موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ٢٣ ديسمبر / كانون الأول ٢٠١٢
ما معنى "دين الدولة هو الإسلام",

جواد البشيتي :

عن "العرب اليوم" الأردنية
,
تَرِد في دساتيرنا (العربية) عبارة (أو مادة، أو بند) قصيرة، مِنْ جِنْس "الكلام الجامِع المانِع"، هي "دين الدولة هو الإسلام"؛ ولقد اعتادت أذهاننا قبول، وتَقَبُّل، هذه العبارة، ومعاملتها على أنَّها "مُسَلَّمة"، تَضْرِب جذورها عميقاً في تربة "المنطق"، ولا ريب، من ثمَّ، في صوابها، عقلياً ومنطقياً؛ مع أنَّ "الواقع" يرتئي رأياً آخر؛ ومع أنَّ "الحقيقة (الموضوعية)" هي كل "فكرة" يؤيِّدها، ولا يدحضها، "الواقع"؛ فهل لهذه "العبارة" من الوزن بميزان "الحقيقة الموضوعية" ما يجعلها مِنْ جِنْس "الحقائق الموضوعية"؟

ثمَّة "إشكال منطقي"؛ وأحسبُ أنَّ بعضاً من أسبابه يكمن في مفهوم "الدولة"، أو في فَهْم معناها؛ فكثيراً ما يُساء الفهم، فَتُفْهَم "الدولة" على أنَّها صنو "الأُمَّة (أو الشعب، أو المجتمع)"؛ مع أنَّ "الدولة"، في عصرنا، هي، في المقام الأوَّل، وعلى وجه العموم، "الدولة متعدِّدة القومية (والعرق)"؛ وليس ممكناً، ولا واقعياً، من ثمَّ، أنْ نُطابِق بين المفهومين (مفهوم "الدولة" ومفهوم "القومية") أو أنْ نظل مستمسكين، متشبثين، بمفهوم "الدولة القومية الخالصة (أو الأحادية القومية)". إنَّ "الدولة"، في مفهومها الواسع، الفضفاض، والليبرالي، تشمل "السكَّان (أو المواطنين)"، و"الإقليم (الأرض)"، و"هيئات (ومؤسَّسات) الحُكْم"؛ لكنَّني لا أرى في هذا "المفهوم" من "العِلْمية (أو من "الحقيقة الموضوعية")" ما يَحْملني على أنْ أعْدِل عن "المفهوم الماركسي" لـ "الدولة"، أو أرتاب فيه. "الدولة" ليست زيدا، ولا عَمرا؛ وليست هذه الجماعة (البشرية) أو تلك؛ إنَّها "شخصية (أو هيئة) اعتبارية (أو معنوية)"؛ وأنتَ يكفي أنْ تَفْهَم "الدولة" على حقيقتها هذه، أيْ على أنَّها "شخصية اعتبارية"، حتى يَسْهُل عليكَ، ويتيسَّر، نَزْع "الصِّفة الدِّينية" عن "الدولة"، أيْ عن أيِّ دولة.

إنَّني أصِفُ "عَمرا" بأنَّه "مُسْلِم"؛ وهذا إنَّما يعني أنَّ "هذا الشَّخص" يتَّخِذ "الإسلام" ديناً له، ولو كان "مُسْلِماً" من "طريق الوراثة"، أيْ لكوْن والده (أو والديه) مُسْلِماً؛ لكن، هل من "إيمان ديني" لا يُتَرْجَم، عملياً، بشعائر وطقوس وعبادات وفرائض..؟

كلاَّ، ليس من "إيمان ديني" مجرَّد من "ممارَسة له"؛ فهذا الشخص "عمرو" مُسْلِم؛ لأنَّه ينطق بالشهادتين، ويُصلِّي، ويصوم، ويزكِّي، ويحجُّ البيت (إذا ما استطاع إليه سبيلا).

ولأنَّه يؤدِّي هذه "الفرائض (والشعائر والطقوس والعبادات..)"، أقول "إنَّ الإسلام دينه"؛ فهل "الدولة (وبصفة كونها شخصية اعتبارية ومعنوية)" تؤدِّي، أو يمكنها أنْ تؤدِّي، هذه "الفرائض"، أو بعضاً منها، حتى أقول، أو حتى أقول عن صواب، "إنَّ الإسلام دينها"؟!

إذا رَأَيْتَ "دولة" تتوضأ، وتُصلِّي خمس مرَّات في اليوم، وتصوم رمضان، وتُخْرِج زكاة أموالها، وهي التي لا تملك مالاً خاصَّاً بها، وتَحُجُّ البيت، فعندئذٍ، وعندئذٍ فحسب، يُمْكِنكَ، ويحقُّ لكَ، أنْ تقول "إنَّ لها ديناً، وإنَّ دينها الإسلام". إنَّكَ تستطيع أنْ تقول، وعن صواب، إنَّ الإسلام هو دين سُكَّان، أو مواطني، هذه الدولة، أو إنَّه دين "غالبية مواطنيها"، أو دين "أقلية" منهم؛ أمَّا "الدولة"، وبصفة كونها "شخصية اعتبارية"، فلا دين لها. أقول هذا، وأقول به، حتى لا يعتري مفهوم "الدولة" فساد (أو خلل) منطقي؛ فإذا كانت "المواطَنَة" هي قوام "الدولة"، وإذا كانت "المواطَنَة"، في معناها الجوهري، هي "تساوي المواطنين جميعاً في الحقوق جميعاً"، فهل يبقى من تَماسُكٍ في المنطق إذا ما قُلْنا، بعد ذلك، "إنَّ دين الدولة هو الإسلام"؟!

"الدولة (كالوطن)" هي لمواطنيها جميعاً، وبصرف النَّظر عن دين المواطِن، أو قوميته، أو عرقه، أو جنسه، أو لونه، أو طبقته، أو لغته الأُم، أو مسقط رأسه؛ فصفة "المواطَنَة" لا تَعْلوها أي صفة أخرى للمواطِن في "دولة المواطَنَة"، التي لا دولة غيرها في القرن الحادي والعشرين.

لا دولةَ لها دين، ولا دينَ له دولة؛ لا دولةَ يحقُّ لها أنْ تدين بدينٍ، ولا دينَ يحقُّ له تَمَلُّكَ دولة. "الدولة" لـ "الجميع"، أيْ لمواطنيها كافَّةً؛ والشيء يكفي أنْ يكون ملكاً للجميع حتى لا يكون ملكاً لشخصٍ بعينه؛ وليس من معنى، أو من منطق، لعبارة "الدولة لمواطنيها جميعاً" إلاَّ إذا عَنَت أنَّ أحداً من مواطني الدولة لا يملكها، ولا يحقُّ له أنْ يملكها.

أمَّا "الدولة المُشوَّهَة ـ المُشَوِّهَة" فهي التي يُحْكِم رجال الدين قبضتهم عليها، أو تُحْكِم هي قبضتها على رجال الدين؛ فـ "علمانية الدولة" إنَّما تعني تحرير كلا الطرفين من قبضة الآخر، أيْ تحرير الدولة من قبضة رجال الدين، فلا تديين للسياسة؛ وتحرير رجال الدين من قبضة الدولة، فلا تسييس للدين.