موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر السبت، ٤ يناير / كانون الثاني ٢٠٢٠
أميركا والشرق الأوسط.. إلى أين؟

إميل أمين :

على‎ عتبات العام الجديد يتساءل المرء ضمن عديد الأسئلة الاستشرافية: إلى أين تمضي العلاقات الأميركية الشرق أوسطية، وهل انتهى بالفعل زمن نفوذ أميركا في هذه الرقعة من العالم، أم أنها بدأت من جديد استرجاع حضورها الذي فقد كثيراً من ألقه في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

باختصار نرى في الأفق علائم لعودة هذا الاهتمام، بعد أن كثر الحديث عن انسحاب أميركي من الشرق الأوسط، ووضعه في درجة تالية من اهتمامات واشنطن. ماذا عن الأسباب التي تدفع أميركا لذلك

بدايةً، يمكن القطع بأن تمدد إيران في المنطقة يستدعي حضوراً أميركياً مكثفاً، لا سيما وأن هذا التمدد لا ينفك يسعى للتوسع في المنطقة خصماً، ولا شك من النفوذ الأميركي، وتهديداً لحضورها اللوجستي التقليدي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة.

ولعل‎ الذين تابعوا أحداث الأيام الأخيرة في العراق يوقنون بأن المواجهة لم تعد بالوكالة، بل باتت مباشرة بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إيران، ما يعني بالضرورة أن واشنطن تراجع كثير من سياساتها التي أثبتت الأيام خطأها التاريخي والجسيم.

كان‎ الخطأ الأكبر للولايات المتحدة الأميركية قد جرت به المقادير في العام 2011 حين انسحب باراك أوباما من العراق، مسلماً بذلك مفتاح العراق إلى طهران وملاليها، وقد جاء القرار متسقاً مع شهوات قلب الرجل من حيث ميله، بل ودعمه لتيار الإسلام السياسي من جهة، أو سعيه الدؤوب لإبرام صفقة مع إيران، حتى وإن كانت غير عادلة أو سيئة السمعة.

ترامب‎ ليس أوباما، وبغداد ليست بنغازي، هكذا تكلم السيناتور«الجمهوري» الأشهر ليندسي غراهام قبل أيام، واصفاً الرد الأميركي على الاعتداء على مقاول أميركي في العراق وقتله، بأنه العمل الواجب تنفيذه، سيما وأن إيران لا تفهم سوى لغة القوة.

هل‎ أميركا قادمة للانخراط شرق أوسطياً في عام 2020 بدرجة أعمق وأوثق من عام 2019 والأعوام السابقة؟

يمكن‎ أن يكون ذلك كذلك قولاً وفعلاً، وليس أدل على ذلك من القرار الأميركي الأخير بنشر نحو أربعة آلاف جندي في المنطقة، جلهم من رجال العمليات الاستراتيجية الضالعين في أعمال القتال الصعبة.

من‎ بين ملفات عدة تستوجب من أميركا الانخراط من جديد في إشكاليات الشرق الأوسط، مسالة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ذاك الذي طال أمده، ومخطئ من يظن أن رؤية ترامب لتسوية النزاع في عهده قد توارت، فالرجل لديه حلم عريض بأن يُكتب اسمه في سجل القياصرة الأميركيين من خلال التوصل إلى صفقة يخدم بها السياسات الإسرائيلية بأكثر من صون الحقوق الفلسطينية.

سوف‎ يبقى عام 2020 عاماً مهماً للولايات المتحدة شرق أوسطياً، سيما وهي ترى أن روسيا تمد أذرعها الأخطبوطية من جديد في تلك المنطقة التي كان لها فيها تاريخ قديم ووشائج وثيقة مع العالم العربي، وهو مشهد لا تقبله واشنطن، ذلك أن كل مربع نفوذ تملؤه موسكو هو اختصام طبيعي من نفوذ واشنطن التاريخي في الحال، وهو أمر تمتد تأثيراته في الاستقبال وينسحب على كافة الصعد، وفي المقدمة منها مسألة إعادة تقسيم العالم جيوبولتيكيا، ومناطقياً مرة أخرى.

لماذا لن تنسحب واشنطن من الشرق الأوسط هناك‎ ضمن طائفة الأسباب سببان آخران الأول مالي واقتصادي وموصول بما طرأ على منطقة البحر الأبيض المتوسط، من اكتشافات للطاقة تؤثر بصورة أو بأخرى على مسارات ومساقات أوضاع الطاقة العالمية، ولا يمكن بحال من الأحوال تخيل أن تذهب واشنطن بعيداً من دون أن تأخذ نصيباً وافراً من كعكة الغاز والنفط المكتشف، ما يتسق ورؤى ترامب الاقتصادية وصراعه من أجل إعادة الولايات المتحدة الأميركية رقم واحد اقتصادياً ومالياً حول العالم.

السبب‎ الثاني هو أن مسألة الحرب على الإرهاب لم يتم حسمها حتى الساعة، ولا يمكن الادعاء بأن واشنطن قد حققت نجاحاً ساحقاً ماحقاً على «الدواعش»، فالإرهاب فكرة، والإسلام السياسي لم يمت بعد ولا يزال مهدداً خطيراً لأمن وسلام العالم، وها نحن نرى من حولنا عودة الإرهابيين ليتجمعوا مرة أخرى جنوب البحر الأبيض المتوسط وبنوع خاص جهة ليبيا.

سيكون الشرق الأوسط منطقة ساخنة لأميركا من جديد في ظل احتمالات نشوب حروب جديدة تستدعيها حماقات «السلطان» أردوغان، وأوهامه في إعادة أمجاد العثمانية البائدة مرة أخرى، وكأن التاريخ يعيد نفسه.

الخلاصة‎: لن يقدر لأميركا الانفصال عن الشرق الأوسط، وإنْ كان هذا لا يعني أنه ليست هناك تحديات جسام طوال 2020 ...وإنّ غداً لناظره قريب.

(الاتحاد الإماراتية)