: "آمل أن تستمر بالسير على طريق الرحمة هذه. إن لطفك هو المكان الذي أشعر فيه بالأمان".

كان الاحتفال الصغير يتسم بالوقار، تماماً كما أراد راتسينغر وأكده البابا فرنسيس بنفسه في حديثه مع الصحفيين على متن رحلة العودة من يريفان في 26 حزيران. إن هذا يلقي جانباً النظرية حول الحبرية البطرسية التي "يتشارك" بها البابوات بدلاً من أن يكون هناك بابا واحد فقط.

احتضن البابا فرنسيس بندكتس السادس عشر الذي كان يجلس أسفل المنصة، قبل، وكذلك بعد ألقاء كلمته. وفي تلك الأثناء رتلت جوقة كنيسة السيستين نشيد "في يوم احتفالنا بالعيد" (in insigni die solemnitatis vestrae).

وخاطب فرنسيس سلفه في كلمته قائلاً: "في إحدى أجمل الصفحات التي تخصصها للكهنوت، تسلط الضوء على دعوة سمعان حين نظر إليه يسوع وسأله أمراً واحداً ’أتحبّني؟‘ كم هو جميل وصحيح ذلك! لأنه هنا، وكما تقول، فإن الرب يؤسس عمل الراعي، وبهذه الكلمات بالذات 'أحبك'، لأنه إذا كنا نشعر بالحب نحو الرب، فبإمكانه حينها أن يقود الناس إلى المراعي من خلالنا: أيها الرب أنت تعلم كل شيء. أنت تعلم أنني أحبك".

وتابع: "هذه هي السمة التي تهيمن على كامل الحياة التي قضيتها في خدمة الكهنوت واللاهوت الحقيقي، والتي لم تشر إليها على أنها ’السعي لمن تحب‘ عن طريق الصدفة؛ وهذا هو ما كنت على الدوام شاهداً عليه: فالشيء الوحيد الذي يهم حقاً في حياتنا اليومية -سواء سيكون يوماً ماطراً أو مشرقاً- (مع هذا الشيء يأتي كل شيء) هو أن يكون الرب حاضراً حقاً، وأننا نريده، وأن نكون قريبين منه روحياً، ونحبه، ونؤمن به حقاً، وبعمق، وأننا نحبه فعلاً".

وأكد فرنسيس قائلاً: "هذه هي المحبة التي تملأ القلب حقاً، وهذا هو الإيمان الذي يدفعنا إلى السير على المياه واثقين ومطمئنين، حتى وسط العاصفة، تماماً كما حصل مع بطرس؛ وهذه المحبة وهذا الإيمان الذي يمكناننا من النظر نحو المستقبل، من دون خوف أو حنين إلى الماضي، وإنما بفرح، حتى في مراحل الحياة المتقدمة".

ثم استكمل البابا فرنسيس حديثه عن الظروف التي يعيشها بندكتس السادس عشر كبابا فخري، بعد أن تنازل عن منصبه لأسباب صحية. "من خلال عيش هذا الأمر الجوهري والشهادة له -بنظرة وقلب موجهين نحو الله- فإنكم يا صاحب القداسة، تواصلون خدمة الكنيسة، ولا تتوقفون عن الإسهام بقوة وحكمة حقيقيتين في نموها؛ إنكم تفعلون ذلك من دير ’أمنا الكنيسة‘ Mater Ecclesiae الصغير في الفاتيكان، وهذا يبرهن لأن تكون أي شيء، في واحدة من إحدى الزوايا المنسية حيث تميل ثقافة التخلي في عالم اليوم إلى طرح الناس عندما يفقدون قوتهم نظراً لكبر سنهم".

وأضاف البابا بصورة تلقائية: "بل على العكس من ذلك، وأرجو أن تسمح لخليفتك أن يؤكد ذلك حين اختار أن يطلق على نفسه فرنسيس. بدأت رحلة القديس فرنسيس في سان داميانو، إلا أن المكان الأكثر حباً له، والقلب النابض للرهبنة، والمكان الذي أسس رهبنته ومنه في النهاية سلم حياته لله، كان في بورزيونكولا، تلك ’القطعة الصغيرة من الأرض‘، والزاوية الصغيرة داخل أم الكنيسة؛ مع مريم، التي ستبقى مطوّبة لجميع الأجيال بسبب قوة إيمانها وحبها للرب بشكل كامل. وهكذا كانت الأمور، يا أخي العزيز، حيث أرادت العناية الإلهية منك الوصول إلى مكان "فرنسيسكاني" حقيقي ينضح بشعور من الهدوء، والسلام، والقوة، والثقة، والنضج، والإيمان، والإخلاص، والولاء التي تقدم لي عالماً من الخير، وتعطيني كما وللكنيسة جمعاء الكثير من القوة. كما اسمحوا لي أن أقول، بأن ينبع منه شعور صحي وبهيج".

واختتم فرنسيس خطابه بأمنية موجهة إلى سلفه وإلى الكنيسة جمعاء قائلاً: "صاحب القداسة، أرجو أن تستمر في الشعور بأن يد الله الرحيم تدعمك، وأن تشعر بأنك شاهد على محبة الله؛ أرجو أن تكون فرحاً مع بطرس وبولس، وأنت تسير نحو الوجهة النهائية للإيمان".

بعد خطاب البابا، تحدث رئيس مجمع عقيدة الإيمان، جيرهارد لودفيغ مولر، وعميد مجمع الكرادلة، الكاردينال انجلو سودانو. وقدم مولر إلى بندكتس السادس عشر كتاب بالألمانية وبالإيطالية بعنوان "تعليم وتعلّم محبة الله".

وفي نهاية الحفل، نهض بندكتس السادس عشر وخاطب الحضور بصورة عفوية وبكلمات واضحه قائلاً: "أيها الأب الأقدس، أيها الأخوة الزملاء، منذ خمس وستين عاماً، في نفس اليوم الذي تمت فيه رسامتي الكهنوتية تمت أيضاً رسامة شقيقي، أضاف كلمة واحدة إلى الصورة التذكارية، إلى جانب الاسم والتاريخ: "Eucaristomen"، لنقدّم الشكر! أشكركم. أشكر كل شخص منكم. أشكر الأب الأقدس على اللطف الذي أبديته نحوي منذ اليوم الأول لانتخابك، إن كل يوم من حياتكم يؤثّر بي. إن لطفك، الذي يتفوق على جمال حدائق الفاتيكان، هو بيتي والمكان الذي أشعر فيه بالأمان. أتمنى أن تستمر بالسير في طريق من الرحمة الإلهية".

وانتهى الاجتماع بعناق ثالث بين البابا والبابا الفخري. وبعد ذلك قدم الكرادلة الحضور التحية إلى البابا فرنسيس، ومن ثم إلى بندكتس السادس عشر، في حين رتلت الجوقة نشيد "كما يشتاق الأيل".