<p dir="RTL">في شقته في الطابق الأول من مبنى حديث بقلب حي الأشرفية، &quot;الحي المسيحي&quot; في بيروت، ينتظر أنطوان قربان، الأستاذ في جامعة القديس يوسف، وهي مؤسسة يسوعية تاريخية في لبنان، وصول البابا فرنسيس إلى القاهرة، بين الأيقونات البيزنطية والتعليقات القرآنية.</p><p dir="RTL">&quot;من أجل استيعاب مغزى الحدث، لا بد من وضعه في سياقه الصحيح. ويتسم بالفعل السياق الذي ستجري فيه هذه الرحلة بالهجوم المزدوج على الكنائس القبطية ومؤمنيها. هل هو هجوم؟ لا، أود أن أقول أنه عمل من أعمال الحرب. ولكن عن أي حرب؟ إنها الحرب التي أعلنها الأصوليون على المعتدلين، جميع المعتدلين. ويتساءل المرء كيف يمكن أن تعلن الحرب على الإسلام المعتدل ويتبعها سفك دم المسيحي. فجوابي بسيط: لأنه عند افتتاح مؤتمر القاهرة الأخير حول المواطنة، قال إمام الأزهر إن الوقت قد حان لتحدي التعصب والتطرف اللذان يستخدمان الدين كقناع يختبئ بداخله صراع حضاري حقيقي، كما أشار إلى كيفية القيام بذلك. فالإرهابيون أدركوا ذلك ونقلوا القتال على أرضهم، وضربوا الطرف الضعيف، والكنائس القبطية ومؤمنيها.</p><p dir="RTL"><strong>هل يمكنك تقديم المزيد من التوضيح؟ في حال كان عمل الحرب واضحًا، فإنه يبدو وكأنه عمل حرب ضد المسيحيين، يسمون &quot;كفارًا&quot;.</strong></p><p dir="RTL">&quot;للإجابة على ذلك، يجب أن أعود إلى المؤتمر الذي رعاه الأزهر قبل المذبحة. ولمزيد من الفهم، يجب أن نبدأ بكلمة. هذه الكلمة هي &quot;أمة&quot;. كل مرء يعرف هذه الكلمة. استعملت هذه الكلمة عبر التاريخ لتدل على مجتمع المسلمين المؤمنين وذلك في اطار ديني. &quot;الأمة&quot; تدل على &quot;اكلسيا&quot; (الكنيسة) أو المجتمع الديني العالمي. كما استعملت بمعنى اثني، أي الأمة العربية، وهي تدل على مجتمع الشعوب العربية. وهذان المفهومان للأمة، المفهوم الديني والاثني قد شكلا التيارين السياسيين القائمين وهما الشمولية الإسلامية والشمولية العربية.</p><p dir="RTL">وفي الوثيقة التي صدرت في ختام مؤتمر الأزهر الأخير -الذي شارك به مئتي شخصية أجنبية كان منهم ستون شخصية لبنانية مثلي&ndash; كان هنالك حديث عن نوع مختلف من الأمة. لم يكن في هذه المرة مبنيًا على الدين أو الاثنية وإنما على الجغرافيا: أمة الوطن، وهي تعني المجتمع الذي يشمل أولئك الذين يعيشون على أرض ما. إنه لأمر حاسم أن نقرأ الفقرة الأولى من بيان الأزهر حيث يدور حديث &quot;عن حقوق متساوية بين المسلمين والمسيحيين في بلدانهم معتبرينهم جميعًا أمة واحدة&quot;. لكن ليس هذا كل ذلك. فالفقرة السادسة تنص على أن الغاية المنشودة هو تعزيز شراكة جديدة، &quot;وهو عقد جديد بين مواطني دول عربية مسلمون ومسيحيون وينتمون إلى مجموعات أخرى&quot;. إن هذا العقد مبني على &quot;الاعتراف المشترك، والمواطنة والحرية&quot;.</p><p dir="RTL">ويؤكد البيان أن كل ذلك هو &quot;ضرورية حيوية&quot; تشير إلى أن كل شخص يعيش في هذا الوطن المشترك يخضع للقوانين الدستورية. وكما نعلم، فإن الدساتير لا يكتبها لاهوتيون &quot;رجال دين&quot;. إنها فقرة مهمة جدًا. وتنص الفقرة الأخيرة أن البلد القائم على دستور &quot;فإن هدفنا نحن الذين نعيش في نفس القارب ونشكل جزءًا من نفس المجتمع... هو ضمان مستقبل أفضل لأبنائنا وبناتنا&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>هل هذا هو المكان حيث تتم الاشارة إلى المساواة بين الرجل والمرأة؟</strong></p><p dir="RTL">&quot;وكما ترى فإننا نتحدث عن تجديدات تاريخية تتعلق في الزمن: ولعدة قرون كنا نحاول أن نصيغ مفهومًا للمواطنة في مجتمعاتنا، فهي المواطنة المشتركة بدون تمييز للجنس، والإثنية والدين. إن مفهوم &quot;أمة&quot;، وهي كلمة لم تكن موجودة في اللغة العربية حتى القرن التاسع عشر قد تم تفسيرها في إطار اثني أو ديني. والآن فإن المؤسسة السنية البارزة، وهي الأزهر، قد وضعت هذه الكلمة في إطارها الجغرافي وتعني أولئك الذين يعيشون في وطن مشترك حيث يعيشون سويًا متساويين بدون الرجوع إلى الأمور الاثنية أو الدينية وحتى الجنس. ولهذا أراد إمام الأزهر أحمد الطيب أن يتحدث عن التحديات الحضارية التي تفسر حدوث الهجمات التي تتسم بالكراهية ضد الكنائس القبطية بشكل عمل حربي تعصبي ضد كل المعتدلين.</p><p dir="RTL">وأريد أن أؤكد فكرة أخيرة مهمة جدًا لي، إن النص الذي تم تدقيقه في ختام مؤتمر آذار &ndash;الذي وضع الأسس لمؤتمر السلام الذي سيحضره البابا فرنسيس- قد قراءه الأمام الأكبر أمام كل الوفود والضيوف. وكان بعض علماء الأزهر المحافظين &ndash;وهؤلاء الذين قد نسميهم كوريا الأزهر&ndash; قد فضلوا أن يقرأ البيان متحدث ما وليس الإمام الأكبر، ربما يعود ذلك إلى رغبتهم في تقليل التأكيد على قيم النص الملزمة. إلا أن الامام أحمد الطيب أصر أن يقرأه بصورة شخصية، وأعتقد أن هذا يحمل معنى كبيرًا. وفي أعقاب ذلك تأتي رحلة البابا إلى القاهرة في إطار يقول فيها الإسلام المعتدل أنه ليس هناك أقليات إثنية أو دينية وإنما مواطنون. كما أشار الكاردينال الراعي لدى عودته من القاهرة: لم نعد أقليات&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>هل تعتقد أن لبنان قد لعب دوراً في هذا؟</strong></p><p dir="RTL">&quot;لقد لاحظت أن ضيوف مؤتمر آذار قد تشكلوا من مئتي ضيف أجنبي، ستين منهم لبنانيون، إنني أعتقد أن لبنان العيش المشترك لا يعني فقط العيش سويًا ضمن مجتمعات معينة، وإنما العيش سويًا مرتبطين بالمواطنة التي تشكل جوهر الأمر. فهي الرسالة الأولية لهذا الاجتماع الذي سيستمر في نهاية هذا الشهر بحضور البابا فرنسيس&quot;.</p>