موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٥ يونيو / حزيران ٢٠١٩
أفضل مساعدة للناس

د. فيصل غرايبة :

إن الحياة ذات المعاني الإنسانية، تحترم العلم والثقافة، وتقدر الدور الإنساني نحو الجماعات المهمشة، وحق المشاركة السياسية وحماية البيئة، وتبني المتميزين، وخلق الوعي بالقضايا العامة، كما أن التلوث البيئي وارتفاع معدلات الجريمة وتزايد العنف والإرهاب والأمراض المعدية، واحتلال أرض الآخر، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، وعداء الإنسان للآخرين وغياب السلام العالمي، لا يمكن أن يعوضه ارتفاع متوسط الدخل الفردي أو القومي. كما أن التعليم والثقافة يحققان فوائد اجتماعية تتجاوز الفوائد المادية، بدءاً من احترام الذات والاعتزاز بها، إلى تزايد القدرة على التواصل والارتقاء بالذوق الأخلاقي والحضاري.

لقد علمت التجارب التنموية مختلف الشعوب أن المشروعات الصغيرة التي تنبثق بإرادة السكان، وتوفر أجواء مناسبة لاكتساب الناس للخبرات، وفي تنفيذ المشروعات القائمة بمجتمعهم المحلي. إن هذا النهج الذي يركز على المشاركة الأهلية على المستوى المحلي في عمليات التنمية لا يعفي الدولة من دورها في إقامة ما يوصل بين هذه المجتمعات من ضرورات، تتمثل بالمشاريع الكبيرة التي تتطلب موارد مادية وفنية وقدرات وصلاحيات، كالطرق وشبكات الاتصال المتنوعة، تبقي أهالي القرى القريبة وحتى النائية على صلة بالمستجدات وبالثقافة وبأسباب الوعي، التي تأتي بها وسائل التواصل والاتصال، وكذلك بالنسبة للمدارس ومراكز التدريب والمستشفيات.

على هذا النحو تتوفر شروط النجاح لبرامج التنمية، الذي بدأ من القرية، وبجهود أهلها تفكيراً وتخطيطاً وتنفيذاً، وبالتالي جنياً لثمار التنمية الملبية للحاجات، والمعبرة عن الرغبات والقائمة على القناعات، وبعكس ذلك تبقى قوالب جامدة معزولة غريبة، لا تستهوي الناس من حولها، ولا يقبلون على التعامل معها بود وحماس. وما على الجهود الحكومية إلا أن تصل بين الوحدات الصغيرة المنتشرة المتقاربة أو المتباعدة، وتوثق الصلة فيما بينها بالمشروعات الكبرى، التي يشترك أهالي الوحدات الصغيرة بالاستفادة منها، وبما يكمل لديهم السلسلة المتصلة في تلبية الحاجات الأساسية.

عندما نطرح مثل هذا النسق من التنمية، الذي يقوم على بدء الجهود من القرية، وبالاعتماد الرئيسي على أهالي القرية، قد يرد في الأذهان أفكار شتى مثل الشك في قدرة الأهالي على إنجاز تنمية حقيقية، أو مثل عدم الارتياح إلى الدعوة إلى التخلي عن الدور الكامل للجهود الحكومية في إتمام عمليات التنمية، ومن ترد إلى أذهانهم مثل هذه الأفكار يرون أن الفلاح البسيط بمهاراته والفقير بإمكاناته بحاجة إلى من يعينه، لا أن ينهض هو لتقديم العون في تنمية قريته وتطوير محيطه، ولكن أيماننا بأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، واعتقادنا بأن تعلم الإنسان للصيد هو أفضل من أن نقدم لهم طبقاً من السمك، وإذ علمتنا التجارب بأن نضيء شمعة خير من لعن الظلام، يجعلنا نتمسك بما تعلمناه في مدارس الخدمة الاجتماعية ومراكز تنمية المجتمع، بأن خير مساعدة للناس هي مساعدتهم على أن يساعدوا أنفسهم.

(الرأي الأردنية)