موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأربعاء، ٣ يناير / كانون الثاني ٢٠١٨
أشخاص تغير الإعاقة مجرى حياتهم وتدفعهم للبدء من جديد

ربى الرياحي - الغد :

لم يتوقع الثلاثيني وسام أن الحياة التي منحته الكثير من الأشياء الجميلة ستخذله هذه المرة وسترغمه على أن يعود إلى نقطة البداية، والانطلاق مجددا بأحلام وأمنيات قدر لها أن تتوقف قليلا. حادث سير كان السبب في تغيير مجرى حياته للأبد، فقد على أثره القدرة على المشي.

في البداية، لازمه ألم وإحباط وأفكار سوداوية كثيرة أرقته، جعلته مشوشا غير قادر على استيعاب واقعه الجديد والتعايش مع ذلك الكرسي المتحرك الذي سيصبح أسيرا له بقية عمره، وبسببه أيضاً سيضطر حتما للتخلي عن عمله الميداني كمهندس، وعن تلك السعادة التي كان يعتقد أنها لن تفارقه أبدا.

يقول إن الإعاقة حدت من قدراته وحرمته من حريته التي هي مصدر نجاحه وتألقه، فضلا عن الخوف من أن يصفه من حوله بالعاجز. ولكنه قرر أن يستجمع قواه ويخرج من تلك الأوهام التي حاصرته وأجبرته على أن يتوقف، ويتقبل فكرة أن يكون شخصا اتكاليا أو انهزاميا، يعيش على هامش الحياة حتى لو كان ذلك مؤقتا.

ويؤكد اليوم أنه قادر على التميز أضعاف ما كان عليه في السابق بتعايشه مع إعاقته، وقراره بأن يعاود الوقوف ثانيةً، لكن هذه المرة سيكون الوقوف معنويا ليتسنى له مواجهة الحياة كما ينبغي ولكي “أمنح الكثيرين من ذوي الإعاقة وخاصة أولئك الذين اختاروا أن يستسلموا، أملا جديدا يعيد إليهم الرغبة والحماس والاقتناع بأن القادم أجمل”.

أما الجامعية مي أكرم التي باغتتها الإعاقة في وقت كان مصيريا بالنسبة لها ولأسرتها أيضا، تقول إنها لحظة قاسية جدا عندما يبدأ الحلم بالتلاشي، وتجبر الملامح على أن تستبدل الفرح بالحزن والوجع والخيبة. أيام قليلة كانت تفصلها عن يوم التخرج من الجامعة، وحصولها على درجة البكالوريوس في تخصص المحاسبة لم يكن هناك ما يدعو إلى الخوف أو القلق حتى بعد أن أخبرت أسرتها أنها تشعر بأن بصرها ليس كالسابق، وأن هناك ألما شديدا في عينيها يزعجها كثيرا يؤثر مباشرةً على دراستها يعيقها فعليا عن التحضير لامتحاناتها.

وتضيف على الفور قام والدها بعرضها على أحد أطباء العيون للاطمئنان على وضعها، وهناك كانت المفاجأة التي أدخلتها هي وأسرتها في صدمة نفسية كبيرة، فقد كشف التشخيص الأولي أنها تعاني من التهاب حاد في شبكية العين، الأمر الذي سيؤدي لاحقا إلى فقدان بصرها بالكامل. وتتابع كم كان صعبا عليها أن تستوعب في تلك اللحظة حقيقة مرضها الذي سيضطرها لئن تغير أشياء كثيرة في حياتها، لكن وقوف أسرتها إلى جانبها وإيمانهم الكبير بالقضاء والقدر كان كفيلا بأن يحررها من ذلك الإحساس المؤلم الممزوج باليأس والخوف والخسارة لكل السنوات الماضية والتفاصيل الصغيرة التي عاشتها وارتبطت بها، وأيضا شكلت عالمها الذي اختارته هي بكل ما فيه. تقول “اختباري للعتمة لم يمنعني من أن أحلم لم يلغي طموحي وإصراري على النجاح والتفوق بل على العكس تماما إعطاني دافعا قويا لئن أبدأ من جديد وأثبت للجميع أنني وبرغم الإعاقة ماضيةً في تحقيق أحلامي وأنه لا شيء على الإطلاق سيهزمني أو حتى سيضعف عزيمتي”.

وتبين أن حرصها الشديد على أن تتعلم وتستقل ذاتيا كان له كبير الأثر في عودتها للدراسة واختيارها لتخصص التربية الخاصة الذي مكنها فعلا من التعرف على واقع الإعاقة أكثر، وساهم بشكل أو بآخر في تأقلمها وتميزها أيضاً.

في الحياة هناك نماذج كثيرة لذوي الإعاقة أجبرتهم الظروف على أن يستسلموا لذلك الوقوف الاضطراري. فرضت عليهم أن يغيروا الكثير من التفاصيل اليومية التي ارتبطوا بها لسنوات طويلة مضت، لكنها لم تمنعهم من أن يفكروا بإعاقتهم التي هي نقطة تحول بالنسبة لهم، وما تزال سببا رئيسيا في تطورهم وتميزهم وإصرارهم على التفوق والإبداع.
ويرى العشريني أيمن سعيد أن إعاقته البصرية هي سر قوته ونجاحه، وعن ذلك يقول إن سنوات من التشتت والضياع عاشها قبل أن يتعرض لتلك الحادثة التي تسببت في فقدانه للبصر وبتر جزء من يده اليسرى.

ويضيف كانت حادثة مؤلمة بكل المقاييس إلا أنها خلقت لديه حتما الرغبة الكاملة بأن يتغير كليا نحو الأفضل ويرسم لنفسه حياة أخرى تختلف تماما عن تلك الحياة التي كان يعيشها في السابق. ويتابع حادثة انفجار اللغم تلك قوته بقدر ما آلمته، جعلته يفكر بالأسباب التي أدت إلى فشله دراسيا، والانسجام مع تلك الحقيقة التي ألزمته بأن يعيش على الهامش بدون أي هدف. يقول “لكن إصراري على أن أبدأ من جديد ونسيان كل ما مضى ساعدني كثيرا في أن أنجح بل وأتفوق.. وأنا اليوم أسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تثقيف الأشخاص من ذوي الإعاقة، والعمل على تجاوز تلك النظرة الدونية التي غالبا ما تؤثر عليهم بشكل سلبي وتحول في المقابل بينهم وبين طموحات ترفض أن تحجم أو أن تقيد”.

من جهتها تبين اختصاصية الإرشاد والدعم النفسي مرام بني مصطفى أن الإعاقة تفرض مشكلة على أصحابها على الصعيد الاجتماعي والنفسي والمادي والجسماني ويمرون بصعوبات متعددة على كافة الأصعدة.

كما أن نظرة المجتمع السلبية لذوي الإعاقة تمثل عائقا يحول دون تمكين ذوي الإعاقة من التكيف مع المجتمع، مما يعكس اتجاهات ومشاعر سلبية واضطرابات انفعالية تزيد من تلك الصعوبات وتحبطهم، لأن ليس الجميع يتفهمون احتياجات تلك الفئة.

وقد يلعب العلاج النفسي دورا حيويا ومهما في تخفيض تلك المعاناة التي يمرون بها، وبالأخص فئة ذوي الإعاقة التي تحدث عندهم الإعاقة وهم بالغون مثل حالات حوادث السير بتر أحد الأطراف حالات السقوط أو مرض مما يعيق الفرد عن ممارسة حياته على أكمل وجه. ويشعرون بتدني القدرة وبالعجز وبأنهم ضحايا ما جرى معهم، وما يتبعه من مشاعر تعب وضعف ودونية بعدما كان شعوره بالكفاءة والقوة، والآن أصبح بالعجز والفقدان وليس الفقدان الجسمي وإنما المادي أيضا والوظيفي والاجتماعي، لا يصبح مثل السابق؛ من حيث المشاركة الاجتماعية وصعوبة الانتقال من مكان لآخر ومن حيث التكاليف المادية الباهظة بسبب تغير الظروف المعيشية.

لكن مع كل هذه الصعوبات التي يمر بها المصاب ينبغي أن لا يستسلم لكل ما مر به من تهديدات سواء كانت بسيطة أو شديدة، وأن لا يتنازل عن طموحاته وأن يسعى دوما إلى تحقيق ذاته.