موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ١٣ مارس / آذار ٢٠١٩
يوم المرأة.. بدلاً من استيراد المفاهيم

بلال حسن التل :

قد يكون لدى الغربيين مبرر لتخصيص يوم في السنة لتكريم المرأة التي قامت حضارتهم على احتقارها وعدم الاعتراف بإنسانيتها وبشريتها, فهي عندهم كما قال توما اللاكويني «خطأ من الطبيعة تولد من حيوان منوي في حالة سيئة» وهي عندهم كما قال سيفموند فرويد «لاتصلح إلا لإشباع الرغبات» وهي عندهم كما قال تشوبينهاور «حيوان طويل الشعر وقصير الفكر». وفي ظل هذه النظرة التي روج لها فلاسفة وعلماء الغرب عن المرأة لم يكن مستغرباً أن يقدم أحد أصحاب مصانع النسيج في أميركا على إغلاق أبواب مصنعه على النساء العاملات فيه ليحرقهن فيه وكان عددهن 129 امرأة قضين حرقاً فقط لأنهن طالبن بتحسين أجورهن, كان ذلك في 8/3/1908 الذي صار يوماً عالمياً للمرأة, يروج له في بلادنا سماسرة التمويل الأجنبي وإخلاص الغزو الثقافي دون التدقيق في دلالاته, التي تتناقض مع قيمنا الدينية والحضارية تناقضاً جذرياً.

أول التناقضات بيننا وبينهم هي أننا نؤمن بأن المرأة مثلها مثل الرجل هما أصل الوجود البشري, وأنه بدون المرأة لا يمكن استمرار هذا الوجود, لذلك فنحن لا نؤمن بأن المرأة خطأ طبيعة أو أنها لا تصلح إلا للرغبات, ففي حضارتنا كانت المرأة شريكاً أساسياً في كل شيء في هذه الحياة فبمال خديجة تم تمويل حركة التحول الحضاري التي انبثقت مع انبثاق الإسلام, ومارست أسماء بنت أبي بكر العمل الاستخباري في التغطية على هجرة رسول الله من مكة إلى المدينة, وقاتلت أم عمارة دون رسول الله وحمته في غزوة أحد, وأشارت أم سلمة في صلح الحديبية على رسول الله فأخذ برأيها, وهو الرأي الذي سرى على جميع المسلمين الذين قال لهم رسولهم «خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء» يقصد أم المؤمنين عائشة التي خرجت ذات يوم على رأس جيش معبرة عن موقف سياسي, وسار في جيشها صحابة كبار لم يروا في خروجهم بقيادة امرأة ما ينقص من رجولتهم أو مكانتهم, وفي عهد عمر بن الخطاب تم تعيين أول وزيرة تموين في التاريخ هي الشفاء بنت عبدالله العدوية القرشية التي اكتسبت اسمها من مهنتها الأولى وهي معالجة المرضى وكان ذلك قبل الإسلام.

أم بعد الإسلام فقد كانت من الذين هاجروا إلى الحبشة فللمرأة في حضارتنا حرية الاعتقاد وحرية الدفاع عن اختيارها العقدي, أما اسم الشفا الحقيقي فهو ليلى وقد كانت تجيد القراءة والكتابة لذلك كلفها رسول الله بعد الهجرة بتعليم النساء القراءة والكتابة فكانت أول معلمة في الإسلام فالعلم في حضارتنا يليق بالمرأة لذلك كان في تاريخنا شاعرات وفيلسوفات وعالمات في مختلف المجالات, وكل ذلك يثبت أننا نؤمن بأن المرأة تصلح لتصريف كل شؤون الحياة, وليس «إشباع الرغبات فقط» وحتى في هذه فإن المرأة شريك وليست متاعاً, لذلك بني الزواج عندنا على الإيجاب والقبول وعلى شرط الكفاءة وهي هنا تشمل الكفاءة الاجتماعية والنفسية والفكرية والجسدية والاقتصادية.

وعند شرط الكفاءة يجب أن نتوقف لنقول إن حضارتنا بنيت على أن المرأة كفؤة لكل تصاريف الحياة, لذلك تتشارك مع الرجل في أصل الوجود وفي التكاليف وفي الثواب والعقاب وجميع ذلك واضح في النص القرآني والنبوي وفي التطبيق العملي في عصور ازدهار حضارتنا, التي يجب أن نسعى لاسترجاعها بدلاً من أن نستورد مفاهيم أدت إلى حرق النساء, ثم التكفير عن ذلك باحتفال سنوي لا يسمن ولا يغني من جوع, لأن الأصل أن البر بالمرأة أماً وأختاً وزوجة وبنتاً عبادة على مدار العام.

(الرأي الأردنية)