موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأحد، ١٧ مارس / آذار ٢٠١٩
لعنة الإرهاب ووجع خطاب الكراهية الدامي

د. أماني غازي جرار :

انه وجع العالم اجمع، وجع كل من عانى من ارهاب الفكر وخطاب الكراهية.

نعيش اليوم حالة من الذعر، لما نلمس من عنف بشتى الاشكال وارهاب بكافة السبل . ويشهد عالمنا المعاصر حالة مزرية من الفوضى واللاإنسانية، يسوده جو من انتشار العنف وحالات الارهاب الفكري وبث لخطاب الكراهية بشتى اشكاله . ولا خلاف بين الأسرة الدولية على اعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً.

ولعل أكثر ما يعزز تلك الحالة ضعف الاخلاقيات ومستوى المهنية وتراجع القيم التربوية في مجتمعاتنا عموما . والراصد لأحوال عالمنا الانساني بأسره يرى اننا اليوم نعيش حالة من الذعر والعنف والارهاب بشتى الاشكال. وقد تختلف وكالات الأنباء في الاشارة للمفهوم لتعني أي عمل يستخدم العنف ، ويمكن القول ان كافة العمليات الإرهابية غير مشروعة بالمعنى الانساني. وقد تحولت بعض الادارات عن استعمال مصطلح الحرب على الإرهاب واستعاضت عنه باستعمال "الصراع الدولي ضد التطرف العنيف". وبغض النظر عن التسميات وأبعاده الايديولوجية او السياسية ، فإن هذا النوع من الحرب هو أمر مثير للجدل ولا بد ان تتعزز جهوده . وقد اختلف الأكاديميون والسياسيون في تعريفه ،ولكنه بصورة عامة يستخدم لوصف أساليب تهدد الحياة.

ومما سبق ذكره ، نجد أنه لا خلاف بين الأسرة الدولية على اعتبار الإرهاب الدولي بكل أشكاله جريمة مدانة قانوناً وأخلاقاً. ويمكن تعريف الإرهاب بذلك أنه الاستخدام المدروس للعنف ، أو التهديد بالعنف لتحقيق أهداف ذات طبيعة سياسية أو دينية أو عقائدية عن طريق الترهيب أو الإكراه أو بث الخوف . فقد ترعى بعض الدول والجماعات الإرهاب ، لإثارة الفزع وتحقيق مصالحها الخاصة ؛ وهو وباء ينشره مفسدون معادون للحضارة والإنسانية ، بحيث تعود فيها إلى جذور البربرية. أما العلاقة بين العنف السياسي والإرهاب فيكمن في كون الأول وسيلة أو أداة، بينما الإرهاب هو ناتج العنف . ويمكن القول ان خطاب الكراهية يوفر بيئة محفزة للعنف و الارهاب . ولمواجهة خطاب الكراهية يجدر بمؤسسات المجتمع الانساني الكبير والدولة و المجتمع المدني ان تسعى معا لتعزيز خطاب التسامح والمحبة والسلام .

ولعل حل هذه المعضلة المتفشية هذا اليوم يكمن في محاولة حل مشاكل مجتماعاتنا بطرق إيجابية تتطلب حماية حقوق الانسان والاهتمام بالتربية الأخلاقية والانسانية .

فالقضية بداية تكمن في جوهر العملية التربوية وبالتالي دور المؤسسات المعنية بخلق مواطن عقلاني اخلاقي واع وفاضل يؤمن بالديموقراطية والحوار كأساس للتفاهم البشري وتقبل الاخر، وينبذ العنف و يعزز قيم المحبة والسلام والتسامح بعيدا عن الكراهية لأخيه الانسان مهما اختلف معه في الفكر والدين والاعتقاد . فالمواطن الذي نريد بناءه هو ذلك الايجابي الذي يهتم بمستقبل الاخوة الانسانية وبالوطن والإنسان ، ويرفض خطاب الكراهية حيثما يبرز ، وبغض النظر عن أية تحديدات عرقية او مذهبية او فكرية او قطرية ، فهو مواطن ينتمي للبشرية جمعاء ويحافظ على الارض ويسهم في بناء و إعمار كوكبنا الام.

وهنا يأتي دور وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والثقافة والشباب والتنمية السياسية و الإعلام التي يقع عليها عاتقها التربية الانسانية بالمعنى الانساني الشامل.

أما ما نعيشه اليوم من ضحايا خطاب الكراهية والإرهاب الفظيع ، كل ذلك يشكل الأساس لما علينا أن نغير حاله لخير البشرية ، ولعل خير وسيلة لذلك ممارسة فن الحوار، فالحل للخلاص من ذلك هو فتح قنوات الحوار لتصبح لغة عالمية من اجل التفاهم الإنساني المنشود . علينا إذا التحاور حول المسائل المتعلقة بالاختلافات الثقافية والفكرية والايديولوجية في إطار من المساواة والاعتدال والوسطية واحترام حقوق الإنسان والتسامح الديني باعتباره مدخلاً حكيماً وأخلاقياً للحوار بين الثقافات .

ولعل الطريق للسعي نحو السلام والسعي إلى مطاردة من يشكل تهديداً للسلام كخطوة أولى ، وكما اعتقد الفيلسوف نعوم تشومسكي ، فقد تكون الحرب ضد الإرهاب بتخليص العالم من مرتكبي الشرور وعدم السماح لبلاء الإرهاب الشرير بالبقاء . ولعلني أجد هنا المحرك الأساسي الكامن وراء ظاهرة الإرهاب في العالم المعاصر بروز حالة من الرغبة في التصفية لأسباب سياسية قد تعود لجذور أهمها التعدي على الاخر بأي حجة كانت ، وعدم تقبل الاخر من منطلق الاختلاف العقائدي مثلا او العرقي،وغياب لتربية ديموقراطية وحماية لحقوق الانسان . ومن هنا فإن القيم الإنسانية هي أساس الحوار والتفاهم الإنساني في عصر التطرف . وفي الوقت الذي يمكننا فيه حل الصراعات بالطرق السلمية ،و التغيير المؤسسي الإصلاحي وحماية حقوق الإنسان ، نجد الافراد الاقل عقلانية والابعد عن القيم الاخلاقية يلجأون الى العنف وبث خطاب الكراهية . وهذا يتطلب جهداً جماعياً للتعامل مع خطاب الكراهية الذي يسيطر على ذهنية الإنسان المشوه العقل والوجدان .

ولإحداث النقلة النوعية المطلوبة من حالة الهمجية والبربرية والكراهية التي نعيشها للأسف نحو القيم الانسانية الحقة ، نحتاج كبشر إلى إحداث تغيير جوهري في التركيبة الفكرية لنا كأفراد وجماعات . نحن بحاجة ماسة لخلق الفكر البنائي والثقافة التنويرية العقلانية الإنسانية الرافضة للعصبية والتطرف والعنف والكراهية . وللتغلب على ثقافة الكراهية ،علينا كأفراد بداية الخروج من حالة الأنا المنغلقة القسرية الرافضة للآخر ، والتأكيد على غرس وتعزيز ثقافة أكثر تحضرا وإنسانية ، ثقافة ترفض كل محاولة لمحو الرأي الاخر المخالف لنا بصورة لاأخلاقية ولاانسانية. هكذا نحارب جذور الارهاب الفكري ، هكذا نحارب لعنة الارهاب ووجع خطاب الكراهية الدامي!

(الدستور الأردنية)