موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

الرئيسية /
روح وحياة
نشر الإثنين، ١٥ يوليو / تموز ٢٠١٩
كبار السن بيننا هم نعمة

رلى السماعين :

كنا في السيارة قاصدين مناسبة اجتماعية في أحد أيام الجمعة ليس من وقت بعيد. مررنا في طريق فيها كثافة حرجية. بالرغم من أن الوقت لا يزال في الصباح الباكر إلا إن المنطقة عجت بالناس -والحقيقة بأننا انتظرنا الصيف بشمسه الساطعة بعد موسم شتاء غني بالمطر على غير العادة، لا أتذمر إطلاقاً بل الشكر لله، هذا جعلنا نتطلع للخروج من عزلة البيوت. في الطريق مررنا على عائلة إصطفت على قرب من الشارع تحت شجرة بلوط كبيرة. الصندوق الخلفي للسيارة لا يزال مفتوحاً مما يعني بأن العائلة كانت قد وصلت للتو. الاب والأم في عملية جادة لإنزال ما حملوه من البيت ليضعوه تحت الشجرة. الأولاد، طفل في العربة يبكي، طفلة ثانية وآخر يصغرها قليلاً قد ابتدوا لعبتهم الخاصة برمي الكرة في الهواء والتسابق لالتقاطها. والدة أحد الزوجين (وجدة الأطفال) جالسة على كرسي تحت الشجرة وواضعة على ركبها غطاء (حرام) خفيف يصل الارض. ذكّرني منظرها بعمتي وداد، الله يرحمها. فهي كانت في عز الصيف في البيت تلبس مدرقة طويلة باكمام طويلة. وكانت العائلة كلها من أعمام وأولاد العموم نتجمع عندها في الحوش ( البستان) مساء كل يوم وخاصة في الصيف. فقد كان الحوش المكان الذي نسمع به (نحن أطفال العائلة بينما كنّا نلعب بين الكبار) سواليف (الأحاديث) العمات والأعمام عن قصص الجدود، وعن السياسة والضيوف الذين جأوا إلى مادبا بعد غياب طويل في أمريكا أو استراليا ونسمع ضحكات الكبار وبكاء الأطفال. الحوش وهو مساحة كبيرة لا بأس بها، يقيه من الشمس الحارة أشجار عنب (دوالي) كبيرة وقديمة ومعلقة على سقف من خشب. عندما ينضج العنب ويكبر قطوفه يكوّن أجمل منظر وكأن بركات السماء تتدلى. أحواض الدالية منتشرة في كل زاوية من الحوش . حول الأحواض والممرات علب سمنة كبيرة التي أصبحت، بعد أن تم إستخدام ما فيها، أحواض لزراعة الورد وخاصة الخبيزة الحمراء وتلك بنفسجية اللون. آخر الحوش غرفتان كبيرتان ومطبخ وتوابعه. بالخارج أربع ادراج خشبية طويلة (بنك) تسع الجميع وإذا جاء ضيوف فالكراسي مصفوفة على طرف الحوش وداخل البيت جاهزة للاستعمال. عمتي وداد كانت تجلس في صدر البيت وغطاء (حرام) خفيف على ركبتيها يمتد للأرض. أذكر عندما سالتها مرة : «عميمة الدنيا شوب ليش متغيطة بالحرام؟» قالت: «اجريّا بوجعنّي يا ميمتي حبيبتي.» الله يرحمك يا عمتي. ذكرني منظر الحجّة الجالسة على طريق الشارع تحت الشجرة بها. وفِي عودتنا وقت الغروب سلكنا من نفس الطريق. من دون إدراك مني نظرت إلى الشجرة إحتمال أردت أن أرى الحجة لانها ذكرتني بعمتي. لم أراها أو أحد أفراد العائلة وحتى المتنزهين الذين هجروا المتنزه عائدين إلى بيوتهم. أفكاري في رأسي بدأت تتوالى؛ كم نحن في نعمة بأننا نعيش ضمن العائلة الممتدة، وبأننا ندرك أن قيمة الانسان تبرز من وجوده ضمن مجتمعه وبين أهله وناسه وهي نعمة. فالشهادات تبلى، والمعارف تتغير والظروف تتحول أما الانسان فيبقى سنده الاشخاص الذين حوله. وبأن إحترام الكبير من الصغير لا يزال له قيمة. وقيمة أي عائلة بكبارها بالعمر والمقام. كبار السن هم الجد والجدة والعم والخال والعمة والخالة الذين هم السند وهم الخبرة وعندهم المشورة الصالحة. شكرت الله على أمورٍ عدة منها عائلاتنا الممتدة، وحفاظنا على قيمنا، وعلى استقرار بلدي.

(الدستور الأردنية)