موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الأربعاء، ٢١ نوفمبر / تشرين الثاني ٢٠١٨
كيف تهدد نشرات الأخبار أطفالنا؟

غدير سالم - الرأي :

توصلت أكثر من ألف دراسة علمية إلى أن التعرض لمشاهد العنف في وسائل الإعلام يزيد من احتمالية السلوك العدواني لدى بعض الأطفال، ويؤدي ذلك إلى تبلد مشاعرهم إزاء العنف ويجعلهم يؤمنون أن العالم أكثر سوءًا ورعبًا مما هو عليه، وفقا للأكاديمية النفسية لطب الأطفال في الولايات المتحدة الأميركية.

وتؤكد هذه الدراسات في مجملها أن الأمر لم يعد مقتصرًا على السؤال القديم: «إن كانت مشاهدة القتل تصنع قتلة، فلماذا لم نصبح نحن قتلة؟» لكن الأمر يمتد إلى تأثيرات نفسية كارثية بعضها على المدى القصير وأخرى لا تظهر إلا بمرور الوقت.

وأكدت أبحاث عديدة أن مشاهد العنف التي تعرضها وسائل الإعلام تحمل تأثير سلبي على صحة الطفل النفسية، فقد تنتج ميلاً إلى السلوك العدواني في مرحلة النضج ما يجعله أقل تعاطفاً مع معاناة الآخرين، وكذلك قد تسبب الخوف والهلع من المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، ما يجعله يفقد الشعور بالأمان والذي يعتبر من أهم الاحتياجات النفسية في مرحلة الطفولة التي تعتبر مرحلة مهمة تكتسب خلالها العادات السلوكية والاجتماعية وتؤثر أثرًا كبيرًا في شخصيته مستقبلًا.

تقول «أم أحمد» وهي -أم لثلاثة أطفال- :» بمجرد عودة زوجي من العمل يقوم بقلب محطات التلفاز من برامج الكرتون التي يشاهدها أبنائي إلى نشرات الأخبار التي تمتد إلى الساعة الواحدة مساءً، فهو لا يمل مشاهد الدمار والعنف التي تعرضها هذه النشرات، وبالطبع أطفالي يشاهدونها معه ويراقبون هذه المشاهد بصمت حتى كادوا يجزمون أن العالم من حولهم لا يحوي إلا الدمار والقتل».

وتابعت: «هذه المشاهد جعلت منهم أطفالاً عدائيين مع بعضهم ومع غيرهم، وأصبحوا معتادين على هذه المشاهد ولا يخافوا منها كما كانوا بالسابق، رغم أني أحاول أن أبعدهم عن هذه المشاهد لكنهم يعودوا لمشاهدتها وكأنهم ينظرون إلى أفلام كرتون محببة لديهم، حتى أن معلمة أحدهم شكت من أنه لا يرسم إلا جنود ودبابات ودماء وأشخاص مقتولين، وهذا بالطبع تفريغ للكبت النفسي بداخله، وللأسف لا أعلم ما أفعل معهم؟».

ووفقاً لما تقوله الأخصائية النفسية الأستاذة في الجامعة الأردنية الدكتورة لطيفة دردس: «إن كثرة تداول الأخبار والقصص والصور التي تنطوي على خوف وألم وفوضى من شأنه أن يؤثر سلباً على الطفل من نواحي عدة، وقد يلهب خيال الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة المتوسطة بعمر 4إلى 7 سنوات حيث يكون خيال الطفل واسعاً في هذه المرحلة مما يجعله أكثر عرضة للتأثر بالأحداث المحيطة، فيبدأ برسم العديد من السيناريوهات المرعبة التي قد تفرغ لاحقاً إما على شكل أحلام ليلية أوكوابيس أو على شكل مخاوف في حياته اليومية تجعل منه شخصية متأهبة وهذه بحد ذاتها إحدى العوامل المعرضة لتطوير إضطرابات نفسية وجسدية عدة».

وأضافت: «تشير الدراسات إلى أن كثرة تعرض الطفل إلى مشاهد عنيفة وأصوات مرتفعة ومنفرة قد تخلق عنده ما يسمى بتقليل الحساسية التدريجي بمعنى أنه تصبح مشاهد الموت والدماء والدمار مألوفة للطفل وغير منفرة وقد تخلق لديه نوعاً من عدم المبالاة، تؤدي أيضاً إلى زيادة قابلية الطفل لاستخدام العنف والصراخ عند مواجهة مشكلة ما، وتشير الدراسات إلى أن ما يراه الشخص سواء كان بالغاً أو طفلاً في الفترة القصيرة التي تسبق النوم مباشرة له تأثير كبير على جودة النوم وبالتالي على طاقة الفرد وانتاجيته في اليوم الذي يليه، فكما قلنا سابقاً التعود على مثل هذه المشاهد في فترة الليل وما قبل النوم قد يبقي الفرد في حالة من التوتر حتى وهو نائم و قد ينعكس على نهاره وجودة حياته».

وترى دردس أن: «سيطرة مثل هذه الأخبار والمواضيع على الجو العام للعائلة ينقص من الصحة النفسية والإجتماعية للمنزل ويقلل من التفاعلات الإيجابية مع الأبناء وهذا بدوره قد ينعكس على أداء الطفل خارج المنزل مع أصدقاؤه وفي المدرسة».

وتبين مها الطاهات المتخصصة في مجال الإرشاد النفسي بدرجة الماجستير العلامات التي تظهر على الطفل وتدل على تعرضه لصدمة نفسية جراء مشاهدته لمشاهد العنف على نشرات الأخبار وغيرها: «بداية إنكار الطفل وعدم تصديقه لما حدث، عدا عن الغضب الشديد لأبسط الأمور، والشعور بالإحباط والفشل والإستسلام، بالإضافة إلى الحركة الزائدة وغير المعتاد عليها عنده، والخوف والقلق وفقدان القدرة على التركيز، عدا عن الشرود الذهني».

وأضافت: «وهناك أيضاً أعراض فسيلوجية تظهر على الطفل أيضاً منها، إضطرابات في الكلام والتأتأة، والتبول اللاإرادي، و مشكلات في النوم، وفقدان للشهية، وأوجاع عامة في الجسم كالصداع والام المعدة».

وترى الطاهات أن على الأهل في حال وجود هذه الأعراض على طفلهم القيام بعدة إجراءات فتقول: «على الأهل العمل على تجاوز آثار الصدمة في الأسابيع الأولى من خلال التركيز على الدعم المعنوي والنفسي والاجتماعي، عدا عن أهمية النوم الكافي للطفل، والمحافظة على الروتين اليومي للعائلة، والإبتعاد عن مناقشة الأحداث أمام الأطفال، والإبتعاد عن مشاهدة نشرات الأخبار وتبادل الصور عبر مواقع التواصل الإجتماعي».

وقامت بعض وسائل الإعلام كرد فعل تجاه الهجوم الذي تتعرض له بسبب عرضها لمشاهد مفرطة العنف، بنشر تحذير من المحتو أو تصنيفه ليوافق فئات عمرية محددة، هذا الأمر وبطريقة دراماتيكية كان سببًا في حدوث عكس ما تمت من أجله تلك الإجراءات.

تقول نظرية «المفاعلة النفسية» –وهي نظرية تستخدم في علم النفس العكسي – إننا نرغب في ممارسة حريتنا في الاختيار عندما تتاح لنا الفرصة، ومن هنا إننا نميل إلى تكوين رد فعل سلبيا ومعارضا تجاه كل محاولة من الآخرين لحرماننا من بعض تلك الخيارات، حتى لو كانت تلك الخيارات يدعمها المنطق.

هذا النوع من «الممانعة» ينتج ثلاثة تأثيرات، أولها أنك ترغب في الخيار المحرم وتجعل منه أكثر جاذبية. وثانيا، قد تميل كشخص إلى القيام ببعض الخطوات لاستعادة الخيار المستبعد. ثالثا، أنك قد تشعر أو تتصرف بشكل عدواني تجاه الشخص الذي يحول بينك وبين بعض الخيارات.

من هنا فإن الطفل الذي يشاهد علامة «للكبار فقط» قبل عرض بعض المشاهد في نشرة الأخبار أو قبل فيديو على موقع (فيس بوك) فإنه وبنسبة كبيرة سوف يقوم بمشاهدة ذلك المحتوى.