موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
العالم العربي
نشر الجمعة، ٥ ابريل / نيسان ٢٠١٩
إميل أمين يكتب: البابا والملك.. وبيان القدس

إميل أمين :

ألقت زيارة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية إلى المغرب في الأيام القليلة الماضية الضوء ومن جديد على المأساة التاريخية لمدينة القدس، زهرة المدائن، والتي تتعرض يوماً تلو الآخر، لامتهان من قبل القوى الفوقية، تلك التي لا تملك وتهب من لا يستحق، في تكرار مرير للأزمة الفلسطينية منذ بداياتها، وحتى الساعة.

ما الذي جرى ويستدعي هذا الحديث؟

بمناسبة زيارة الحبر الروماني الأعظم إلى المملكة المغربية، أصدر البابا فرنسيس والملك محمد السادس ملك المغرب بياناً حول القدس، أكدا فيه أهمية المحافظة على مدينة القدس الشريف، باعتبارها تراثاً مشتركاً للإنسانية، وبوصفها قبل كل شيء، أرضاً للقاء ورمزاً للتعايش السلمي بالنسبة لاتباع الديانات التوحيدية الثلاث، ومركزاً لقيم الاحترام المتبادل والحوار.

البابا الكاثوليكي والملك المغربي يقران بأنه ينبغي صيانة وتعزيز الطابع الخاص للقدس الشريف كمدينة متعددة الأديان، إضافة إلى بعدها الروحي وهويتها الفريدة.

ويأمل البيان المشترك أن تكفل داخل المدينة المقدسة حرية الولوج إلى الأماكن المقدسة، لفائدة أتباع الديانات التوحيدية الثلاث، مع ضمان حقهم في أداء شعائرهم الخاصة فيها، بما يجعل القدس الشريف تصدح بدعاء جميع المؤمنين إلى الله تعالى، خالق كل شيء من أجل مستقبل يعم فيه السلام والأخوة كل أرجاء المعمورة.

يستدعي البيان السابق طرح عدة تساؤلات حول أهميته من جهة، والتوقيت الصادر فيه من جهة ثانية، وربما الأهم استحقاقات مثل هذا البيان على الصعيد الدولي في هذه الأوقات تحديداً؟

بداية يمكن القطع بأن صدور هذا البيان يلفت الانتباه زمنياً إلى محاولات تغيير وضع القدس على الصعيد الأممي من خلال الدعم الأميركي لإسرائيل، والذي تمثل في اعترافه بالقدس المحتلة كعاصمة للدولة العبرية من جهة، ونقله سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس من ناحية أخرى، الأمر الذي يعني محاولة تغيير الوضع القائم فيها والذي توقفت عنده قوانين وقرارات الشرعية الدولية، إلى وضع قادم آخر أكثر تساوقاً مع الرؤية الإسرائيلية.

إسرائيل تسعى لتغيير هوية القدس، أولاً من الناحية الجغرافية، فهي ماضية قدماً في قضم مساحات من الأراضي العربية هناك يوماً تلو الآخر، وغالباً ما يحدث ذلك عبر مصادرات غير قانونية، وثانياً ديموغرافياً من خلال سحب الهويات المقدسية لتفريغها من أصحابها الأصليين.

ولعل الأخطر الذي تقوم به سلطات الاحتلال يتمثل في محاولة إلحاقها ضرراً بالغاً بالمقدسات الإسلامية والمسيحية على حد سواء، وهي مدفوعة في هذا السياق برؤى دوجمائية قاتلة، باتت معروفة من قبل القاصي والداني، تلك المتعلقة بهدم الأقصى تحديداً، ومن ثم بناء الهيكل الثالث في موقعه وموضعه.

أما شهوات قلبها تجاه المقدسات المسيحية فغير خافية على أحد، وقد أشار إليها عدد من الكتاب والمؤرخين العرب الذين عاصروا حرب الأيام الستة عام 1967، وما تعرضت له كنيسة القيامة خاصة، وبقية الكنائس التاريخية على أرض فلسطين، ولولا العوائد التي تجنيها إسرائيل من السياحة الدينية التي تأتيها من العالم برمته، لربما كان مصير تلك المقدسات المسيحية، مصير الأقصى نفسه.

لم يلتفت كثيرون حول العالم إلى بيان القدس الأخير على أهميته، فالملك محمد السادس، والمغرب بنوع خاص، له مسؤولية مباشرة وقديمة جهة القدس، ومعروف أنه قد تم تكليف الملك الراحل محمد الخامس بمتابعة ملف القدس الشرقية بعد الاحتلال الإسرائيلي لها، أما البابا فرنسيس والفاتيكان، وعلاقة الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بالقدس فهي قديمة جداً، ومثار أبحاث تاريخية، لكن من دون اختصار نذكر بأن الفاتيكان رافض للسيادة والهيمنة الإسرائيلية المنفردة على المدينة المقدسة، منذ زمن الحبر الأعظم بيوس العاشر الذي رفض دعوات «تيودور هيرتزل»، بإقامة دولة لليهود على الأراضي الفلسطينية، مروراً بالرسالة البابوية الشهيرة المعروفة باسم «ملتبليوس كوربس»، أي «بمزيد من القلق» والتي صدرت عام 1948 عن البابا بيوس الثاني عشر، والتي ترفض الانفراد الإسرائيلي بالمقدسات الخاصة بالأديان التوحيدية الثلاثة في داخل الأراضي الفلسطينية التاريخية، وصولاً إلى تصريحات البابا فرنسيس على الطائرة التي أقلته عائداً إلى روما، وفيها أشار إلى أن من يبنون الجدران يبقون أسرى لها، في إشارة لا تخطئها العين لأسوار وجدران إسرائيل التي تبنيها في مواجهة الشعب الفلسطيني، صاحب الأرض تاريخياً، أما الجسور فيرى فرنسيس أنها الأنفع والأرفع في كل الأوقات، لكن هناك من لهم آذان ولا يسمعون.

يجيئ بيان القدس في توقيت قيم وحساس، فعلى بعد أيام قلائل هناك الانتخابات الإسرائيلية، والتي ينتظر أن يلحق بها أحدث فصول تسويف القضية، ذاك المعروف حتى الساعة باسم «صفقة القرن»، وبرعاية أميركية لم يعد أحد يثق في نزاهتها أو حياديتها، لا سيما بعد الموقف الأميركي من الجولان، وقبله القدس.

عسى صرخة البابا والملك تنبهان النيام وسط الزحام في العالمين الإسلامي والمسيحي.

(الاتحاد الإماراتية)