موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ٢٩ يناير / كانون الثاني ٢٠١٣
هل جميع الأديان متساوية؟

المونسنيور جاك بييري- Aleteia :

ان كان الإيمان المسيحي صحيحاً، فهل الأديان الأخرى باطلة؟ هل جميع الأديان متساوية؟ وفقاً لأي معايير يجب اختيار الدين؟ السؤال الأول فخ. إن جاء جوابكم إيجابياً "أجل، كل الديانات الأخرى باطلة"، فهذا يعني أنكم متعصبون. وإن أجبتم سلباً عن السؤال الأول، يُشتبه بأنكم أجبتم سلفاً بالإيجاب عن الثاني: "كل الديانات متساوية". إذاً، لماذا أنتم مسيحيون؟

هذه المسألة كانت من بين المسائل الأكثر مناقشة في المجمع الفاتيكاني الثاني، والمجادلة في هذا الصدد لم تنته. وكانت مادة وثيقة قصيرة وإنما ذي أهمية تاريخية هي الإعلان حول علاقات الكنيسة مع الديانات غير المسيحية، Nostra aetate (في زماننا هذا) بعنوانها اللاتيني. نحن هنا بصدد العلاقة مع الديانات غير المسيحية التي تؤدي إلى الحوار بين الأديان، وليس أمام العلاقة مع مختلف الطوائف المسيحية التي تحصل في الحوار المسكوني. لا بد من دحض الإجابتين المتطرفتين. إن كانت الديانات الأخرى باطلة كلياً، فهناك خطر تعصب، لا بل خطر عنف: للأسف، تظهر الأحداث الراهنة أن هذا الخطر ليس وهمياً. إن كانت كافة الأديان متساوية، فهذا يعتبر انتصاراً لنسبوية بلا طعم ولون. لا بد من اليأس من الحقيقة: هل هذا يليق بالإنسان؟

في مجال مهم أيضاً، يجب عدم الوقوع في النزعة التبسيطية للألعاب المتلفزة: بحسب إجابتكم "الإيجابية" أو "السلبية"، تربحون أو تُستبعدون.

لا بد من الحذر من الأدلة الكاذبة. في ما يخص الحقيقة، في بعض الحالات، يمكن تقديم إجابات إيجابية أو سلبية جازمة. يقول يسوع: "فليكن كلامكم نعم نعم، ولا لا". سيقول المسيحي: نعم، يسوع هو المسيح، ابن الله الذي قام من بين الأموات يوم الفصح. كلا، بوذا أو محمد لا يمكن وضعهما في مستوى يسوع. لكن هذا ليس سبباً للازدراء بالبوذي الذي يبحث عن التحرر مما يرهقنا، أو المسلم عندما يعلن وحدانية الله. حتى في العلوم المضبوطة، يمكن التسليم بأن بعض الحقائق جزئية. بالأحرى في "العلوم" البشرية.ويمكن للصورة أن تكون واضحة نوعاً ما، ولمحطة إذاعية أن تكون مشوشة نوعاً ما. يعلن المجمع الفاتيكاني الثاني: "الكنيسة الكاثوليكية لا تدحض أياً مما هو صحيح ومقدس في الديانات. وتنظر باحترام صادق إلى أساليب العمل والعيش، والقوانين والعقائد التي وإن اختلفت في نقاط عدة مغايرة لما تحفظه وتقترحه، إلا أنها كثيراً ما تحمل شعاعاً من الحقيقة التي تنير جميع البشر". (NA 2).

على غرار آباء الكنيسة، يجد المجمع الفاتيكاني الثاني في "الأديان" "تحضيراً إنجيلياً" على الرغم من أن الانحراف ممكن دوماً بسبب الخطيئة.

الله هو خالق الكون، وإنما بشكل خاص خالق البشرية جمعاء. الإنسان خلق على صورة الله ومثاله، يقول سفر التكوين في فصوله الأولى التي تعني البشرية جمعاء وليس فقط شعب إسرائيل. على الرغم من الخطيئة، تبقى آثار من ذلك لدى كل إنسان، وتجعله راغباً في إيجاد الحق وفعل الخير. "لقد جئت معيناً لكل البشر ليبحثوا عنك ويجدوك" (صلاة قربانية رقم 4).هذا البحث لا يخلو من الخطأ. فقد يؤدي إلى نتائج مضلة: القتل باسم الله. وتأتي ردة فعل العهد القديم معارضة لذلك. كذلك، قد يتجه إلى عبادة الأوثان أي اتخاذ مخلوقات عادية كآلهة أو تصور الآلهة كبشر مع رذائلنا أيضاً: إنه العالم الوثني الذي بدأت فيه الكرازة بالإنجيل.البحث عن الله قد يتوقف أيضاً عند العتبة مستبعداً "الإلهي" إلى المجهول أو المبهم، "الإلهي". في أثينا، هنأ بولس اليونانيين لتشييدهم مذبحاً لـ "الإله المجهول". من الواضح أنه كان يرى في ذلك "تحضيراً إنجيلياً". للأسف، عندما بدأ بإعلان جِدة الإنجيل، هزئ منه المستمعون إليه. فالتحضيرات لا تنتهي دوماً بالنجاح.

"أنت الإله الحق وحدك"، يقول يسوع المسيح خلال مخاطبته الآب. الله حري بالثقة. يمكنني الاعتماد عليه. هو الخالق والمخلص. خالق ومخلص الجميع.

لا نستطيع التعرف إلى أحد ما إلا إذا ظهر وعرف عن نفسه. الأشياء تظهر ذاتها سلبياً. لكي يصبح شخص ما معروفاً، يجب أن يأخذ المبادرة. باللغة المسيحية: يجب أن "يتجلى". وإن كان هذا صحيحاً بين البشر، فكم بالأحرى في حالة الله. الله يظهر نفسه استجابة لبحث الإنسان. الله يتجلى بشكل شخصي مختاراً شعباً صغيراً، شعب إسرائيل ومعطياً إياه شريعة ومرافقاً إياه في تاريخه المشوش. الله يعده بمسيح، مخلص، له وإنما ليس فقط له. منذ إبراهيم، وخلال ألفي سنة، أعطى الله براهينه. إنه أمين، وحري بالثقة. يمكن الاعتماد عليه. يقول ما يعمل ويعمل ما يقول. هو حق.فعل الإيمان يعني القول لله: أنت الخالق، مصدر ونهاية كل وجود بشري وكل الكون. هو ليس إلهاً خاصاً. إنه الأزل. وللجميع مكان في ملكوته.

ينبغي على الجميع بصراحة البحث عن الحقيقة. هذه الحقيقة موجودة. وليست بعيدة المنال. ولكن ما يؤثر في البعض يؤثر أقل أو لا يؤثر أبداً في آخرين. تعلم العقيدة الكاثوليكية أنه ليس من المستحيل أن يعلن البشر أن الله هو الإله الأوحد، والنفس البشرية أبدية. هذا ما فعله فلاسفة يونانيون كثيرون، لذلك تكن لهم الكنيسة تقديراً كبيراً.

لكن الإيمان المسيحي ليس فقط تأكيداً فلسفياً. هو معرفة الله في يسوع المسيح. هذه المعرفة ليست تلقائية. فيها شيء من المجانية لأن الله يظهر نفسه كـ "المحبة". كما تستلزم اهتداءً لأن الإنجيل يدعو إلى أن نحب حتى أعداءنا.وعلى الرغم من أن الإيمان المسيحي يتخطى كل عقل، إلا أنه لا يخلو من الأدلة. لكن الأدلة ليست نفسها بالنسبة إلى الجميع: فمنها التجربة الروحية الشخصية كتجربة القديس بولس (دون الحصان)؛ اكتشاف يسوع من خلال قراءة الإنجيل ("ما تكلم إنسان من قبل مثل هذا الرجل")؛ شهادة قديسي الأمس أو مسيحيي الحاضر؛ الخصوبة الثقافية والاجتماعية للمسيحية، وغيرها.وبما أن السؤال المطروح متعلق بتعددية الأديان، تبين المسيحية حقيقتها بحيث ترحب بكل الثقافات، حتى في بعدها الديني، مظهرة أفضل ما فيها."كل ما نكتشفه من زرع جيد في قلوب البشر وأرواحهم أو في الطقوس الخاصة والحضارات الخاصة بالشعوب، لا يفنى، ويكون مطهراً وسامياً وخالياً من العيب من أجل مجد الله، إرباك الشرير وسعادة الإنسان". (المجمع الفاتيكاني الثاني، النشاط الإرسالي للكنيسة، رقم 9).