موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الجمعة، ٢٧ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٩
أحد العائلة المقدسة

المطران بيير باتيستا بيتسابالا :

أحد العائلة المقدسة
(لوقا2، 2 و 22-40)

تأملنا يوم الأحد الماضي، الأحد الأخير من زمن المجيء، في شخصية يوسف، وكنا قد رأينا كيف أنّه اجتاز لحظة حرجة ومضطربة، وكيف أنه توصل فيما بعد، بفضل تدخّل ملاك الرب، إلى تحمل مسئولية أبوّة ذاك الطفل الّذي كان الروح القدس قد وضعه في أحشاء مريم.

وما سيعنيه لاحقا تحمل هذه المسؤولية هو أمر يفهمه يوسف ويتعلمه تدريجياً: إن أحداث الحياة هي التي تحدد شكل هذه المسؤولية. واليوم، نرى كيف يتحمل يوسف تداعيات بذل حياته في سبيل يسوع.

العنصر الأول الذي نتوقف عنده هو إيمان يوسف. في الواقع، لم يكتمل مع لحظة موافقته، بل على العكس، بدأت من هناك مسيرة، كان الإيمان وحده يقودها، مسيرة سيتم في كل مرة دعوته إلى تجديد الثقة مرة أخرى. وهذا هو غنى الحياة وجمالها.

يدخل يوسف إلى هذه المسيرة، بيقين ثابت. وكما قلنا يوم الأحد الماضي، تمكّن يوسف من اجتياز خبرة أساسية، خبرة مفادها أن الرب يهتم ويعتني بنا. لقد افتقده الربّ لحظة اضطرابه الداخلي، ومعاناته؛ وعبّر يوسف، خلال حلم، عن جهوزيّته للتدخّل الإلهي، ورحّب بمعونة الربّ. لقد اختبر أنّه يمكن الوثوق بالربّ، وأنّ الرب لا يتخلى عنه أبداً.

تتكرر هذه الخبرة ذاتها في اللحظة التي تكون فيها حياة يسوع مهدّدة.

في الواقع، فور علم الملك هيرودس بأن المجوس لم يطيعوه بل غادروا البلد دون إبلاغه، فاسشتاط غضباً وقرّر قتل جميع أطفال بيت لحم (متى 2، 16).

ومرة أخرى يظهر ملاك ليوسف في الحلم ليحذره من الخطر الداهم. يتدخل الملاك، لأن حياة الطفل مهددة: في الواقع يجب أن تؤتي الحياة ثمارها، ويجب أن تصل إلى مرحلة النضوج، ولهذا السبب يجب الحفاظ عليها. يُدعى يوسف لحماية حياة يسوع. لكنه ضعيف وعاجز أمام هذه المهمة الصعبة. ويجد أنّ عليه أن يجابه الملك هيرودس، ومن الواضح أنه يرى المواجهة خاسرة من بدايتها.

وها نحن نرى يوسف ينام مرة أخرى، ويحلم مرّة أخرى. غالبًا ما تتميز اللحظات الحاسمة في العلاقة بين الربّ والإنسان بالنوم: يكفي أن نفكّر في النوم الأول، نوم آدم، حين كان الربّ قادرًا على تكوين حواء من ضلوعه، أو النعاس الذي انتاب إبراهيم، عندما عقد الربّ عهدا معه.

إنّ الحلم هو تلك اللحظة في الحياة التي يستسلم الإنسان فيها ويثق؛ وبما أن الإنسان يسمح لله بأن يعمل عمله، فانه يتمكن من تجاوز قدراته. ويمكن أن يعهد إليه الله بمهمة ذات شأن كبير، مهمة غالباً ما تكون حاسمة، حتى تستمر مسيرة العهد.

أثناء النوم، يعطي الملاك يوسف تعليمات محدّدة (متى 2، 13)، ويطلب منه الطاعة التامة.

ويوسف يثق، ويرضى بالانقياد، ويطيع.

يقول الإنجيلي متى أن يوسف، حالما استيقظ "قام" (متى 2، 14)؛ ومن المثير للاهتمام أن مريم أيضًا، بعد زيارة الملاك لها، قامت (لوقا 1، 39) وانطلقت مسرعة.

إنّ كل من يُصغي ومن يطيع، ليس أمامه أي شيء آخر سوى أن يقوم.

القيام، ومن ثمّ الإنطلاق، والإنطلاق هو انطلاق الطاعة، الّتي من خلاله يعبر الخلاص.

إنّ الكلمة، عندما يتم الإصغاء إليها، تحرّك خطوات الإنسان، وتصبح مصباحًا يرافقه ويَضيء له الطريق، لأنه خارجها يكون الظلام (متّى 2، 14)، ويظل الخطر يلوح في الأفق.

ستأتي أحلام أخرى لزيارة ليالي يوسف، وسوف تشير من جديد إلى المسارات والأهداف؛ و في كل مرة سوف يقوم يوسف من جديد وينطلق (متى 2، 19-22).

سوف يتعلم يسوع من يوسف هذه الطاعة الوديعة، وسيتعلم هذا الأسلوب المتواضع في الانطلاق على ضوء كلمة إله يمنح الحياة ويحفظها.