موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٢ يوليو / تموز ٢٠١٧
كيف ينظر إلى مصر ما بعد زيارة البابا فرنسيس التاريخية؟

بقلم: كريستينا أوغوتشيوني ، ترجمة: منير بيوك :

<p dir="RTL">تظهر صورة اللوحة الإعلانية التي تم إعدادها لزيارة البابا فرنسيس إلى القاهرة، الحبر الأعظم مع الإهرامات في الخلفية، وبجواره حمامة تحلق رمزًا للسلام. وبعد الزيارة، تم استبدال تلك الصورة بأخرى تظهر فرنسيس يعانق السلطان، وفي الجزء السفلي، البابا يحتضن أحمد الطيب، شيخ جامعة الأزهر. إن الإعلان المشترك الذي وقعه فرنسيس والبابا تواضروس الثاني، والاحتفال بأعظم قداس إلهي في تاريخ مصر الحديثة، الذي تم بثه حيًا وتابعه بذلك العالم الإسلامي كله، يشكل إنجازات عظيمة، ولكنه إنجاز صغير بالمقارنة مع ما حدث بعد زيارة البابا فرنسيس. فالصور السابقة واللاحقة تروي الكثير عن هذا التغيير. &quot;إن رموز الصورة الأولى -اللباس الأبيض، والحمامة، والأهرامات- تتغير في الصورة الثانية إلى شخصين يحتضنان بعضهما البعض كتعبير عن المودة. لم يعد اللقاء بين فرنسيس والسلطان حقيقة تاريخية مفصولة عن الحياة اليومية. فهي تعود حية وحاضرة ببعد حقيقي في حياة المواطنين المصريين&quot;. لقد وصف الأستاذ وائل فاروق، مصر اليوم، وهو مصري مسلم، مؤلف للعديد من المقالات وأستاذ معاصر&nbsp; للمسلمين والناطقين بالعربية في الجامعة الكاثوليكية في ميلانو. كما عمل بالتدريس في الجامعة الأمريكية بالقاهرة ونيويورك.</p><p dir="RTL"><strong>بابا محبوب</strong></p><p dir="RTL">يتحدث الأب جيوسيبي سكاتولين الكومبوني، معلم التصوف الإسلامي في معهد بيساي البابوي في روما ومعهد دار كومبوني بالقاهرة، عن زيارة البابا فرنسيس للقاهرة فيقول: &quot;لقد كانت لزيارة البابا صدى إيجابيًا للغاية في الصحافة الوطنية، فالشعب المصري يحب فرنسيس. كان اللقاء بين أعلى ممثلي المسيحية والإسلام السني حدثًا هائلاً. فقد جعل الناس يدركون أن الزعماء الدينيون يجتمعون ويرحبون ببعضهم بعضًا بكل تقدير. وهذا سيؤدي إلى مواقف الخير المتبادل بين المسيحيين والمسلمين، كما يشجع على زيادة التعاون بينهم. إن رفض جميع أشكال العنف المرتكبة باسم الله، التي أعرب عنها الزعماء الدينيون في مؤتمر السلام الذي تم عقده بالأزهر، هو عمل بالغ الأهمية نظرًا لوجود حركات أصولية تدعي الحق في تفسير الإسلام وتسعي للتأثير على العالم الاسلامي باستغلال الدعاية&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>نتائج قصيرة الأجل</strong></p><p dir="RTL">في وصف تأثير زيارة البابا فرنسيس على الشعب المصري، يستشهد البرفيسور فاروق بحالتين رمزيتين: أولاً، طلب مدير مكتبة الإسكندرية أن يتم تدريس الخطاب الذي ألقاه البابا فرنسيس بالأزهر في المدارس الحكومية. وعلاوة على ذلك، &quot;للمرة الأولى تم توجيه الاتهام ضد الإمام الذي قال فيه خطبته الدينية على شاشة التلفزيون أن المسيحيين كفره. هذه الحدت يظهر تغيرًا مستمرًا بين الناس، بما في ذلك المسلمين الذين أخذوا الإمام إلى المحكمة&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>وعلى المدى البعيد</strong></p><p dir="RTL">وفي حديثه عن الأمور على المدى الطويل، يبرز البروفيسور فاروق أهمية اللقاء بين كنيسة القسطنطينية، وكنيسة الإسكندرية، وكنيسة روما في أرض يعاني فيها المسيحيون من الاستشهاد. &quot;في مصر، لم يناقش فرنسيس اللاهوت الإسلامي لكنه شهد. في بلدي، سقطت العديد من التحيزات لأن البابا قد شهد الوحدة: البابا فرنسيس، البطريرك الأرثوذكسي بارثلماوس، وبطريرك الأقباط الأرثوذكس تواضروس الثاني، قد التقوا كأصدقاء. وقد أظهرت الوحدة المسيحية نفسها للقادة المسلمين: كانت تظاهرة كبيرة من قوة الصداقة الحقيقية بين الناس. كان لهذا اللقاء بين الكنائس المسيحية الكثير لتقوله لجميع المسلمين. فهو يدعم ويشجع الثقة، ويأمل أن تكون الوحدة والصداقة ممكنة. ولهذا السبب، أعتقد أن المستقبل سيحملنا إلى الكثير من المفاجآت المتعلقة بتغيير قلب الأفراد&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>أهمية المدارس</strong></p><p dir="RTL">في معرض التفكير بمستقبل مصر، يأمل الأب سكاتولين أن نبذ العنف باسم الله، الذي تم التعبير عنه بالأزهر، قد يصبح مفهومًا مشتركًا وطرازًا للعقلية الحالية. هذا هو حجر الزاوية في القضية. كما يقول: &quot;إن إدانة استخدام العنف لأمر بالغ الأهمية، ولكنه قد لا يكون كافيًا للتعامل مع الدعاية الأصولية. لذلك، في رأيي، من الضروري العمل على عدة جبهات في آن واحد. من الضروري دعم التعليم: ففي المدارس يتعلم الشباب العيش والتعاون بصداقة ووئام مع بعضهم البعض. على سبيل المثال، لدينا نحن المسيحيون في مصر مئة وسبعين مدرسة، في كل منها حوالي ألف طالب. فهي مختبر للسلام ومثال على التعايش الجيد. وجبهة ثانية هي الدخول في حوار بين الأديان، حوار يؤدي إلى تعميق القيم الأساسية الأربعة المشتركة بين اليهودية والمسيحية والإسلام: الرحمة والحقيقة والعدالة والسلام&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>ثورة ثقافية</strong></p><p dir="RTL">قبل كل شيء، وفقًا للأب سكاتولين، من الضروري أن تشارك ثقافيًا: &quot;للإسلام تاريخ طويل جدًا، مصنوع أيضًا من العنف والاضطهاد والحرب. وأقول دائمًا إن &quot;ليس هناك أحد بريء في التاريخ: لقد ارتكبنا جميعنا أعمال عنف&quot;. ولم يتردد خلفاء بطرس في التعرف على الظلال التي تزن التاريخ المسيحي، وطلبوا بتواضع مغفرة التسامح، والدعوة لتنقية الذاكرة. وفقًا للأب سكاتولين، &quot;يجب على المثقفين المسلمين أن يكونوا أكثر انتقادًا، ولا يكتفوا بمجرد تقديم الإعتذار عند قراءة التاريخ الإسلامي (وهو ما يعني أيضًا تفسيرًا جديدًا ناقدًا للنصوص الأساسية)، وذلك بأن يقروا بالأمر وينأوا بذاتهم عن العنف الذي قد تم ارتكابه. إن ذلك سيشجع على تغيير العقلية. فالعديد من المسلمين لا يعرفون كيفية تكرار أقوال أصوليين عندما يقتبسون أقوالاً من القرآن يبدو منها أنها تشجع على العنف. من وجهة نظري، حان الوقت لإطلاق ثورة ثقافية. وهذا عمل الذي لا غنى عنه بدأ بالفعل، حيث أن العديد من المثقفين قد باتوا مكرسين له، لكنه لم ينتشر بعد في العالم الثقافي المصري&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>نداء إلى العالم الأكاديمي</strong></p><p dir="RTL">ومن هنا جاءت دعوة الأب سكاتولين المزدوجة. فالأولى استهدفت الباحثين المسلمين المقيمين في إيطاليا والأخوة الأقباط في مصر. أما الثانية، فإنها تستهدفت الطبقة الفكرية الأوروبية الرامية إلى تكريم تقاليد الفكر الغربي من خلال تجنب ذرف الدموع على الإسلاموفوبيا أمام أي شخص يأتي من بيئات أكاديمية ذي وجهة نظر نقدية جيدة ومبررة جيدًا للتاريخ الإسلامي. &quot;من الخطأ دائمًا أن نصور التاريخ على أنه مثالي. فأنا العضو المسيحي الوحيد في الجمعية الفلسفية المصرية. وهنا قدمت بحثي حيث ناقضت جزئيًا التفسيرات حول التصوف والصوفية الإسلامية. لم يحتقرني المسلمون، وقد تمت معاملتي دائمًا باحترام وتعاطف&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>دور المثقفين</strong></p><p dir="RTL">ووفقًا للبروفيسور فاروق، فإن البابا فرنسيس، بذكره بأهمية مصر للأديان الثلاثة الكبرى (اليهودية والمسيحية والإسلام) وكيف رحبت مصر بالعائلة المقدسة الهاربة، &quot;قد سمح للمصريين بإعادة اكتشاف بعض أجمل صفحات تاريخهم، متبعًا طريقة مختلفة، وأكثر عمقًا، في إدراك علاقات المسيحيين والمسلمين. أما بالنسبة للفئة المثقفة المسلمة، فأعتقد أنه يجب أن تجد طريقها للخروج من الأزمة، وهي أزمة تتعلق بالاستخدام الحاسم للمنطق الذي ينشأ في نهاية المطاف عن اللقاء بين التقليد الذي نسي أصوله والحداثة. وأنا مقتنع بأنه لا يمكن لشهادة البابا فرنسيس على الإيمان وإيماءات الصداقة والسلام إلا&nbsp; أن تؤدي دورًا مساعدًا. فهي تفسح المجال أمام الطريق.</p><p dir="RTL"><strong>التعايش الطيب</strong></p><p dir="RTL">يستمر الأب سكاتولين في حديثه قائلاً: هناك في المجتمع المصري العديد من علامات التعايش الطيب بين المسيحيين والمسلمين. فالمؤمنون من الديانتين يعملان سويًا ويتعاونان في مختلف المجالات من التعليم إلى الصحة إلى المجالات الاجتماعية الأخرى. وفي هذا الصدد، يقول البروفيسور فاروق: &quot;على الرغم من عقود من الدعاية ضد المسيحيين -التي نشأت في أواخر السبعينات من القرن الماضي عندما هاجر ملايين المصريين إلى دول الخليج، التي تعرف بأنها مجتمعات متشابهة من حيث عدم إقرارها بالتعددية الدينية، في جين منح الرئيس أنور السادات مساحات عامة للإسلاميين- تمكن المصريون من إعادة اكتشاف وحدتهم في ميدان التحرير عام 2011. وقد أوجدت الثورة مساحة للإجتماع بين المسلمين الذين كانوا يميلون إلى نسيان الحب والتعايش العلماني، والمسيحيين الذين كانوا&nbsp; قد تقبلوا فكرة الهجرة أو عزل أنفسهم عن باقي العالم منعزلين وراء جدران الكنيسة. وعلى الرغم من المذابح الإرهابية، فإن العديد من المصريين، يعيدون اكتشاف الخير الناشئ عن الوحدة&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>الهجمات على الكنائس القبطية</strong></p><p dir="RTL">في مصر، لا يزال الأقباط، الذين غالبًا ما يدفعون حياتهم ثمنًا لارتباطهم بالمسيح، يذهبون إلى الكنيسة على الرغم من خطر الهجمات ولا يردون على الشر بالشر، كما يشهدون بشكل لا لبس فيه أن المسيحية ترفض العنف. ويدرك الأب سكاتولين أن &quot;هذا الموقف يؤثر على المسلمين، مما يجعلهم يفهمون أن الأقباط ليسوا أعداء، كما يدعي الأصوليون، الذي لا يرمون إلى معاداة للمسيحية في المقام الأول، لأن هدفهم هو الإستيلاء على السلطة&quot;.</p><p dir="RTL">وبعد الهجمات على طنطا والإسكندرية يوم أحد الشعانين، في التاسع من نيسان، استذكر البروفيسور فاروق كيف أن المسيحيين قد تعاطفوا على شبكات التواصل الاجتماعي مع جميع رجال الشرطة، وجميعهم من المسلمين، الذين قتلوا أثناء حماية البابا تواضروس الثاني الذي كان الهدف الرئيسي للمهاجم في حين كان يحتفل بالقداس الإلهي. &quot;تبرع العديد من المسلمين بالدم، وفتحوا أبواب المساجد لإيواء الجرحى، كما انهمرت دموعهم وهم يخرجون الجرحى من تحت الأنقاض.. لقد سادت إنسانيتهم على دعاية الكراهية، وظل المسلمون والمسيحيون معًا في المستشفى، وفي المسجد، وفي الكنيسة&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>ثراء التنوع</strong></p><p dir="RTL">وبحسب رأي البروفيسور فاروق، فإن الشعب المتدين في الحقيقة ويعيش ويعمل معًا في حالة وفاق يستطيع أن يقدم شهادته إلى بقية العالم على أن التنوع أمر ثمين. &quot;لقد بين فرنسيس أن التنوع ثراء. فالمجتمعات التي يتم فيها إعطاء قيمة للفروق تتمتع بأكبر فرصة للازدهار. وحين لا يحدث ذلك، فإن منطق العنف يسود. إن التعايش بين مختلف مكونات المجتمع لا يشكل قيمة للمسيحيين فحسب، بل للمسلمين أيضًا. إن معرفة الآخرين واحترامهم يجلب فوائد أيضًا للخبرة الدينية وفي الواقع فإن اللقاء، والصداقة، والاحترام يغذون التجربة الدينية لأنها تسمح لنا باختبار تقاليدنا&quot;.</p><p dir="RTL"><strong>التوحيد والعنف</strong></p><p dir="RTL">يشير الأب سكاتولين قائلاً بأن التوحيد يبدو الآن، لسوء الحظ، في الثقافة الغربية المعاصرة -الذي يعتبر منذ فترة طويلة أكثر أشكال الدين تطورًا، كونه أقرب وسيلة لتصور الإلوهية إلى جانب مبادئ العقل- مستبدًا وعنيفًا، في حين أن العلاقة الجوهرية بين العنف والديانات التوحيدية تنتشر بطريقة مفزعة. يدعي بعض المثقفين في الغرب أن الحروب نشأت إلى حد كبير عن التوحيد. هذا أمر زائف. الحقيقة هي أن لا أحد بريء في التاريخ. فأولئك الذين يجادلون بهذا الرأي السلبي للتوحيد يظهرون أنهم لا يعرفون التاريخ، وعلى الرغم من أنهم فخورون بتفكيرهم النقدي الغربي المثبت على أنه غير نقدي تمامًا تجاه الدين.</p>