موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
حوار أديان
نشر الأحد، ٢٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٤
آسيا بيبي بين فكي المضطهدين والأنصار الوهميين

بقلم: باولو أفاتاتو ، ترجمة: منير بيوك :

إنها في السجن من أجل كوب من الماء. فكما يعمم مستخدمو الإنترنت بسرعة وعلى نطاق واسع الحملة التي تحمل عنوان "اشرب كوباً من الماء وضع صورتك لآسيا بيبي،" فإن قضية المرأة التي اتهمت زوراً بالتجديف تبقى في صدر النقاش الدولي. وقد أصدرت المحكمة العليا في الباكستان حكم الإعدام ضدها كما رفضت طعنها به في 16 تشرين الأول. وسيتم عرض القضية على المحكمة العليا في 4 كانون الأول. قبعت المرأة في السجن لمدة خمس سنوات لحد الآن، وهي تعاني من حالة بالغة التعب جسدياً وعقلياً.

في الوقت نفسه، اندلعت حملات لدعم آسيا بيبي مرة أخرى. وفي أوروبا، يتم إرسال المزيد والمزيد من المناشدات من الحكومات الإيطالية، والفرنسية، والإسبانية، والألمانية، والاتحاد الأوروبي تطالب بالضغط على الرئيس الباكستاني ورئيس الوزراء، من خلال وضع قيود على المساعدات المالية والتجارية. لكن ممارسة الضغوط لا تؤتي النتيجة المطلوبة وفي كثير من الأحيان تكون غير مجدية. هناك غالباً ما يكون وراء الحملات الموالية لآسيا بيبي مصالح اقتصادية أو حسابات سياسية.

بدأ جحيم آسيا بيبي في 14 حزيران قبل خمس سنوات، عندما تلقت المزارعة الشابة من الريف بالبنجاب رد فعل عدائي من اثنتين من العاملات بينما كنّ في الحقل. اتهمتها الفتاتان المسلمتان بتلويث بئر، وجعل مياهها "نجسة" لأنها مسيحية قد شربت منها. ومنذ تلك اللحظة، سقطت الأم البالغة من العمر 44 عاماً ولديها خمسة أبناء وبنات (بما في ذلك طفل معاق) في دوامة لا تنتهي أبداً. أولاً اتهمت زوراً بالتجديف أمام المرأتين الشاهدتين الرئيسيتين في محاكمتها. فقد شهدتا ضدها بدعم من الإمام المحلي، قاري محمد سلام. وتم رفع تقرير ضدها، والقبض عليها والتحقيق معها ومحاكمتها في المحكمة البدائية. حتى مؤسسة جنة، وهي مؤسسة أبحاث إسلاميه مرموقة -سميت باسم مؤسس الباكستان- أكدت أن المحاكمة "تشوبها مخالفات واضحة" وأنها مليئة بالثغرات.

في 8 تشرين الأول 2010، أصدرت محكمة نانخانا حكمها معلنة أن آسيا مذنبة. وسيدون هذا الحكم في سجلات تاريخ باكستان بأنها المرة الأولى منذ عام 1953 تم تطبيق أول قوانين مكافحة التجديف. كانت القوانين أكثر صرامة في عام 1986 في ظل دكتاتورية ضياء الحق، الذي أراد إرضاء الأحزاب الإسلامية بحيث تتلقى المرأة عقوبة الإعدام لارتكاب الجريمة المزعومة.

وبدأت قضية بيبي تلقى اهتمام وسائل الإعلام الدولية بصورة مكثفة حتى أن البابا بندكتس السادس عشر أرسل نداءً أعرب فيه عن "قربه الروحي من السيدة آسيا بيبي وعائلتها"، ومطالباً بأن "تستعيد حريتها الكاملة" في أقرب وقت ممكن.

ازداد التوتر في الباكستان مع انفجار القضية على الساحة السياسية. وقد ارتبطت شخصيتان مهمتان بالقضية مثل الوزير الكاثوليكي شهباز بهاتي وحاكم البنجاب المسلم سلمان تاسير. دافع كل منهما عن المرأة، واجتمعا معها، وكتبا تقريراً عن قضيتها أرسلاه إلى رئيس الجمهورية آنذاك علي زرداري. في خضم هذا الجدل، قدمت الناشطه الحقوقية الشهيره شيري رحمان مشروع قانون في البرلمان لتغيير قانون التجديف.

وردت الجماعات الإسلامية الراديكالية بعنف، إذ قتل الإرهابيون السياسيين الإثنين في عام 2011 (لازال قتل بهاتي من دون عقاب ووصلت لجنة التحقيق إلى طريق مسدود)، في حين كانت حياة السيدة رحمان في خطر. تم تعيينها فيما بعد سفيرة للولايات المتحدة وبعد وقت قصير غادرت البلاد. أصدر إمام من بيشاور فتوى وضعت مكافأة لمن يقتل آسيا، واعداً مكافأه سخية لمن يتمكن من قتل المرأة "المجدفة". صارت آسيا بيبي رمز وموضوع الخلاف الديني الذي ستخسره بالتأكيد، في حين أن الحقيقة ستكون دائماً ذات أهمية ثانوية.

عقب هذه الأحداث المؤلمة، يوضح برنارد عنايت، وهو كاهن من لاهور ورئيس تحرير المجلة المسيحية (التي تنشر في البنجاب، باكستان) لموقع فاتيكان إنسايدر أن "العديد من الأبواب قد أغلقت أمام آسيا بيبي". ويشير إلى أن الأهمية الرمزية للقضية "لا تساعد في العثور على حل".

أصرّ بول بهاتي، شقيق الوزير المغدور، على أهمية الحفاظ على عدم إبراز القضية. فقال: "إن السبيل الوحيد لإنقاذ آسيا هو الابتعاد عن الأضواء في هذه القضية، وتمريرها كحالة قانونية مثل أي قضية أخرى وبتجريدها من أي أهمية رمزية في المعركة من أجل الحرية". وكما قال بهاتي في عدد من المناسبات أنه مع أن نفوذ أوروبا والغرب مؤثر إلا أنه غير ذي تأثير في باكستان. هذا هو السبب في انقضاء أربع سنوات منذ النطق بالحكم وجلسة الاستئناف. نعم أنها أربع سنوات لكنها ربما ساعدت في تبريد الأجواء.

إلا أنها كانت محاولة فاشلة ويعود ذلك أساساً إلى حقيقة أن منظمة بعد منظمة -سواء باكستانية وأجنبية– أدلت بدلوها في قضية آسيا، مما أدى إلى تخريب الخطة بأكملها. لقد صارت آسيا "الأوزة التي وضعت البيضة الذهبية". ففي الوقت نفسه الذي كانت آسيا بيبي تذبل في السجن كان عليها أن تتحمل التكهنات المؤلمة حول معاناتها. قال عارف، وهو ناشط كاثوليكي في لاهور، لفاتيكان إنسايدر: "إن عدداً كبيراً جداً من المنظمات غير الحكومية تقدم نفسها باعتبارها أنصار آسيا وعائلتها وذلك بإطلاق حملة جمع التبرعات إلا أنه لا أحد يعرف أين مصير هذه الأموال".

هناك العديد من المنظمات التي تدعي أنها من أنصار آسيا. فمن بين العديد في باكستان، هناك مؤسسة مسيحي، ومؤسسة جون جوزيف، ومركز المساعدة القانونية، والجمعية الإنجيلية للتنمية القانونية. وفي خارج باكستان هناك CitizenGo، Hatze وOIR، والإصدار الدولي، والأبواب المفتوحة، وصوت الشهداء، والقلق المسيحي الدولي، والجمعية المسيحية الباكستانية البريطانية. وتبرز جماعات أخرى مثل الحريه لآسيا بيبي، وأنقذ آسيا بيبي على شبكة الإنترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي. ومنها -كما يقول جوزيف نديم، من مؤسسة التعليم النهضوية، التي تعمل على ضمان استمرار تعليم الأطفال في آسيا ومركزها في لاهور- "أن مؤسسة جون جوزيف هي التي تقدم الدعم المستمر لعائلة آسيا منذ عام 2009".

لم يكن لاستمرارية بقاء القضية في دائرة الضوء أي تأثير إيجابي. وفي حديث لفاتيكان إنسايدر، يقول الكاثوليكي خليل طاهر سيندهو -الذي كان واحداً من محامي الدفاع عن آسيا ويشغل حالياً منصب الوزير الإقليمي لشؤون الأقليات وحقوق الإنسان- إنه طوال حياته المهنية، دافع بنجاح عن العديد من حالات التجديف" حيث حصل خلالها على 37 تبرئة للضحايا من المسيحيين". فحالة آسيا تتعلق بالكشف عن الاتهامات الملفقة، في حين تم حل جميع هذه الحالات "بعيدا عن الأضواء".

اختار أساقفة الباكستان التعامل مع القضية باللجوء إلى أسلوب "عدم العلانية" و"السرية". ووفقاً لسيسيل شين شودري، المديرة التنفيذية للجنة الوطنية للعدالة والسلام، فإن الدبلوماسية هي الطريق الصحيح وليس جعل الناس يرفعون أصواتهم في الشوارع. هذا هو السبيل لإنقاذ آسيا بيبي.

"فمنذ أن أصبحت قضية آسيا بيبي معروفة في جميع أنحاء العالم، بدأت الجماعات الإسلامية المتطرفة تعمل بشكل أكثر قسوة. وأظهرت خبرتنا الواسعة أنه في الباكستان أنه عندما تتحول القضية إلى أعمال شغب بين القوى الراديكالية والليبرالية يصير كل شيء أكثر تعقيداً. وأعتقد أنه من الأفضل للكرسي الرسولي أيضاً تقديم المساعدة الدبلوماسية ويتوارى عن الأنظار، من دون الإدلاء بأي مناشدة لآسيا بيبي".

في تصريح لفاتيكان إنسيدر، علّق جوزيف نديم، الذي كان يعمل لدى أسرة آسيا: "إن أية مناشدة قد تصدر من البابا ستسبب لنا ببعض المشاكل في الوقت الحالي. دعونا نتذكر الطريقة العنيفة التي رد فيها الأصوليون على كلمات بندكتس السادس عشر. نحن ندرك أن البابا فرنسيس قريب منا. ولكن أية مناشدة علنية تصدر عنه -على الرغم من أنها بحسن نية- لن تضمن المساعدة السلامة في الإفراج عنها. بدلاً من ذلك يجب أن نثق بالدبلوماسية كسلاح".

لدى الراهب فرنسيس نديم، رئيس مجلس الأديان في لاهور، إحساس بالوضع فيما يخص العلاقات الإسلامية المسيحية، إذ يقول: "إن استغلال معاناة المسيحيين الباكستانيين لأي سبب كان، هو باعث على الأسى"، كما يشير إلى "إن عقلية الأصوليين الإسلاميين والأوروبيين المعتدلين هي بعيده كبعد السنة الضوئية. فمسيحيو باكستان يدفعون ثمن غياب القيادة السياسية في البلاد. إننا نطلب من البابا الصلاة من أجل كل الذين يتعرضون للاضطهاد".