موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
عدل وسلام
نشر الأربعاء، ٢٠ ابريل / نيسان ٢٠١٦
أعمال الرحمة ما بين التحليل والتضليل

عمّان - تغريد حبش نجيم :

في الوقت الذي ترى أن العالم تخلى عنك، ولا زالت أنظاره تتجة إلى دفن الإنسانية، وترى ان الحرية أصبحت شبه متلاشية وتنحدر نحو الهاوية والعبودية. لا تيأس حيث سيبقى هنالك ثمة رحماء مثل الآب الرحيم، هؤلاء الذين سوف يمسكون بيدك نحو الحرية وينتشلونك ويحررونك من العبودية.

لا يمكننا أن نتجاهل الفيديو الذي نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، حول زيارة قداسة البابا فرنسيس إلى جزيرة ليسبوس اليونانية للاطلاع على أحوال اللاجئين السورين الفاريين إلى اليونان جراء البطش والطغيان الذين تعرضوا له، في مدنهم وقراهم المسلوبة التي ما زالت تحت الدمار حتى لحظة كتابة هذا المقال، جراء الحروب المستمرة والمستعرة التي أودت بحياة الكثيرين منهم بطرق متعددة لا يمكن للعقل والقلب احتمالها، حتى الناجون منهم لم يسلموا من المخاطر التي تعرضوا لها. إن اللجوء إلى الدول التي استقبلتهم لم يكن معبداً كما يتخيل البعض، بل تعرضوا لكافة أنواع الصعوبات التي يمكن لنا نتخيلها ونشاهدتها في كافة وسائل الإعلام المتاحة والمنتشرة، ولعلكم تعرفون حجم المعاناة الصعبة التي واجهوها واحتملوها، وكل ذلك بهدف اللجوء للفوز بطوق نجاة.

وبالرجوع إلى الفيديو الذي تم نشره على موقع أبونا - إعلام من أجل الإنسان، أيضاً، هذا الفيديو نقل إلينا كيف استمع قداسة البابا لاحتياجات وصعوبات وطلبات اللاجئين السوريين، الذين يرون في شخص البابا خشبة خلاصهم الأخيرة بعدما تعذرت عليهم كل الطرق للوصول إلى شط الأمان، وأظهر لنا الفيديو أيضاً كيف أن البابا استمع وأصغى إليهم بكل عطف ورحمة وتحنان مصطحباً معه بعد انتهاء اللقاء ثلاث عائلات سورية مسلمة. وما إن نشر الخبر حتى تواترت ردود أفعال الأشخاص الذين شاهدوا الفيديو، وأن من شاهد واستمع إلى قصص هؤلاء المهجرين من خلال الفيديو الذي تم نشره، لم يتأخر عن التعليق على الخبر سواء بمواساتهم، من خلال الدعاء لهم بأن يخرجهم الله من النفق الضيق الذي أجبروا عليه قسراً، أو الشكر والامتنان لقداسة البابا على اتساع قلبة المليء بالرحمة وكيف استمع ونظر إلى هؤلاء بعين الرحمة.

فضلاً عن تساؤل البعض لماذا المساعدة شملت جهة دون أخرى، اعتبرنا شخصياً هذا السؤال غير موجود بقاموس أعمال الرحمة التي لا تميز بين جنس بشري... ولكن لا تقولوا لي أنكم حينما شاهدتم وسمعتم تلك الصور الإنسانية لم تخلصوا، دون أن تذرفوا دمعة واحدة على الأقل! لمرارة الموقف وقساوته! ولا تقولوا لي أنكم لم تتخيلوا معي للحظة ماذا لو كنتم أنتم في هذا الموقف، المؤثر والموجع، لا سمح الله! ماذا فعلتم؟

صحيح أن هنالك الكثير من تعاطف مع الخبر، وقدر وثمن الجهود الذي يبذلها رأس الكنيسة الكاثولكية قداسة البابا فرنسيس لمساعدة هذه العائلات المتألمة، دون النظر إلى هوية وانتماءات هذه العائلات، وأنا شخصياً أثمن هذه الجهود المبذولة لخلاص الإنسانية، ولا استغربها ولا استهجنها فهي ليست بالمواقف الأولى أو الأخيرة لقداسة البابا فأعمال الرحمة هي في حالة مستمرة مع قداسته وهي نهج الكنيسة الجامعة. ولا تسمح هذه المقالة لذكرها جميعها "أعمال الرحمة"، ولكن بما أن على الجانب الآخر هنالك من كان يحلل وينتقض ويهاجم للفكرة من أساسها، اعتقد أن تحليله وتضليله وقولبه الخبر سياسياً على هواه، اعتقاداً منه أن ذلك سيزيد من رصيده أو مشاهدة الصفحة أود أن أقول له أنها كانت محاولة فاشلة، ولذلك وجب الرد.

نحن نعلم أن هنالك عدة صور وقراءات وتحليلات وردود أفعال تخرج عند نشر أي خبر، وهنالك أصبح حرية بما يكفي لتعبر برأيك وتشارك، ولكن ما يصرح به ويحلل، على مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح فعلاً لا يطاق بالمعنى الحرفي، خصوصاً عندما تنشر صفحة "الوعي العربي" على حسابها في الفيس بوك عن نفس الخبر وعن زيارة البابا للمهجرين وتقتص من الخبر بما يتناسب ومزاجها وتحلل على طريقتها لتخرج بخلاصة أن المهجرين أصبحوا "فريسة بين أيدي الصليبيين"! إن التحليل بهذه الطريقة فعلاً لا يطاق! إن مثل هذا اللغط والتضليل مرفوض جملة وتفصيلاً وهذه الصفحة التي نعتت نفسها "بالوعي العربي" أريد أن أسالها عن أي وعي تتكلم؟ وأي عرب؟ أنا لا أرى فيما نشر سوى مزيداً من الجهل والتخلف وتحرير كلام غير مسؤول بهذا الشكل وما هو إلا مثل صب الزيت على النار.

إن القراءة والتحليل لأي خبر، لا يتم بهذه الطريقة، ولا يأتي من عدم الوعي الفكري والعقلي وغير الإنساني، وإنما يأتي بالشكل الصحيح عندما يكون الفكر مغذياً ومشبعاً بالعلم والمعرفة والدين والأخلاق والمنطق.

ولكن أعود بالقول بالرغم من أنه سيبقى وجود آخرون يحللون من الزوايا الضيقة ولا يرون إلا باتجاه واحد، لا بدّ أن نشكر الله الذي منّ علينا ووهبنا بأشخاص يتمتعون بنعمة النظر إلى الأمور بكل زواياه، وزد إلى ذلك نعمة البصيرة. إن جميع الردود وتبايناتها والتحليلات سواء مع أو ضد، لن تطغى على أهمية وحجم هذا الحدث الإنساني "البحت" المليء بالرحمة والعطاء، الذي لا نستطيع إليه سبيلاً دون أن نسمح لله أن يسكن قلوبنا ونشكر الله على وجود الكثير بيننا من الرحماء والإنسانيين الذين ما دام الله يعمل من خلالهم، مثل قداسة البابا. وأتمنى أن تصل عدوى الرحمة من خلاله إلى أنحاء العالم، وخصوصاً من هم على رأس المسؤولية في هذا العالم لتوقف أعمال ذبح الإنسانية من الوريد إلى الوريد، ولتحل مكانها الرحمة التي إذ نحن دونها لا نساوي شيئاً وحتماً هالكون.

"كونوا رحماء كما ان اباكم السماوي رحيم (لوقا 6: 36).