موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الثلاثاء، ١٣ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
كيف نبني علاقات حقيقية في العالم الافتراضي؟

إسراء الردايدة - الغد :

مع هيمنة العالم الرقمي وارتباطه بشكل موسع بالعالم الحقيقي، أصبح الوقت الذي نخصصه لتلك المنصات التي اجتاحت الانترنت، والعلاقات التي تنشأ خلاله تتوسع يوما بعد يوما، كونها جزءا من شبكة اتصال رقمي وحقيقي في الوقت ذاته.

فكيف يمكن الإبقاء على تلك القنوات مفتوحة وتحويلها لواقع، خاصة أننا نقوم بنشر الكثير عن حياتنا عبر منصات السوشال ميديا، ونبث العواطف والهموم، ويتفاعل معنا معارف كثر، ورغم هذا كله يبقى التواصل البشري مختلفا، ففي العالم الافتراضي يتعزز الفضول وتتطور الرغبة في معرفة الآخرين واللقاء بهم، سواء في علاقات مهنية أو شخصية، وتتقاطع صفات أساسية هي الشفافية والمصداقية والتشابه، فالشفافية تتيح للناس التعرف على بعضها بعضا، والتشابه يعكس الاهتمام بينهم، فيما المصداقية تبني الثقة.

فبناء علاقات حقيقية عبر العالم الافتراضي يكون صعبا أحيانا، خاصة أن مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت جزءا من الثقافة أيضا، لتدخل في كل جوانب الحياة عبر وسائل التكنولوجيا التي لا يتوقف تطورها كل يوم، لتغدو تحديا للأوضاع الراهنة وتسهل بلوغ أهداف لم نحلم بها من قبل، وجعلت العالم قرية أصغر وأقرب وسهلة الوصول للجميع، لأننا بتنا نتحدى الوضع الراهن ونصنع الأمور بأقل الإمكانات ونتواصل مع بعضنا بعضا، ما ولد تنظيما ذاتيا لأهم القضايا العالمية التي غيرت العالم ونظرته إليها.

إلى جانب الدور الكبير الذي لعبته هذه المنصات باختلاف أنواعها في تسهيل بلوغ العولمة ونشرها، وكسر الحواجز الثقافية والتواصل مع الجميع، لأنها ألغت الحواجز كافة وأتاحت الفرصة للجميع بأن يعبر عما يدور بخاطره باختلاف الاستخدامات والتوجهات، فهي أدوات مؤثرة قوية، ولا يمكن تجاهل دورها في التغيير والتأثير.

فمن خلال هذه المنصات، نولي اهتماما للتفاصيل الصغيرة في حياة من حولنا، ونشارك صورنا الخاصة ونوسع دائرة التعارف والتواصل، وهي أيضا متاحة للتحدث عن القضايا العامة والخاصة، فضلا عن دورها في زيادة الوعي، وتسهيل الوصول للمعلومات ونشرها في جميع أنحاء العالم، كما أن هذه المنصات كسرت واخترقت كل الحواجز، لا سيما لمن يخاف من المواجهة المباشرة، فعبر هذا العالم الرقمي الافتراضي نملك خيارات مختلفة للحصول على ما نريد وقول وفعل ما نريد، بدون أن نضطر للتحرك من مكاننا. فكيف يمكن تحقيق هذا في العالم الافتراضي، مع الشفافية والمصداقية وعامل التشابه، التي تسهل بناء العلاقات وديمومتها:

- عرف عن نفسك، بسيرة ذاتية واضحة؛ أي تلك المعلومات التي تشاركها لتكون واضحة، تعكس اهتمامتك وتعبر عنك. لا تكن خجولا ولا تكن وقحا، كن مباشرا، تبادل العواطف وما يميزك بطريقة سلسة وعملية، ولا تشارك الآخرين بتفاصيل أكثر مما ينبغي.

وفيما يتعلق بالحسابات المهنية مثل "لينكد ان"، يجب أن يكون ملف التعريف الخاص بك واضحا يتحدث عن إنجازاتك، بكلمات غير معقدة تعبر عنك، ومحدثا باستمرار، لأن السيرة الذاتية الحيوية تلفت الكثير من أصحاب العمل الباحثين عن كفاءات، وملفك سيكون بمثابة مغناطيس جاذب في حال اعتنيت به بتفاصيل حقيقية تمثلك، وتعكس انطباعا إيجابيا عنك، خاصة أن الانطباع الأول مهم جدا.

- الانخراط في نقاشات، في العالم الحقيقي حين نتواجد في اجتماع أو في جلسة وجها لوجه، تكون التفاعلات مثمرة بين الأطراف كافة، ومفعمة بالحيوية، ينطبق الأمر نفسه حين يتم النقاش من خلف الشاشة، فحين تشارك رأيا يتعلق بقضية ما، يمكن أن تعبر عن رأيك في مجال أنت ملم به، مما يتيح الفرصة للتعرف على أفراد جدد وتفهم طريقة تفكيرهم من خلال الرأي الذي يقدمونه. ومن ثم يمكنك متابعة أولئك الذين وجدت بينك وبينهم توافق فكري وعلمي ومعرفي يلبي ويثري خبراتك، من خلال تحديث المنشورات لتكون حلقة وصل بين الجميع.

ومن أكثر المنصات وأقواها للانخراط في نقاش مع المهنيين مثل التفكير "لينكد ان"، الذي يوفر مجموعات مختلفة تلبي الاهتمامات كافة في شتى المجالات، وتمكنك من التواصل مع مهتمين آخرين بموضوع معين. ما يبني علاقات مهنية تتحول ربما لعملية وصداقة تحترم وجهات النظر، وتتفاعل مع المحتوى الذي يبث من خلال الإعجاب بانتظام والتعليق ومقاسمته مع جهات اتصال خاصة بك أو مجموعات أخرى، وهذا يعزز الامتنان والتقدير بحيث تبني صلة عاطفية وعقلانية كما في العلاقات الحقيقية.

- بناء هوية اجتماعية، حسنا بما أنه عالم افتراضي، يجب أن تقنع الآخرين بأنك تستحق المعرفة على شبكة الانترنت، وهذا يعني بأن يتحدث الآخرون عنك، وأن تركز على ذاتك قليلا، لأن المحادثات عبر الشبكة العنكوبتية ليست طبيعية كما في الواقع؛ حيث يجب أن تبني مصداقية من خلال كلمات الآخرين عنك، والتركيز على الحصول على شهادات، وتوصيات خاصة في المنصات الاحترافية والمهنية، والبحث عن اقتباسات من أفراد عملت معهم.

- في العالم الافتراضي.. كل ما يصدر عنك يسهم في تكوين صورتك الرقمية التي يجب العناية بها، من خلال متابعة التحديثات اليومية، التفاعل، التعليق، فهي تعطي قيمة للطرف الآخر بنيتك في تعميق تلك العلاقة. فكثير من مستخدمي هذه المنصات يصورون أنفسهم دائما في أفضل الأحوال، ولا يعرضون سوى الجوانب الجيدة فقط في حياتهم، محاولين إخفاء السيئة، متناسين أن بناء أي علاقة يتطلب معيارا من الصدق. فالعالم الرقمي يحمل حياة افتراضية، وتحديدا على صعيد المشاعر؛ حيث يعيش الإنسان كينونته الاجتماعية بطريقة غير حقيقية، ما ينجم عنه افتراضات وهمية، فالتواصل الافتراضي يجب أن يكون نوعيا لا كميا، أما الانتقال للفضاء الافتراضي وقياس المشاعر عبره، فذلك أمر بعيد عن المنطقية والدقة والعمق؛ حيث إن العلاقات الإنسانية فيها ضعيفة، وغير مكتملة الأركان، وخالية من المشاعر المتدفقة، وجافة.

فالقدرة على قياس المشاعر عبر تلك المنصات ليس بالأمر السهل، وأحيانا يكون التواصل عبرها "سطحيا وغير حقيقي"، ولإنهاء فكرة أن التواصل لا يعني كلمات ومراسلات رقمية أو ردود فعل وتعليقات تكتب على صفحات الانترنت، تكون الحاجة لبناء جسور أعمق، وإن كانت افتراضية، بمحاولة بناء صورة حقيقية مشابهة للصورة الحقيقية على أرض الواقع وتطبيقها رقميا، بدلا من جعل تلك المنصات حالة تشبه الانفصال عن الواقع، أو حالة نكران ذاتي ووسيلة للهرب من الواقع.

لذا فإن بناء علاقات عميقة مع الآخرين هو التحدي الأكبر في العالم الافتراضي اليوم، ولكنه ليس مستحيلا إن أضفت القليل من "الإنسانية" لهويتك الرقمية.