موقع أبونا abouna.org - إعلام من أجل الإنسان | يصدر عن المركز الكاثوليكي للدراسات والإعلام في الأردن - رئيس التحرير: الأب د.رفعت بدر

نشر الأربعاء، ١٥ مايو / أيار ٢٠١٩
في رحيل المكرّسة ألحان بعد حياة حافلة بمحبة الله والإنسان

الأب ألبير هشام نعّوم – بغداد :

بتاريخ 13 نيسان 2019، رحلت عنّا إلى الديار السماوية المكرّسة ألحان نهّاب، التي أسست عام 2000 في بغداد دار بيت عنيا لرعاية المرضى والمهمشين وخاصّة من النساء. ورحلت ألحان بعمر 47 سنة بعد معاناة مع مرض السرطان تحدته بإيمانها قبل قواها منذ عام 2012.

عزفت ألحان على أوتار رحمة الله لتُسمع الفقراء والمهمشين والمتروكين أجمل مقطوعات الملكوت، ورحلت في يوم سبت لعازر بحسب الطقس السرياني الانطاكي، الذي يسبق الأسبوع المقدس، وكأنّ ألحانها بدأت بموتها تعزف وقع أقدام يسوع وهو يسير في درب آلامه وصولاً إلى الصليب والقيامة.

اتّسمت ألحان بابتسامتها المشرقة التي لم تفارق وجهها حتّى في أقسى لحظات مرضها، وخاصّةً في أيامها الأخيرة التي لم تستطع فيها أن تحرّك سوى عيونها. أحسّت بتدبير الله في حياتها، وفي أصغر الأمور كانت تشعر أنها ابنةٌ لله وأن ربّها لن يتركها، فكان التدبير الإلهي واضحًا في حياتها وموتها.

ألحان صورة للمكرّس اليوم، وخاصّة في وسط الأوضاع المشوشة التي نعيشها في العراق خاصّةً وفي الشرق الأوسط. هناك تحديات من جهة ومغريات من جهةٍ أخرى، تجعل المؤمن يتردد ألف مرّة في تكريس ذاته للمسيح. وبعض التحديات نابعة من وضع الكنيسة الداخلي وأخرى من وضع بلداننا وعدم استقرارها، أمّا المغريات فلا تُعدّ ولا تُحصى وأهمها السفر إلى الغرب والبحث عن الجنة المفقودة التي نرسمها في مخيلتنا!

ألحان تجعلنا نسأل أنفسنا: من هو المكرّس اليوم؟ وهي تجيبنا: إنه من يتّكل على الله كليًا وعلى عنايته الإلهية، متحديًا الظروف بإيمانه وثقته الكاملة بالربّ، ويضع هدفًا ساميًا يحققه بكل قواه وحواسّه. هذه القيم الايمانية لا تتغير أبدًا مهما تغيّرت الظروف، ومهما بدا لنا أن الماضي أفضل بكثير من اليوم. فالدعوة لا تموت، لأن الله الذي يدعو حيّ أبدًا، ولن يأتي زمنٌ تفقدُ فيه الدعوة للتكريس معناها، بل ما يجعل التكريس مميزًا
في عصرنا اليوم هو "القناعة" بالدعوة، وفقط القناعة التي تدفعنا لنتجرأ فنتكرّس لمن كرّس ذاته كلّها لأجلنا.

ارقدي بسلام يا ألحان، شكرًا لكِ لأنّك علّمتينا من جديد ما معنى أن نتكرّس لله ونتحمّل مرضنا وألمنا، ونضحّي بكل ما لدينا وبكل جزءٍ منّا ليحيا آخرون حياة القيامة من بين الأموات. فلن يزال دار بيت عنيا في بغداد شاهدًا لرحمة الله التي شهدتِ له طوال حياتِك.